مساند وتكايا القش.. صناعة تركية أحياها أهالي بلدة "دير بعلبة"، وبعثرتها الحرب
- بواسطة فارس الرفاعي- خاص - اقتصاد --
- 02 آذار 2017 --
- 0 تعليقات
قبل أن تهجّرهم الحرب في جهات العالم الأربع ويذوقوا مرارة اللجوء والحاجة اتخذ أبناء بلدة دير بعلبة- شرق حمص- مهنة كانت تمثل مورد رزق لهم ولأبنائهم على مدى سنوات طويلة، وهي صناعة تكايا – مساند- القش التي تصنع من الحلفة التي تنمو على أطراف البحيرات والأنهار.
وصناعة المساند والتكايات "القشية" مهنة تقليدية اختصت بها البلدة الواقعة على طريق مدينة سلمية، تعود في أصولها إلى الأتراك حيث سُميت قديماً "دوشك"، وعرفتها البلدة مع بدايات الخمسينات عندما تعرف إليها رجل يدعى "عبد الوهاب الكحيل"، فتعرف إلى أسرارها ونقلها إلى أبناء بلدته، وكانت هذه الصناعة بدائية في بداية انتشارها وأدواتها عبارة عن سيخ حديدي ذي شعبين يُلف حوله القش ويتم حشوه في القالب وكان مردود هذه الصناعة لا يتجاوز خمسة مساند أو تكايات وازداد هذا المردود في السنوات اللاحقة ليصل إلى أكثر من خمسة أضعاف.
وكانت أكوام القش ترتفع إلى عدة أمتار وفي منتصفها فتحات شبيهة بأبواب الأكواخ كان عشرات من أهالي الحي رجالاً ونساء وأطفالاً يعملون فيها بنشاط وهمة ومتعة تحت الشمس اللاسعة ليكتسبوا لقمتهم بعرق النهار ضمن كرنفال جماعي يفتقده أهالي دير بعلبة الموزعون في أنحاء العالم اليوم.
دأب أهالي البلدة على الذهاب صيفاً إلى غور العاصي ومجرى النهر المار من حمص حيث تنتشر أعشاب طويلة تشبه سعف النخيل والخوص تنبت في مغايص المياه تسمى "الحلفا" أو "السعد" ويأتون بها إلى مكان وجود البيادر ويرصونها على شكل أكوام كبيرة، وأكثر انتاجهم يكون في فصل الشتاء حيث يقضون الصيف في جمع القش من "حلفا" أو بقايا حصيد الحنطة ثم يقومون بفتح فجوات في هذه الأكوام حسب الجو واتجاه الريح على شكل كهوف داخلية للعمل فيها.
"محمد كنعان"، أحد الشبان الذين عملوا في مهنة صناعة التكايا لسنوات ويعيش لاجئاً في الأردن الآن، تحدث لـ"اقتصاد" عن طريقة تصنيع التكية أو المسند، فبعد تجفيف القش وتجميعه بأكوام مرتفعة وترصيصها لمنع تسرب مياه الأمطار إليها يؤتى بأكياس الخيش التي يتم تفصيلها بأحجام متساوية توضع في القالب ويتم تسميرها من الأطراف العلوية حتى تحافظ على شكلها الطبيعي، ثم توضع قطعتان من الكرتون على وجهي المسند، أما التكايا "الجنبية"-كما يقول- فتوضع لها أربع قطع وعادة ما يكون العمل صباحاً لتتم الإستفادة من ليونة "الحلفا" من خلال الندى الصباحي، ويتم وضع "الحلفا" على شكل رزم تُرصّص بواسطة "المهدة"-مطرقة خشبية ثقيلة- حتى تأخذ شكل القالب تماماً، وبعد الانتهاء من تعبئتها يقوم الحرفي بفتح القالب من الجنب لإخراج المسند بشكله المتكامل وإخاطته ثم جمع الإنتاج لإرساله إلى المنزل من أجل تلبيس الوجه بالسجاد أو "الكريتون" حسب رغبة المستهلك أو المتعامل.
ويختص الرجال-كما يقول كنعان- بتعبئة القش وترصيصه لأنه يحتاج إلى قدرات عضلية، أما النساء فيقتصر عملهن على جمع القش وخياطة المسند.
وكان إنتاج الفرد على قالب واحد بمعدل 36 مسنداً يومياً ومنها طقم واحد (أي 12 مسند ظهر) والإنتاج المتوسط طقمان، أما التكايات الجانبية فتُصنع حسب طلب المشتري وعادة ما يكون فرش المساند بلون واحد وتكون التكايات متلائمة معها بنفس اللون.
وبستخدم حرفيو هذه المهنة -بحسب محدثنا- العديد من الأدوات الخاصة بها وهي عبارة عن قالب على نوعين، قالب مسند وقالب مسند جنب يسمى "تكاية" " و"المهدة" وهي على شكل مهباج لترصيص القش في القالب والقنب والكرتون بالإضافة إلى "المذراة" و "المسلة" لتهوية القش وهي على نوعين "مسلة طويلة" و "مسلة ميير".
ولفت كنعان إلى أن هذه المهنة ازدهرت في السنوات الأخيرة قبل أن تبعثرها الحرب وكانت تمثل مورداً اقتصادياً هاماً لأهالي البلدة، مشيراً إلى أن "منتجات التكايا والمساند كانت تصدّر إلى خارج سوريا وأُقيمت في بعض الأقطار العربية كالمملكة العربية السعودية مراكز لصناعة المساند والتكايات يديرها أبناء بلدة دير بعلبة وبخاصة في مدن "خميس مشيط " و "الطائف" و "المدينة المنورة " و "الرياض" ومدينتي"بعلبك " و"طرابلس" اللبنانيتين وغيرها من المدن".
واشتهرت "دير بعلبة" بالعديد من المهن الأخرى التي كانت تؤمن اكتفاءاً اقتصادياً لأبنائها ومنها صناعة البرغل الذي كان بمثابة موسم تقليدي أشبه بالعيد، وصناعة الدبس وتربية الخيول الأصيلة وتربية النحل وصناعة العسل. وتُعد دير بعلبة البلدة الوحيدة التي لم يدخلها الإقطاع نهائياً وظل أهلها ملّاك الأراضي فيها قبل أن تهجّرهم سياسة النظام الممنهجة.
التعليق