حرفي دمشقي ينقل مهنة "البرادعية" وسروج الخيل إلى الأردن.. ويكشف لـ "اقتصاد" أسرار الصنعة


تُعتبر صناعة سروج الخيل والبرادع من أعرق الصناعات التقليدية التي اشتهر بها السوريون منذ عشرات السنين، وبرع الدمشقيون بصناعة السروج المذهبة والمزركشة بتزاويق ونقوش عريقة، وكانوا يتقنونها اتقاناً شديداً إذ يقضي الصانع منهم شهوراً طويلة في صناعة سرج واحد متقن تتجسد فيه كل معاني الأصالة والعراقة.

 وعُرف لهذه المهنة سوق في دمشق دُعي بـ "سوق السروجية" كانت سوقاً نشطة ورائجة في الماضي ولكنها تلاشت قبل الحرب.

"أبو علي السروجي" أحد ممارسي هذه الصنعة التي ورثها أباً عن جد واكتسبت عائلته كنيتها من المهنة. فر من الحرب بعد أن أغلق محله، ولم يشأ أن يعيش عالة على أحد في ظروف اللجوء الصعبة فاتخذ لنفسه محلاً صغيراً في أحد أزقة مدينة الرمثا على الحدود السورية الأردنية ليمارس المهنة التي أحبها منذ الصغر، وبدأ بتصنيع السروج والبرادع التي باتت تلقى إقبالاً من الأردنيين وبخاصة الريفيين منهم.


وفي دكانه الصغير يرى الزائر أنواعاً عدة من البرادع والسروج مختلفة الأنواع والقياسات وأطواق الخرز التي تتوسطها أجراس ويغلب عليها اللون الأزرق الذي يحفظ الدابة ويحميها من العيون الحاسدة-بحسب اعتقاد العامة- كما يقول- لـ"اقتصاد".

 وروى السروجي الذي ورث صناعة سروج الخيل عن والده وجده أن الخيّالة الفرنسيين كانوا يفدون إلى محل عائلته في سوق السروجية بدمشق لشراء حاجات أحصنتهم وعتادهم أيام الاحتلال الفرنسي لسوريا قبل أكثر من تسعين عاماً.


 وكانت هذه المهنة في الماضي-كما يؤكد- من مستلزمات الحياة اليومية في دمشق حين كان الناس يعتمدون على الحمير والخيول في التنقل والزراعة، أما اليوم فتعتمد هذه المهنة-بحسب محدثنا- على صناعة جميع مستلزمات الخيل من أطواق ورأسيات صوف مدندشة ورأسيات حرير التي يقبل عليها أصحاب الدواب وهواة تربية الخيول.

 وفي السنوات الأخيرة انضم لزبائن هذه الصنعة-كما يقول- بعض سائقي السيارات والمركبات ذات العجلات الثلاث الذين يشترون الأطواق والحروز والطرُر والعقود والخيوط الذهبية التي "يشنشلون" بها سيارتهم كما كان القدماء يتعاملون مع دوابهم.


ويشرح السروجي مراحل صناعة البرادع التي توضع على ظهور الدواب من خيول وحمير وبغال، حيث "يتم فرش اللباد على الأرض ويكون حسب قياس الدابة، ويُقاس اللباد من كتفها بواسطة الخيط، ثم يؤتى بقطع الجنفيص وتُقاس أيضاً بالخيط ويزداد قياسها قليلاً عن قياس اللباد".

 ويمضي محدثنا كاشفاً أسرار الصنعة حيث يقوم الحرفي-كما يقول- بوضع القش بمعدل خمسة عشر سم من كل جانب ويتم حشو القش في منتصف السرج وفي النواحي الأخرى أيضاً للتجانس ثم يخيط الحرفي البردعة ويُدقها لأخذ شكلاً متجانساً، وبعد ذلك يعد الحزام الذي سيشد من تحت إبط الدابة وظهرها، ثم توضع "الحياصة" في المؤخرة، والمرحلة الأخيرة هي توشية السرج بالشراشيب والأجراس والودع والطراطير وغير ذلك حسب طلب الزبون.


ويقبل الأردنيون اليوم-كما يقول الحرفي القادم من دمشق- على شراء منتجاته من السروج المطرزة التي تُخصص لمسابقات الخيل لما عُرف عنهم من اهتمام بالفروسية والاستعراض.

 ومن القطع الملحقة بصناعة السروج اللجام الذي يُوضع في فم الخيل ليتحكم بها الفارس وهي تصنع من الجلد الخالص وتُسمى أيضاً (البلام) وهناك (الركابات) التي تُعلق أسفل السرج وتُستخدم لوضع القدمين عليها أثناء امتطاء الحصان.

ومن قطع الزينة الملحقة بصناعة السروج (السلابند) وهي قطعة تزيينية توضع على صدر الخيل وتُصنع من الجلد والأصواف الملونة والمطرزة وهناك (الكرباج) الذي يُصنع من الخيزران والجلد ويحمله الفارس للسيطرة على حصانه عند اللزوم.


ويستعيد أبو علي السروجي الذي يعمل في هذه المهنة منذ حوالي نصف قرن ذكريات هذه المهنة في الماضي حيث كانت دمشق قبل عقود تضم-كما يقول - ساحة خاصة تسمى ساحة الخيل وكانت مهنة السروجية تلبي متطلبات العاملين فيها كسروج الخيل التي تُصنع من جلود البقر بعد دباغتها و"تنفيشها" وصباغتها باللون المطلوب. وكانت السروج التي توضع على ظهور الخيل تسمى بالعامية الشامية "الجلالات" أما ما يوضع على ظهور الحمير والبغال فيسمى "البرادع".

 وروى محدثنا أن سوق السروجية في دمشق "كان منذ عشرات السنين عبارة عن سوق خياطين عربي للدواب". ومع تطور الحياة والاستغناء عن الدواب كوسيلة للنقل خف الإقبال على انتاج الصنعة وإن كان هناك بعض من يترددون عليه كهواة تربية الخيول الأصيلة أو الريفيين ممن لا يزالون يعتمدون على الدواب في التنقل والزراعة.

ترك تعليق

التعليق