بعد أن كانت مهنة بلا مستقبل.. صناعة حدوات الخيل تعود من جديد إلى ريف حمص الشمالي


قبل أن تغيّب الحرب الكثير من المهن التراثية في سوريا، لفظت مهنة صناعة وتركيب حدوات الخيل أنفاسها منذ سنوات، واندثرت بعد انتفاء الحاجة للخيول والحمير كوسيلة تنقل، وأصبح من يمارسونها يُعدون على أصابع اليد لرحيل صناعها القدامى وعزوف الجيل الجديد عن تعلمها لأنها مهنة بلا مستقبل كما يقول بعض من يزاولها اليوم.

 ولكن هذه المهنة المندثرة انتعشت من جديد في ريف حمص الشمالي، حيث ينتشر اليوم العديد ممن يزاولونها كمصدر رزق لهم في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها سكان المنطقة، ومع عودة الناس لاستخدام الخيول والحمير كوسيلة للتنقل وممارسة أعمال الزراعة المختلفة في ظل ندرة الحصول على الوقود لتشغيل سياراتهم وجراراتهم الزراعية.

ويُطلق على من يقوم بتصنيع وتركيب الحدوات اسم "البيطار" وهي تسمية معروفة في جميع البلدان العربية، وتعود هذه المهنة إلى أيام غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانت الخيول لا تستطيع التحرك في الرمال، فابتُكرت الحدوة التي تُركب في أقدامها.


 ومن المعروف أن الخيول حظيت بمكانة خاصة في حياة العرب دونها مكانة الأبناء والنساء، شُغفوا بها وهتفوا لها واهتموا برعايتها وفي ذلك يقول ابن هذيل "فلم تزل العرب تفضل الجياد من الخيل على الأولاد وتستكرمها للزينة والطرد على أنهم ليطوون مع شعبها ويظمأون مع ريها ويؤثرونها على أنفسهم وأهليهم عند حلول الأزمة واغبرار آفاق السنة الشهباء".

 ومن فرط اهتمام العرب بالخيل وحنوهم عليها أنهم كانوا يخشون عليها أي مكروه فيعلقون عليها التمائم والتعاويذ والرقى رداً للعين ودرءاً للحسد، وبلغ من محافظتهم عليها أنهم كانوا يتخذون لها نعالاً من الحديد وقاية لحوافرها من حزونة الأرض وحماية لها من صخورها الصلبة. وفي ذلك يقول زهير بن بن أبي سلمى:
تخطو على ربذات غير فائرة تُحذى وتُعقد في أرسانها الخدم.


في النصف الأول من القرن العشرين كان الناس يعتمدون كثيراً على الحمير والخيول والبغال كواسطة نقل لذلك كان الإقبال على مهنة البيطار أو صانع حدوات الخيل واسعاً، وكان في حمص وحدها أكثر من خمسين حرفياً يزاولون هذه المهنة في دكاكين خاصة أو عبر التجوال في القرى والأرياف حاملين أدواتهم البسيطة المؤلفة من الجاكوش والكماشة والكفة والمبرد وريشة قص الحافر وقرمة خشبية توضع تحت الحافر أثناء العمل، وكان الناس يركبون عربات تجرها الخيول ونظراً لأن هذه الدواب كانت تسير على الطرق الترابية أو تعمل في الفلاحة ونقل المحصول لذلك كانت كثيراً ما تتعرض للإصابات في حوافرها ومن هنا نشأت الحاجة لوضع حدوات من الحديد الكامل بداية لعزل حافر الدابة عن الأرض وتجنيبها الإصابة بأذى العمل والسير.


 وكانت الحدوة-كما يقول أبو عبد الرحيم كنعان– أحد حرفييها القدامى لـ"اقتصاد" تُصنع من الحديد بسماكة 3 ملم حيث تُقص على شكل أسوارة ويتم إحماؤها بالنار وثقبها بالسنبك (وهو مثقب من الفولاذ الرفيع) ثلاثة ثقوب وتُثبت النضوى أو الحدوة بواسطة المسامير على حافر الدابة.


ويردف محدثنا: "مع دخول الإسفلت إلى طرق المواصلات أصبح من الضروري استبدال حدوات الحديد بمادة أخرى تمنع انزلاق الدابة، ولذلك تم ابتكار نعلة الكاوتشوك للحافر مع أسوارة معدنية"، وهي-كما يقول محدثنا- قطعة تؤخذ من إطار دواليب السيارات التالفة يجري تفصيلها على شكل حدوة الدابة مع وضع إسوارة من الحديد المبسط حولها على شكل الحدوة المعروفة وتُثقب هذه الحدوة من الجانبين بمعدل ثلاثة ثقوب لكل جانب بواسطة مثقب خاص على النار ويتم تثبيتها أسفل الحافر بواسطة مسامير خاصة ذات رؤوس معدنية مربعة وثنيها إلى الخارج ومن ثم تسويتها بالمبرد حتى تصبح وكأنها جزء من الحافر، مشيراً إلى أن "التسمير" يجب أن يتم بحرفية، أي تُوضع "الحدوة" جانب الحافر، ولكن بعيدة عما يسمى "اللحمية أو الظفر الحي في قدم الحصان أو الحمار".


ترك تعليق

التعليق