صناعة "الخيامية".. مهنة تراثية على طريق الزوال


أمام باب محله الصغير في إحدى بلدات ريف حمص الشمالي، يجلس الحاج أبو مهند البريجاوي منشغلاً بخياطة خيمة ملونة طلبت منه، وبدا متحمساً لإنجازها لتأمين لقمة عياله في ظروف النزوح الصعبة، وفي الوقت الذي قل فيه الإقبال على خيم التفصيل لرواج الخيم الجاهزة التي تنتجها مصانع كبرى بمختلف أنواعها.

 ويشكو الرجل الستيني الذي نزح من حي الخالدية منذ سنوات من كساد مهنة الخيامية أو صناعة الخيام التي تعود بأصولها إلى مئات السنين، حيث رافقت-كما يقول لـ"اقتصاد"- حاجة الإنسان إلى مأوى أو مسكن، مضيفاً أن الإنسان القديم قبل أن يعرف المنازل والمباني والقصور عرف الخيمة التي استخدمها لتقيه شدة الحر والشمس في الصيف وقساوة البرد والمطر في الشتاء، ثم تطورت الخيام عبر مراحل كثيرة مع تطور اهتمام الإنسان برفاهيته وتحسين وسائل تكيفه مع الطبيعة وتغيير المناخ، من خيمة الشعر التي رافقت أجدادنا العرب في حلهم وترحالهم وفي بواديهم وحضرهم على حد سواء إلى الشوادر والخيم الملونة التي نراها اليوم في كل مكان على شواطىء البحار والمنتجعات والمعسكرات الترفيهية والفنادق السياحية، رحلة طويلة قطعتها هذه الصنعة التي تميزت بالإبداع والإتقان، ومع اجتياح التتار لبلاد الفرس جاءت فكرة تزيين الخيام وكانت الفئة التي تعمل في هذه المهنة تسمى "الخيامية " كما كان لنشوء دور الطراز في المدن العربية الإسلامية أهمية كبرى في تطور هذه الصنعة، و(الطراز) كلمة مشتقة من الفارسية (ترازيدين)، وتراز تعني التطريز، ثم أصبحت تعني النسيج الموشى بسطور من الكتابة والزخرف.


وإلى ما قبل سنوات الحرب كانت هذه المهنة منتشرة في بعض المدن السورية ومنها حمص لتأمين حاجة الناس إلى الخيم بمختلف أنواعها السياحية والعسكرية والترفيهية. كما ارتبطت الخيام التي خُتمت باسم وشعار المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين unhcr بحياة اللاجئين السوريين، وصارت جزءاً من تغريبتهم القاسية وترحالهم داخل مخيمات النزوح أو في بلدان اللجوء.

ينتمي البربجاوي إلى عائلة عُرفت بهذه الصنعة منذ عشرات السنين وكان أفرادها يشغلون محلات صغيرة فيما عرف بـ"شارع الشوادر" في حي الخالدية الحمصي. وكانت الخيم تصنع في هذه المحلات من شعر الماعز فيما مضى، أما الخيم والشوادر المختلفة الاستخدامات التي نراها اليوم فتعتمد في تصنيعها-كما يقول محدثنا- على قماش الكتان أو النايلون من نوع ( تيل تك ) وقماش (الفراشة) و(تروكلين) و (يبلين) و (ليون).

 وكانت هذه الصنعة منذ أكثر من نصف قرن تعتمد على شغل اليد بواسطة المخرز (الخرز اليدوي)، مثل مهنة الحذائين تماماً. ثم تطورت الآلات التي تعمل بالقدم (الدولاب) وصولاً إلى الآلات التي تعمل بالكهرباء.


وللخيم-كما يقول البريجاوي- عدة أنواع منها السياحية التي تنقسم بدورها إلى عدة أشكال كالخيم ذات الألوان الزاهية التي تُستخدم على الشواطىء للتخييم السياحي وخيم المشاريع الزراعية وخيم المعسكرات وأغلب هذه الأنواع تُصنع من النايلون الصافي والمقلم المعالج لمقاومة عوامل الحرارة والبرودة وتسرب الماء في الشتاء. وهناك الخيم المصنعة من الأقمشة المحلية من القطن الصافي من انتاج الشركة الخماسية وشركة المغازل والنسيج، وهذا النوع من الأقمشة يستخدم للفنادق الحديثة والمطاعم والمقاصف ومنها ما يكون على شكل مظلات تعطي شكلاً جميلاً أخاذاً للمكان بأشكالها الهندسية وزخرفاتها البديعة.

وأشار محدثنا وهو يهمّ بوضع "سفيفة" على أطراف الخيمة التي يصنعها أن الخيم كانت تُصنع حسب طلب الزبائن فمنها ما يكون على شكل بيوت البدو مستطيلة الشكل، ومنها ذات شكل دائري من الأسفل وهرمي من الأعلى، ومنها ما يكون متوازي المستطيلات من الأسفل وتدخل فيها الألوان، ومنها على شكل الخيم العسكرية التي تتميز بأبواب مثلثة، وهناك الخيم الفردية المخصصة لصيد السمك وتستخدم للسكن وصيد القنص والمشاريع العمرانية والزراعية والصناعية، أما الخيم السياحية الملونة-كما يقول محدثنا- فتمتاز بمظلاتها التي توضع فوق باب الخيمة (الفرندة) ومنها ما هو على شكل نصف كرة أو بشكل سطح من الأعلى ومتوازي المستطيلات من الأسفل.


ويشرح البريجاوي مراحل تصنيع الخيمة حيث يتم انتقاء الشكل المراد تصنيعه للخيمة أولاً ثم تأتي مرحلة التفصيل ومرحلة الخياطة وإضافة المستلزمات مثل (السفايف) وهي قشط تقوية داخلية والحلقات وتستخدم للتخريم و(الغربول) الذي يوضع على نوافذ الخيم وهو يصنع من مادة بلاستيكية قوية ومتينة ويُستخدم بدلاً من (المنخل) لمنع دخول الحشرات وغيرها وتصفية الهواء الداخل إلى الخيمة.

 وباتت المهنة كما يقول االبريجاوي في طريق الانقراض بسبب انتشار مصانع متخصصة بصنع الخيم على الآلة بمختلف أنواعها وأشكالها وعزوف الجيل الجديد عن تعلمها لأنها "مهنة بلا مستقبل" كما يقول بعض ممن بقي يزالوها اليوم.

ترك تعليق

التعليق