اختصاصي يشرح لـ "اقتصاد" طاقة الأمواج، ومدى الجدوى منها في سوريا


أعلن المركز الوطني لبحوث الطاقة التابع للنظام قبل أيام أنه وافق على تبني اختراع لتوليد الطاقة الكهربائية عن طريق أمواج البحر، وذلك بعد أن يتم فحصه بصورة نهائية من قبل لجنة من المختصين في جامعة دمشق وفق ما ذكرت مواقع موالية للنظام.

الاختراع الذي وصل له قحطان غانم الحاصل على شهادة معهد متوسط صحي، ويعمل موظفاً في قطاع الصحة في اللاذقية، سبق وأن منحته جامعة تشرين شهادة الدكتوراه الفخرية في الفيزياء دون الذرية وعلم الكون، حسبما أشاعت مصادر إعلامية موالية نقلاً عنه. ضجت به الكثير من الصفحات الموالية للنظام ورأت به المنقذ لمناطق النظام التي تعاني من انقطاع شبه كامل للتيار الكهربائي عن مدنها وقراها.

لكن سرعان ما استدركت وزارة الكهرباء الأمر عبر لجنة شكلتها بالاشتراك مع وزارة التعليم وخلصت للقول بأن غانم لم يقدم أي جهاز يمكن اختباره لتوليد الكهرباء من أمواج البحر أو حسابات (علمية أو ميكانيكية) يمكن تطبيقها عملياً، كما أنه لا توجد لديه أي خلفية كهربائية أو ميكانيكية، وأن الاستفادة من طاقة الأمواج ليست بجديدة وموجودة منذ بدايات القرن الماضي.


محطة تعمل على مبدأ منسوب الماء المتغير ، وصالحة للعمل في نطاق البحر العميق


قرار اللجنة لم يكن مستغرباً على الدكتور هزار شتات، الاختصاصي في نظم التوزيع الكهربائية في المشاريع الضخمة ومدير المشاريع الكهربائية لدى مجموعة فيصل الشرمان في السعودية.

حيث شرح شتات لـ "اقتصاد"، قبل نشر قرار لجنة وزارة الكهرباء، بإسهاب، عن طاقة الأمواج بشكل علمي، مبيناً مدى إمكانية تطبيقها في سوريا، بعد الزوبعة التي أحدثها "قحطان غانم" مؤخراً.

بدأ الدكتور هزار حديثه لـ "اقتصاد" بتعريف لطاقة أمواج البحر بأنها الطاقة الحركية الكامنة في الموجة، وهو مبدأ مختلف كلياً عن طاقة حركة المد والجزر، لذا يجب التفريق بينهما.


محطة نفقية ذات منسوب ماء متغير وصالحة مع بعض التعديل للعمل في المناطق الساحلية كثيرة الموج كشاطئ قرية عرب الملك القريب من مدينة بانياس الساحلية


ونوه شتات إلى أن فكرة استغلال موج البحر لتحريك عنفة دوارة تعود إلى أوائل أيام الثورة الصناعية في أوروبا، وكان الهدف هو التقليل من اللجوء لأحصنة الجر، ثم تبين أن الطواحين الهوائية أقل تعقيداً وأفضل مردوداً، لذا لم تلبث تلك المحاولات أن نامت حتى القرن الثامن عشر، عندما أثيرت الفكرة مجدداً بغية الوصول إلى المحرك دائم الحركة (حجر الفلاسفة بالنسبة للمهتمين بالميكانيك).

وتابع قائلاً: "لقد أدى اكتشاف قانون حفظ الطاقة إلى الوأد الأكاديمي لمفاهيم صنع المحركات دائمة الحركة، ولما كان توليد الطاقة الحركية من الرياح والأمواج لا علاقة له بالموضوع فقد استمرت البحوث الفردية في هذا المجال، وكانت النتيجة دائماً لصالح طاقة الرياح على حساب طاقة الموج، لا لقلة الزخم الطاقوي بموج البحر بل لصعوبة استيلاد آلات قادرة على العمل بكفاءة في ظروف البحر وملوحته وعنفه أيام النوء (ارتفاع الأمواج)، وهدوئه أيام السكون".

وبرأيه فإن اكتشاف النفط الرخيص أوائل القرن العشرين أدى إلى التقليل من البحوث الخاصة بالطاقة البديلة، لكن خضوع النفط لاحقاً للتقلبات السياسية أعاد إلى الواجهة تلك الحاجة الملحة لطاقة بديلة غير خاضعة للتقلبات، كما وأن النفط من الموارد غير المتجددة، ناهيكم عن اهتمام العالم بمشاكل التلوث والاحتباس الحراري مما جعل من المهم جداً الحصول على طاقة نظيفة، وهنا عاد الاهتمام بالطاقة النظيفة (طاقة الشمس، الرياح وأيضاً.. موج البحر).


نموذج توضيحي لمحطة تعمل على مبدأ النقاط العائمة
مع كل كلفة الصيانة الكبيرة لهذا النوع من المحطات فهي الأسهل للتركيب في المياه متوسطة العمق في سوريا



وعن مردود الطاقة الكهربائية الناتجة عن الموج قال شتات إن الطاقة الحركية الكامنة في الموج يمكن أن تحقق للعالم ما يقارب ثلاثة ملايين ميجا واط / ساعي وهي طاقة عملاقة بكافة المقاييس يعيقها على الدوام مقولة (حساب السوق لا ينطبق غالباً على حساب الصندوق).

فإذا فرضنا أن الطاقة الحركية تساوي معيارياً الواحد الصحيح فإن أفضل مردود لأفضل جهاز توليد حديث في ضوء علم الميكانيك المعاصر لا يمكن له أن يحقق أكثر من 0.25 من هذا الواحد المعياري وهو ما يخالف جلياً مبدأ كالفن السيبرنتيكي في جدوى المردود.

وأضاف أن الشيء الذي يمكن أن يكون ايجابياً في هذه الحالة هو أن الطاقة الأساسية للتحريك (طاقة الموج) هي طاقة مجانية، أما الكلفة والاهتراء والعمر القصير نسبياً لمحطات التوليد الموجية فهي كبيرة لدرجة أن المردود لن يغطي أكثر من 40% من الكلفة التشغيلية خصوصاً في محطات التوليد القائمة على مبدأ الأنفاق العمودية ذات مستوى الماء المتغير وكذلك محطات التوليد الطولية.

وربما يكون من الأجدى حالياً اتباع مبدأ المخمدات العائمة، خصوصاً وأنها مع كل سوء المردود صالحة للتوليد من المد والجزر خلال سكون البحر، أو أجهزة النقاط الطافية التي تعمل على تشغيل بستونات تحتية بشكل مباشر عند حركة الموج.

إن بحوث المردود الجيد ما تزال تحبو. وفي استراليا وبريطانيا وشرق الولايات المتحدة محطات تجريبية بحثية تهدف إلى الارتفاع الاقتصادي المجدي بالمردود.

وعن فرض إمكانية تطبيق الفكرة عملياً في سوريا، قال شتات: "الأماكن الصالحة لإنشاء تلك المشاريع هي الأماكن الشاطئية لتعذر تقنية التوليد من البحر العميق في بلد فقير صناعياً كسوريا".

ووصف شتات واقع الكهرباء في سوريا بالمتردي وبالعصي على الإصلاح حيث أن واقع الكهرباء في سوريا سيء حتى قبل الثورة ويتجه للأسوأ حيث أن معظم الضياعات تذهب في الوصلات الرديئة والصيانة الفاشلة للشبكات والمحولات وليس بسبب الاستجرار غير المشروع فقط. فمحول نصف ميجا يستخدم لتغذية حارة ما، لا يقدم معامل استفادة فعلي يتجاوز 60%، ومعظم الضياعات هي في تحول الطاقة إلى حرارة خلال مرورها بأسلاك رديئة ذات مقطع موصل غير كاف.

وختم شتات حديثه بقوله: "إن قراءة متأنية للبحوث في هذا الصدد تبشر بخير على المستوى البعيد، أما في المستوى المنظور فلا حلاً سحرياً للموضوع مهما تشدق وتنطع السيد وزير الكهرباء ومخترعوه الأفاضل".



(النص التفصيلي لقرار لجنة وزارة الكهرباء المشكلة لاختبار فكرة قحطان غانم، والتي خلصت إلى أن فكرته بدائية وغير ذات جدوى)

ترك تعليق

التعليق