تحقيق مفصّل لـ "اقتصاد".. كيف تؤمن مياه الشرب لعائلتك في ريفي إدلب وحلب؟


بقيت أزمة المياه في مختلف المناطق السورية، حاضرةً، تفرض نفسها على الأهالي، في ظل انقطاع شتى السبل في عودتها إلى القرى والبلدات في أرياف إدلب وحلب. كان آخرها تصليح خط "الكهرباء الإنساني" والذي مازال منقطعاً عن المناطق المحررة في ريف إدلب وحلب، منذ ثمانية أشهر، حيث كانت تعتمد عليه المجالس المحلية في تغذية محطات المياه.

 بهذا الصدد، ذكرت مصادر مطلعة لـ "اقتصاد" أن عمليات إصلاح خط الكهرباء قد انتهت، لكن الخلاف ما يزال قائماً بين متفاوضين من النظام ومن فصائل المعارضة، حول الكمية التي ستدخل للمناطق المحررة في الشمال، بالإضافة لتوزيع الكميات بين محافظتي إدلب وحلب.

وتقف اليوم معظم المجالس المحلية والتي بات يقع على مسؤوليتها إدارة المناطق، عاجزةً عن تأمين المياه، وضخها للمنازل والأحياء السكنية، نظراً للتكاليف العالية المترتبة على تشغيل المحطات وتوفير مادة الديزل، حيث وصل  سعر البرميل الواحد لـ 60 ألف ليرة سورية، في المناطق المحررة.


صهريج المياه هو البديل.. والأهالي دوماً "الضحية"
 
لا شك أن الأهالي قد بحثوا عن آلية جديدة لتأمين المياه لمنازلهم، فقد عمدوا لتعبئة خزاناتهم المنزلية، عبر صهاريج المياه، ومنهم "أبو محمد" أحد سكّان قرية عقربات بريف إدلب، والذي تحدث لـ "اقتصاد"، عن الحال الذي وصلوا له في ظل الأزمة، يقول: "نحتاج لصهريج كامل أسبوعياً، بـ 2500 ليرة سورية، بمعدل 10 آلاف ليرة سورية شهرياً، وهي ما تعادل أكثر من ثلث الدخل، حيث أصبحت تكاليف إضافية، تثقل كاهلنا، في ظل الغلاء الذي نعاني منه في كافة المواد"، ويشتكي "أبو محمد"، خلال حديثه من تفاوت في أسعار التعبئة من صهريج لآخر، دون وجود ضوابط من قبل جهات رسمية.

وتختلف أسعار صهاريج المياه من منطقة لأخرى، مسجلةً تفاوتاً ملحوظاً قد يصل لضعف الرقم، حيث تتراوح بين الـ 1500 ليرة سورية إلى 3000 ليرة في مناطق أخرى، ويعود ذلك بحسب ما رصد "اقتصاد" في بعض المناطق في ريفي إدلب وحلب، إلى مدى احتكار السعر من بعض أصحاب الصهاريج، ومحدودية عددها، وخاصةً في البلدات والقرى المتوسطة المساحة وعدد السكان.


 كما تلعب بعض المجالس المحلية دوراً في تخفيض سعر الصهاريج وضبطها، حيث عمدت بعض المجالس المحلية، كـ "حل ٍ بديل ومؤقت"، بعد عجزها عن ضخ المياه للأحياء، إلى تشغيل مناهل مياه على نفقة المجلس، لتزويد الصهاريج، مقابل مبالغ رمزية لسد التكاليف، وبذلك تساعد في تخفيض السعر إلى جانب توحيده.

 مسؤول الإعلام في مجلس مدينة معرة مصرين بريف إدلب، مصطفى سرمداوي، قال في حديث لـ "اقتصاد": "عمدنا في المجلس المحلي، بعد توقفنا عن عملية الضخ لأحياء المدينة، إلى تشغيل مناهل المياه، على نفقة المجلس، وتزويد الصهاريج، مقابل 500 ليرة سورية، شريطة بيعه بمبلغ 2000 ليرة سورية، وبذلك نساهم في تخفيضه 1000 ليرة مقارنة بباقي المناطق".

 واعتبر "سرمداوي" خلال حديثه، أنه في حال وجود منظمة أو أي جهة داعمة، يمكن توفير المياه للمواطن بأقل من هذا السعر بكثير.


 وعلّق على الموضوع، مصطفى أبو محمد، وهو سائق صهريج، قائلاً: "سعر الصهريج، بالنسبة لنا يتعلق بأمور عدة، وأهمها قوة الضخ والتوقيت الذي نستغرقه في تعبئة الصهريج، وهذا يختلف من منهل لآخر"، ولعلّ هذه بعض الأسباب التي يستخدمها سائقو الصهاريج لتبرير تفاوت السعر من منطقة لأخرى، على حدّ وصف الأهالي.

الناشط المحلي في مدينة الأتارب بريف حلب الغربي، محمد إبراهيم، تحدث لـ "اقتصاد" عن دعم تجمع من المنظمات لقطاع المياه، في مدينته، لكنه أشار إلى أن دعم المنظمة لا يكون مستقراً ودائماً، حيث حدد المجلس المحلي جباية بمبلغ 1000 ليرة سورية عن كل بيت للحفاظ على ديمومة الخدمة، وهذا ما رحب به الأهالي بدلاً من 10 آلاف ليرة سورية مصروف مياه من شراء الصهاريج، والأمر ذاته لجأ له، المجلس المحلي بمدينة سرمدا بريف إدلب، إنما الأمر متوقف بشكل أساسي على تجاوب الأهالي، في تسديد الجباية، حسب وصف الناشط.
 
مناهل المياه.. مشروع اقتصادي رابح والصهاريج فرص عمل لمئات الشباب
 
قبل قرابة السنتين، بدأ "عمر مصطفى" العمل على صهريج المياه، بعد تفاقم الأزمة، في بلدته حزانو بريف إدلب الشمالي، لتكون مصدراً لرزقه، بعد أن تفرغ للعمل عليه، قال خلال حديثه لـ "اقتصاد": "أصبحت صهاريج المياه، التي كانت تستخدم للمشاريع الزراعية، فرصة عمل ومشروع استثماري عمد الناس لمزاولته، في ظل زيادة الطلب على شراء المياه، حيث يتراوح دخلي اليومي ما بين الـ 4 إلى 5 آلاف ليرة سورية"، مشدداً على الجهد والتعب الكبيرين، حيال هذا العمل.

 أما "عبدالغني"، وهو مالك منهل المياه، الذي يزود "عمر مصطفى" صهريجه منه، كان قد قرر قبل قرابة الأربعة أشهر، إعادة تأهيل المشروع الزراعي، الذي تملكه العائلة منذ سنوات، من خلال تجهيز البئر، كـ "منهل للمياه"، يقول: "كان التجهيز، من خلال شراء مولدة كهرباء، وإعداد منصة للصهاريج مجهزة بأنبوبين، وتأهيل بئر المياه وصيانته من جديد"، كما أشار لـ "اقتصاد" إلى أن تكلفة التأهيل وصلت لـ 3000 دولار أمريكي، أي ما يعادل المليون ونصف المليون ليرة سورية، مؤكداً على ربحية المشروع بشكل كبير.


آبار "سطحية" منزلية.. للقضاء على الأزمة

"طالت القصة، والمصاريف بازدياد، والمتاعب في تأمين المياه كثرت"، بهذه العبارات عبّر "محمد الصالح" من ريف إدلب الجنوبي، عن الأزمة، وهو ما قرر على إثره، البدء في حفر بئر مياه سطحي، في حوش منزله الكبير،  رغم التكاليف التي وصلت لـ 3000 دولار أمريكي، لحفر البئر، إنما الأزمة المتعبة اضطرته لذلك.


نزار بحيري، من ريف سراقب الشرقي، وهو مالك أحد حفّارات الآبار، يجد أن الإقبال على حفر الآبار في الآونة الأخير، قد ازداد بشكل ملحوظ، واعتبر أن غياب المسائلات القانونية، والضرائب قد شجعت الأهالي على حفر الآبار، إضافةً للأزمة الخانقة، وأوضح لـ "اقتصاد" طريقة التعامل في عمله، قائلاً: "قبل البدء في العمل وبعد الاتفاق على التكلفة، نقوم بالتوقيع على عقد مع صاحب البئر، وذلك كضمانٍ أكبر"، أما التكلفة، بحسب "بحيري" فهي تختلف حسب العمق، حيث تبلغ تكلفة حفر الـ 50 متر، ألف ليرة للمتر الواحد، و 1500 ليرة سورية للمتر الواحد في عمق الـ 100 متر، في حين تصل تكلفة حفر بعمق الـ 200 متر، 500 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 2500 ليرة للمتر الواحد.

وأخيراً، أكد "أبو عبدو" أحد سكان بلدة الجينة بريف حلب الغربي، أن أضعاف مضاعفة يمكن توفيرها، من خلال الاعتماد على بئر المياه السطحي، حيث أفاد أنه بـ لتر مازوت واحد، بكلفة 300 ليرة سورية، لمولدة الكهرباء، تمكنه من تعبئة كامل خزاناته اليومية، موفراً بذلك شهرياً، أكثر من 10 آلف ليرة سورية، قياساً لمصاريف الصهاريج.


ترك تعليق

التعليق