اقتصاديات.. "لبننة" الاقتصاد السوري


كان يلفت انتباهنا عندما كنا نزور لبنان في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، ذلك الفارق الكبير بين البنية التحتية وحياة الناس المعاشية..

فالبلد في ذلك الوقت كانت أشبه ما تكون بالصومال من حيث الدمار والفوضى، بينما كان الشعب يعيش كما لو أنه في باريس. فمثلاً، كان من المألوف أن تشاهد أسرة لبنانية تسكن في بيت من الصفيح في أحد أحياء بيروت القذرة والمدمرة، ويحمل جميع أفرادها الجوالات في ذلك الوقت، وتشاهد سيارة "المرسيدس" تقف أمام البيت، ثم تسمعهم يتحدثون عن "الشوبينغ"..

بينما كنا في سوريا وبعد العام 2000، وعندما بدأت ظاهرة الجوالات تنتشر على نطاق ضيق، كان السوري يضع الجوال على خصره، ويمشي فارداً يديه كما لو أنه يحمل مسدساً عيار "16" مم..

على ما يبدو أن التجربة اللبنانية، بدأت تغري الكثير من مسؤولي النظام، لتعميمها في سوريا، فهي تتناسب مع أسوأ دعاية أراد النظام أن يفرضها عبر وسائل الإعلام منذ ست سنوات وحتى اليوم، وهي أن الحياة في سوريا طبيعية وها هي بيوت اللهو وأماكن السهر والكازينوهات لا تزال تعمل كما في السابق وأكثر..

الجديد في الموضوع هو الخدمات البنكية الجديدة التي بدأ يتحدث عنها حاكم مصرف سوريا المركزي دريد درغام، مدعوماً بتغطية إعلامية مؤيدة له ولكل ما يقول وما يفعل، حتى لو كان هراء، بعكس الحاكم السابق أديب ميالة، الذي تحولت وسائل الإعلام في عهده إلى خنجر يطعنه كيفما تكلم أو تحرك..

فالسيد دريد درغام أعلن مؤخراً عن مشروع "وداعاً للكاش" مع بداية الشهر السابع من العام الحالي.. أي أن الدفع سوف يصبح عبر البطاقات البنكية مثلما هو معمول به في أرقى الدول الأوروبية، وهذا الأمر، كما هو معروف، يحتاج لأن يوطن أغلب الناس أموالهم في البنوك والمصارف، وهو أساساً لن يكون مجدياً ما لم يكن هناك توطين للأموال في البنوك.. فما هي الجدوى من هذا المشروع، رغم أهميته، في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى أن الشعب السوري في أغلبه لا يملك قوت يومه..؟

في الواقع، المتأمل لتصريحات درغام حول هذا الأمر، يدرك أن المشروع موجه لأمراء الحرب بالدرجة الأولى وليس للاقتصاد الوطني كما ادعى، لأن من أهم مزايا الدفع عبر البطاقات البنكية هو سهولة تحويل الأموال ونقلها من بنك لآخر، بالإضافة إلى أنه يسهل عملية هروب رؤوس الأموال إلى الخارج، لأن حاملي هذه البطاقات، وخصوصاً إذا كانت صادرة عن البنوك الخاصة، يستطيعون استخدامها في أي دولة في العالم ودون أن يضطروا لحمل الكاش، الممنوع نقله عبر الحدود وفي المطارات بكميات كبيرة..

فهل عرفتم الآن، سر الاحتفاء بدرغام والتطبيل والتزمير له من قبل وسائل الإعلام المخابراتي الأسدي..؟!

ترك تعليق

التعليق