"الجرجير" يحفظ كرامة عائلة سورية


استأجرت عائلة أبو عدنان اللاجئة من سوريا، بعد احتلال نظام الأسد لريف اللاذقية في بدابة عام 2016، منزلاً في الطابق الثاني في بناء مؤلف من طابقين لدى أسرة تركية تتكلم العربية، وتسكن في الطابق الأول في إحدى قرى إقليم "هاتاي" القريبة من الحدود السورية.
 
أعطى المؤجر قطعة أرض مجاورة للمنزل تبلغ مساحتها حوالي 200 متر مربع للمستأجر لكي ينتفع بها خلال وجوده في تركيا بدون مقابل، باعتباره موظفاً ولا يستطيع زراعتها.

بادر أبو عدنان فوراً إلى تقسيم الأرض إلى مساطب بطول ثلاثة أمتار وعرض متر ونصف، وزرعها بعدة أنواع من الخضروات "بندورة وفليفلة وبصل وثوم وبقدونس ونعنع وجرجير وفجل ووو"، لأجل الاستهلاك المنزلي.

وبدأ خلال فترة وجيزة بقطف نبات الجرجير الذي كان نموه أسرع من بقية الخضروات، وكانت كميته كافية لأسرته ولجيرانه ويتبقى منه الكثير في الأرض بدون استهلاك.


جار تركي محترم

استيقظ أبو عدنان صباح يوم في أول شهر آذار 2017، ووجد صاحبة المنزل وزوجها يقطفان نبات الجرجير الزائد عن الاستهلاك، وبعد قطفه جمعاه بوعاء وبعد ذلك جلسا أمام المنزل ورتبا ما قطفاه، ومن ثم وضعه الزوج في صندوق بلاستيكي خلفه على دراجته النارية وانطلق.

أزعج هذا التصرف المستأجر السوري ولكنه لم يظهر ذلك وتابع يومه بشكل عادي، وفي المساء حضر المؤجر وزوجته لزيارة المستأجر السوري وناوله الزوج مبلغ 30 ليرة تركية، وقال له: "هذا سعر الجرجير الذي قطفناها صباح اليوم من مسطبتك، وما عليك سوى أن تفعل كما فعلنا كل يوم، وأنا آخذ ما تقطفه إلى السوق وأبيعه لك وهذا أفضل من بقائه في الأرض دون فائدة وخصوصاً أن الكمية كبيرة".


باب للعيش بكرامة

كان هذا التصرف من الجار التركي بمثابة طاقة نجاة للسوري المستأجر، وأصبح كل يوم يقطف ما يستطيع من مسطبته الصغيرة للجريجر، ويعطيه لصاحب المنزل الذي يأخذه في طريقه إلى محل لبيع الخضار، ويقبض ثمنه يومياً ويحضره معه، ومن ثم قام بتعريف المستأجر السوري على صاحب محل الخضار الذي أبدى استعداده لشراء كل ما ينتجه من خضروات وحسب سعرها الرائج.

تواصل موقع "اقتصاد" مع أبو عدنان الذي قال: "لقد قبضت خلال أسبوع من إنتاج مساحة لا تتجاوز7 أمتار مربعة من الأرض مبلغ 130 ليرة تركية ثمن جرجير".
 

وأضاف: "أنا أملك في سوريا مساحة كبيرة من الأراضي، ونزرع مختلف أنواع الخضار، ولكننا لم نكن نزرعها للبيع وإنما للاستهلاك الذاتي، لأننا نعتمد بشكل كامل على زراعة أشجار التفاح والخوخ وكافة أنواع الفواكه الأخرى التي تعيش في المناطق الباردة نسبياً من جبال الساحل".

وتابع: "لقد اكتشفت من هذه التجربة البسيطة، أننا قادرون على أن نعيش بكرامتنا دون أن نحتاج أحد، وقد استأجرت فوراً قطعة أرض قريبة من سكني من أحد أهالي القرية وبمبلغ زهيد، تبلغ مساحتها حوالي 2000 متر مربع، (دونمين)، وأقوم الآن بتنظيفها وتجهيزها للزراعة، سأستغلها بزراعة الجرجير والبقدونس والنعنع وكافة أنواع الخضار، كما يفعل جيراني من الأتراك الذين أبدوا استعدادهم لمساعدتي في الزراعة والتسويق، وتعليمي الطرق الصحيحة للتعامل مع الخضروات كما أن أحد جيران الأرض قد أبدى استعداده لتأمين مياه الري لما أزرعه".


وأعرب أبو عدنان لـ "اقتصاد" عن سعادته الكبيرة لأنه وجد مصدراً للرزق يعيده إلى حياته الطبيعية ويشغل كامل وقته ولم ينسى شكره لجاره الذي أرشده على هذا الطريق، وتمنى على كافة اللاجئين السوريين الاعتماد على أنفسهم بطرق مبتكرة.

ترك تعليق

التعليق