القمار والحشيش.. آفة أوروبية، كيف تعامل السوريون معها؟
- بواسطة فؤاد عبد العزيز – خاص – اقتصاد --
- 05 آذار 2017 --
- 0 تعليقات
قلما تجد شارعاً في أوروبا، لا يوجد فيه محل للعب القمار، وبنفس الوقت قلما تمشي في شوارع المدن الكبيرة ولا تشم رائحة دخان الحشيش وهي تعبق في المكان.. فهاتان الآفتان تنتشران على نطاق واسع في الدول الأوربية، وقلما ينجو إنسان من تجريب إحداهما لسهولة الوصول إليهما.. وتبدو المشكلة كبيرة في حال تكرار التجربة، فهذا يعني الخطوة الأولى في مرحلة الإدمان..
ما يعنينا من طرح هذه المشكلة هو وضع السوريين الذين قدموا إلى الدول الأوربية، فكيف تعاملوا مع هذه المشاهد..؟، وما هي وسائل دفاعهم لتجنيب أبنائهم من التورط في الإدمان على إحداهما أو كليهما..؟
أسئلة محرجة
لا يزال السوري يشعر بالحرج عندما تسأله إن كان قد جرب سابقاً تدخين الحشيش أو تجريب إحدى ألعاب القمار خلال تواجده في أوروبا.. فهو على الفور ينفي ويتهجم على هذه العادات السيئة، ولكنك تستطيع أن تكتشف من حديثه وهو يحاول تبيان مضارهما ومخاطرهما إن كان قد جربهما من قبل أم لا..
وفي العموم لا نسعى في هذا الريبورتاج أن نعطي بيانات أو نقدم أرقاماً عن علاقة السوريين بالإدمان على لعب القمار أو الحشيش، فهو أمر صعب جداً، وغالباً من يتورط بهاتين الآفتين، يحاول ما أمكن أن يخفيهما عن أقرب الناس إليه.. لكننا بنفس الوقت لا نستطيع أن نقول أنه لا يوجد حالات إدمان كثيرة على القمار أو الحشيش بين السوريين، بل هناك الكثير من الحالات وخصوصاً بين أشخاص لم يسبق لهم من قبل أن جربوا إحداهما في سوريا، وذلك لعدة أسباب، أبرزها بحسب ما أوضح لنا عبد الرزاق، وهو جزائري يعمل في إحدى صالات لعب القمار ويقيم في فرنسا منذ أكثر من ثلاثين عاماً، أولاً، أنها لا تعتبر عيباً في أوروبا، وثانياً، سهولة الوصول إليها وتواجدها في كل مكان تقريباً،.. وثالثاً، وهو الأخطر بحسب عبد الرزاق ذاته، الراتب الذي تمنحه الدول الأوروبية لكل من يقيم على أراضيها في حال كان بلا عمل، إذ يرى أن ذلك يساعد في التورط في عادات سيئة، لشعور المرء بأنه حصل على هذا المبلغ بلا تعب.. فهو غالباً ما يصرفه كذلك بلا تعب..
السوريون هم الأقل إدماناً
يعمل عبد الرزاق في مقهى يقع وسط مدينة مونبلييه الفرنسية، وفي فرنسا أغلب المقاهي تتضمن صالات للعب القمار، وهي كذلك أمكنة خصبة لمتعاطي الحشيش.. يقول عبد الرزاق، إنه على مدى أكثر من 15 عاماً من عمله في المقهى، لم يشاهد زبوناً سوريا واحداً في مقهاه يلعب القمار أو يدخن الحشيش.. لكن مؤخراً بات يتردد بعض السوريين من أعمار متوسطة على المقهى ويجربون حظهم، بلا مبالغة، في بعض ألعاب القمار.. ثم تحدث عن شاب سوري، يأتي على رأس كل شهر إلى المقهى ويصرف مبلغاً يقدر بـ 200 يورو في لعب القمار، ثم شاهده في الخارج وهو يدخن الحشيش.. وتابع عبد الرزاق بدون تأثر: "أخبرني أنه جديد في المدينة ويرغب في البحث عن عمل"..
بدوره يرى بشير، وهو سوري مقيم في فرنسا منذ نحو ثلاثين عاماً، أن السوريين الذين كانوا يقصدون أوروبا، هم أغلبهم من النخب المثقفة أو من أوساط تجارية معينة، وهذه الطبقة بحسب بشير، لا يمكن أن تنزلق إلى مثل هذه المهاوي، لكنه يرى أنه مع قدوم أعداد كبيرة من السوريين إلى أوروبا، بات يخشى على الأجيال الشابة أو التي تنشأ هنا، من الإنزلاق إلى آفة القمار أو الحشيش أو المخدرات أو حتى الإدمان على الكحول وأماكن الصخب والسهر والدعارة، والتي جميعها يسهل الوصول إليها، ولا تحتاج إلى تلك المبالغ الكبيرة في البداية..
ويتابع بشير، الذي لديه ولد وبنت، ولدا ونشأا هنا، وهما الآن بأعمار فوق العشرين، أن الطفل والشاب عندما يتربى في أسرة، يختلف عن الشاب الذي قدم لوحده إلى أوروبا.. فالثاني أكثر تعرضاً للانحراف، ويرى أنه قلما ينجو شاب قدم لوحده من الإدمان على أحد الموبقات المنتشرة بكثرة هنا في أوروبا..
رأي مختص
حاولنا في هذا الباب الاستعانة برأيين لمختصين إثنين، أحدهما سيكولوجيست فرنسية والثانية لمختصة سورية في شؤون التربية وتنشئة الشباب..
تقول "مانو"، وهي فرنسية تعمل في مركز لمعالجة مشاكل الأسر والشباب والأطفال: "يجب أن نفرق بين ممارسة الشيء والإدمان عليه"، وهي لا ترى بالضرورة أن كل من يكرر فعلاً معيناً، فهو مدمن عليه، بل قد يكون متوازناً في تجريبه ومنضبطاً.. فهي مثلاً تقول أن أغلب الشعوب الأوروبية يلعبون القمار، وهي عادة وتشبه ألعاب اليانصيب، لكن قلة قليلة منهم المدمنون، وتقصد "مانو" بالمدمنين أولئك الذين يخاطرون ويجازفون للحصول على ما أدمنوا عليه..
وتتابع "مانو" فيما يتعلق بمشاكل الإدمان لدى المهاجرين وأبنائهم، وخصوصاً الوافدين الجدد، أن ذلك على الأغلب ناتج عن التبدلات الحياتية التي يتعرضون لها، ما يدفع الضعفاء منهم نحو ممارسة عادات سيئة، تارة من باب التجريب وتارة أخرى من باب الهروب من مواجهة المشاكل الطارئة التي يتعرضون إليها في إقامتهم الجديدة..
وترى "مانو" أنه على مستوى القوانين، فإنه في فرنسا يمنع تجارة الحشيش وتداوله بأي طريقة كانت وهناك عقوبات شديدة لمن يتورط في هذا المجال، لكنها بنفس الوقت تعترف بانتشاره وسهولة الوصول إليه، مشيرة إلى أن ذلك ليس من اختصاصها الحديث عن أسبابه.. وهي ترى في العموم أن سرعة إندماج الوافدين الجدد في المجتمعات الأوروبية من الأسباب التي تساعد على فهم أعمق لطبيعة الحياة الأوروبية، ويجنبهم بنفس الوقت، الذهاب في متاهات الشوارع الضيقة التي يرتادها المدمنون..
أما فريال وهي سورية مختصة في شؤون الأسرة والشباب، فهي تعتقد أن الأسرة السورية التي قدمت إلى أوروبا لديها جهود مضاعفة لكي تحمي أبنائها من الإنزلاق نحو ما يفسد حياتهم ومستقبلهم هنا.. وهي ترى أن ذلك لا يكون إلا من خلال المتابعة والمراقبة المستمرين لسلوك الأبناء، ومحاولة التقرب منهم باستمرار ومعايشة مشاكلهم الجديدة والتعامل معها بوعي، وليس بنفس العقلية التي يحملونها معهم من موطنهم الأصلي..
وتضيف فريال، أن السوري أثبت على الدوام أنه مختلف عن غيره من المهاجرين، حتى من يتعرض للانحراف، لا يلبث أن يعود إلى رشده بعد فترة، نظراً لأن أغلب السوريين ينتمون إلى أسر مستقرة، بما في ذلك الشباب الذين اختاروا الهجرة إلى أوروبا بدون أسرهم.. فهؤلاء بحسب فريال، تنتقل معهم منظومة القيم التي تربوا وعاشوا عليها، وتبقى هذه المنظومة حاضرة على الدوام في سلوكهم وتعمل على انضباطهم كلما فكروا بمغادرتها..
ومن خبرتها، تقول فريال، إن أغلب مشاكل الإدمان التي تعرفت عليها خلال عملها كانت أبرز أسبابها الأسرة المفككة بالدرجة الأولى والجاهلة بالدرجة الثانية، وهي ترى أن نموذج هذه الأسرة نسبته محدودة جداً في سوريا، ناهيك عن أن من اختار قرار الهجرة من الأسر السورية إلى أوروبا لا يمكن أن يكونوا من النموذجين السابقين.. فهو قرار بحسب رأيها يدل على أن من اتخذه يمتلك قدراً كبيراً من الوعي، ويعرف على الأقل جانباً كبيراً من طبيعة الحياة الجديدة المقبل عليها هو وأسرته..
التعليق