واقع سوق الذهب في الغوطة الشرقية.. في رصد خاص لـ "اقتصاد"


لم تدرك "أم محمد"، المرأة الخمسينية، أنه سيأتي يوم تضطر فيه لبيع الذهب الذي وصفته بأنه "جنى العمر"، فقد حصلت عليه خلال 25 سنة ماضية من خلال ما كان يكسبه زوجها الشهيد من أعماله في مجال بيع الأجهزة الكهربائية.

تضيف "أم محمد" بأن السنوات الخمس الماضية كانت الأشد مادياً عليها وعلى أسرتها على الإطلاق، فبعد استشهاد زوجها قبل ثلاث سنوات نتيجة سقوط قذيفة في مكان تواجده، لم تجد بديلاً عن بيع الذهب الذي كان بحوزتها بشكل تدريجي، وذلك من أجل تأمين ما يلزم من طعام وشراب وكساء وتدفئة لعائلتها.

هذا معظم حال السكان في الغوطة الشرقية إبّان يوميات الحصار القاسية الممتدة على مدى أربع سنوات. وإذا ما بحثنا عن مصادر دخل العوائل نجد أن معظم تلك المصادر كان نتيجة بيع القطع الذهبية التي كان يمتلكها قاطنو تلك المناطق. ونتيجةً لذلك فقدت الغوطة الشرقية معظم قوتها الإقتصادية بخروج الذهب إلى خارج الغوطة.

التقينا بالسيد "أبو حسان"، نائب رئيس جمعية الصاغة في الغوطة الشرقية، والتي تم تأسيسها حديثاً، حيث أكد لنا أن السبب الرئيسي لخروج الذهب والمجوهرات خارج الغوطة هو أن غالبية الصيّاغ هم من الطائفة المسيحية، الأمر الذي اضطرهم إلى إخراج الذهب ونقل محلاتهم إلى خارج الغوطة حفاظاً على تجارتهم، وهناك أسباب تتعلق ببيع الذهب من قبل العوائل المحاصرة من أجل تأمين متطلبات معيشتهم، الأمر الذي جعلنا نحن كصيّاغ داخل الغوطة نعمل على محاولة إعادة التوازن لسوق الذهب والمجوهرات الذي يعتبر قوة اقتصادية للغوطة الشرقية.

 ومن هنا أتت فكرة تأسيس جمعية الصاغة في الغوطة من أجل ضبط أساسيات العمل في هذه المهنة، ومنع حدوث التلاعب في الأسعار من قبل بعض تجار الذهب، وتجنباً لحدوث التزوير.

ومع تطور الأداء الخاص بأصحاب المصالح والمنشآت الإقتصادية فإن مسألة إنشاء جمعية الصاغة في الغوطة قد لاقت اهتماماً كبيراً لدى محال الذهب والمجوهرات. ولعل القضية الأبرز التي تواجه هذه الجمعية في الوقت الحالي هو ضبط أسعار البيع والشراء.

 وللوقوف على طريقة تسعير الذهب في المنطقة أكد لنا "أبو حسان" أن الجمعية غير معنية بنشرة الأسعار الصادرة عن جمعية الصاغة لدى النظام السوري، "حيث نقوم نحن في الجمعية بتسعير المجوهرات حسب النشرة العالمية للذهب والدولار، فالذهب هو نقيض الدولار، عندما ترتفع الأونصة ينخفض سعر الدولار".

وأضاف "أبو حسان" أن الإنهيار الإقتصادي في سوريا جعل الناس تُقبِل على بيع العقارات وشراء الذهب بغية تجميد رأس المال وهذا الأمر حصل بشكل كبير في الغوطة الشرقية في الآونة الأخيرة، لأن المخزون الأفضل في هذه الأيام هو الذهب عكس العقارات التي هي أكثر قابلية للقصف، وعكس العملات النقدية أيضاً القابلة للتلف بسبب أنها ورقية. وبشكل عام عندما تكون الميزانية الإقتصادية لأي كيان هو الذهب فإن ذلك أفضل بكثير.

وحول وجود ورش خاصة بتصنيع الذهب ضمن الغوطة الشرقية، كشف "أبو حسان" عن وجود بعض الكفاءات المتخصصة بهذه المهنة داخل الغوطة، لكن الخوف من اختلاط الذهب المصنوع في الداخل مع الذهب الموجود في العاصمة هو من جعلنا نتوقف عن التصنيع، لأن صناعة أي قطعة ذهبية تحتاج إلى ختم خاص على القطعة، وعند شراء أي قطعة من الداخل مختومة بختم خاص من الغوطة، يجعل النظام السوري يضيق الخناق بشكل أكبر على هذه المادة، وإحداث هالة إعلامية من شأنها أن تؤثر على سوق الذهب داخل الغوطة.

ونتيجة للوضع الإقتصادي الحرج الذي تمر به الغوطة الشرقية قلّما نجد أحداً من الناس يقوم بشراء قطعة ذهبية بحسب "أبو راتب"، صاحب أحد محلات بيع الذهب الموجودة في مدينة دوما، الذي أكد لنا أن عملية البيع والشراء ضعيفة جداً باستثناء خاتم الخطبة أو الزواج أو قطع ذهبية صغيرة.

 وأضاف "أبو راتب" أن هناك بعض الناس تقوم ببيع سيارة أو عقار أو منزل ثم تستبدل النقود بذهب خوفاً من انخفاض قيمتهم في ظل التقلبات غير المستقرة في أسواق العملة.

 وختم "أبو راتب" أن سوق الذهب والمجوهرات يشهد استقراراً نسبياً في الأسعار مع تقلبات بسيطة بين اليوم والآخر.

ومما لا شك فيه أن القوة الإقتصادية للدول تعتمد على الذهب بالدرجة الأولى. ومع مستويات التضخم القياسية التي حصلت خلال الفترة الأخيرة في الإقتصاد السوري، بات شراء الذهب (باستثناء تجميد رأس مال عن طريق الذهب) هو أكمل الكماليات لدى الشعب السوري على عكس ما كان الحال في سابق الأيام، عندما كان لا يعرف الحصار طريقه إلى بيوت الملايين.

ترك تعليق

التعليق