مناطق سيطرة النظام في درعا.. تفرغ من الرجال


في أحد البيوت المستأجرة بريف درعا الغربي، يعيش منذ أشهر قليلة، الثلاثيني حسام عبد الرحمن، مع أسرته المكونة من طفلين وزوجة، تاركاً خلفه والديه المسنيين في مدينة درعا المحطة، التي ولد وتعلم فيها.

ويقول حسام 30 عاماً، "لقد ولدت وعشت طفولتي وكل ما مضى من عمري في بيت والدي، في أحد أحياء درعا المحطة، لكنني اضطررت لتركه وترك عملي في أحد المحلات التجارية قبل عدة أشهر، والنزوح إلى ريف درعا الغربي، بسبب الملاحقات الأمنية المتكررة، ووجود إشعار بسحبي إلى الخدمة الاحتياطية في جيش النظام".

وقال: "لا أود أن أكون في صفوف قوات النظام، ولا أريد أن أحمل السلاح في وجه أبناء بلدي، لذلك اخترت الخروج من المدينة إلى المناطق المحررة لكي لا أساق إلى الخدمة عنوة"، لافتاً إلى أنه رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها نتيجة وضعه الجديد، إلا أنه يشعر بالراحة والرضا.

من جهتها، تشير أم عمار 50 عاماً، من سكان درعا المحطة، إلى "حالات الخوف والقلق وعدم القدرة على النوم كباقي البشر، بسبب خوفها على ابنها العشريني الذي أنهى دراسته الجامعية مؤخراً".

وتقول: "كنت طيلة الوقت مرتاحة رغم مرارة الظروف التي نمر بها، لكن منذ أن تخرج عمار من الجامعة وأصبح في سن الخدمة الإجبارية، وانتهاء تأجيله الدراسي، أصبحت في حالة خوف دائمة من أن يساق إلى الخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام، وأفقده في هذه الحرب المجنونة"، مشيرة إلى أنها بذلت جهوداً كبيرة هي ووالده، حتى أقنعته بالذهاب للسكن في بيتهم القروي في إحدى القرى المحررة، كي يتخلص من هذه الورطة.

بدوره، أبو طارق، 65 عاماً، وهو رجل متقاعد، عبّر عن ندمه الشديد لنقل أسرته إلى مدينة درعا هرباً من الأحداث الجارية في منطقة حوض اليرموك، لافتاً إلى أن إصراره على الرحيل تسبب في اعتقال ابنه طارق ذي الخامسة والثلاثين عاماً، إيذاناً بسوقه إلى الخدمة الاحتياطية في صفوف جيش النظام.

وقال أنه "راجع المكان الذي يعتقل فيه ابنه، وقيل له أنها إجراءات روتينية مؤقتة وسيتم سوقه لاحقاً إلى الخدمة الاحتياطية"، مشيراً  إلى أن طارق هو أب لثلاث طفلات وهو المسؤول عن إعالة أسرته.

فيما أكد ضياء، 25 عاماً، وهو طالب جامعي، أنه "لم يقدم امتحانات بعض المواد في سنته الدراسية الأخيرة، وذلك ليحافظ على تأجيله الدراسي على أمل أن يحدث شيء، وتتغير أمور البلد"، موضحاً أنه فضل عدم تقديم مواد المقرر رغم تحضيره الجيد لها، وضمانه التخرج، لكنه تراجع عن ذلك خوفاً من السحب إلى الخدمة الإجبارية.

ويشير الناشط الحقوقي أبو ليث الدرعاوي إلى أن "مناطق سيطرة النظام في درعا المحطة وازرع والصنمين والمناطق التابعة لها، باتت تخلو من الشباب إلا ما ندر"، لافتاً إلى أنه قلما تشاهد رجلاً عمره أقل من أربعين سنة في هذه المناطق، وذلك بسبب مغادرة  الشباب ومن هم في سن الخدمة الإجبارية والاحتياط إلى المناطق المحررة، الواقعة تحت سيطرة الفصائل، هروباً من الخدمة في قوات النظام، التي باتت متهالكة وتعتمد في تعدادها وعديدها على المرتزقة من الإيرانيين والميليشيات الطائفية.

وقال إن "سلطات النظام تستخدم أساليب الترغيب والإغراء المالي تارة، والترهيب والتهديد بالاعتقال تارة أخرى، لاستقطاب الرجال إلى صفوف اللجان الشعبية أو إلى صفوف (الفيلق الخامس اقتحام) والذي بدأ يظهر في جميع المناطق السورية، مستغلة الأوضاع الاقتصادية المتردية لمعظم السكان في مناطق سيطرة النظام المختلفة".  

وأضاف أن "أغلب من يسكن مناطق النظام هم من كبار السن والنساء والأطفال والطلاب في المراحل الثانوية"، مشيراً إلى أن حتى كبار السن من 40 إلى 50 سنة، باتوا عرضة للتجنيد في ما يطلق عليه (الفيلق الخامس – اقتحام) الذي يهدف إلى تطويع الرجال من هذه الأعمار، لتعويض النقص الحاصل في قوات النظام، نتيجة الخسائر المتلاحقة والانشقاقات الكبيرة في صفوفها.

ولفت إلى أن "الفعاليات التجارية والاقتصادية في مناطق النظام باتت تديرها بعض النساء وكبار السن، نتيجة الإجراءات السابقة، وقلة عدد الرجال"، مشيراً إلى أن الكثير من المحال التجارية تعمل فيها نساء من أعمار مختلفة، بحثاً عن لقمة العيش بعد غياب المعيل الرئيس، والانحدار الكبير الذي أصاب الليرة السورية أمام الدولار، وغلاء الأسعار وضعف الرواتب الشهرية التي لم تعد تكفي لأيام قليلة.

وتقول السيدة عفاف، 52 عاماً، "أصبحت مضطرة للعمل في محل السمانة هذا، وذلك بعد أن سافر ابني سالم إلى تركيا، لقد كان هو المعيل الوحيد كون زوجي  كبير في السن وعاجز، ولكن الظروف وعدم الشعور بالأمان أجبرته على الرحيل من سوريا، علماً أنه أدى الخدمة الإجبارية قبل عدة سنوات، وأن وضعه لا غبار عليه حسب معلوماتنا"، لافتة إلى أنها تعمل في المحل هي وابنتها العشرينية التي مات زوجها بقذيفة على بيتها في درعا البلد، "تاركاً لها طفلين لا معيل لهما سوانا"، كما قالت.

وأضافت: "العمل بات ضرورياً حتى نستطيع تأمين احتياجاتنا، لأنه "لم يعد لدينا  شيء نعيش منه غير هذا المحل".

فيما أكدت نجاح، 40 عاماً، صاحبة محل بيع ألبسة جاهزة، إنه لم يقسم لها الزواج، وهي الآن تعيل والديها العاجزين وأطفال أخيها الشهيد، مبينة أن أخيها الآخر هرب من البلاد مع زوجته وأولاده خلال فترة النزوح في بدايات الأزمة السورية، بحثاً عن الأمن والأمان، ولم يتبق لوالديها وأولاد أخيها سواها.

وأضافت أنها تنفق ما تجنيه من أرباح على والديها وعلى تربية أطفال أخيها الشهيد، وتقوم بكل مسؤولياتها تجاههم.

وقالت بحسرة وألم: "إن جلت في هذه المنطقة ستجد الكثير من النساء العاملات في المحال التجارية، لم يعد هناك عدد كبير من الرجال، كلهم راح بين شهيد ومهاجر ومعتقل بسبب الحرب".

ترك تعليق

التعليق