الرستن بلا مياه.. و"المحلي" بين ناري "سياسة الجمعيات" وقرار "الجباية"


تستمر معاناة أهالي مدينة الرستن بسبب انقطاع مياه الشرب. فما أن يبدأ أحدهم في تنفيذ أعمال إغاثية بهذا الصدد، حتى يتوقف، وتعود المشكلة للظهور من جديد. وتدور الأزمة في حلقة مفرغة منذ أكثر من خمس سنوات، بسبب عدم انتظام الدعم وجفاف مصادره المقدمة من مجلس محافظة حمص الحرة، منذ زمن بعيد.

ويشهد ريف حمص الشمالي بشكل عام أوضاعاً معيشية صعبة بسبب الحصار المفروض. لكن حالة النزوح إلى مدينة الرستن زادت الأزمة تعقيداً، فقد ناهز عدد سكان المدينة الـ 80 ألف نسمة.

نداء استغاثة

وبسبب تفاقم الأزمة وانقطاع للمياه دام أكثر من أسبوعين على التوالي، أطلق المجلس المحلي حديث العهد في المدينة، نداء استغاثة منذ الثامن عشر من الشهر الماضي، ناشد عبره المنظمات والهيئات الإغاثية بتأمين مادة (المازوت) لتشغيل مضخة المياه، لكن التجاوب لم يكن على المستوى المطلوب.

 المهندس يوسف درويش، رئيس المجلس المحلي في المدينة، قال لـ"اقتصاد": "لم نتلق حتى الآن أي رد على نداء الاستغاثة من أي جهة تدعم أو تمول تشغيل المضخات بشكل مستمر، باستثناء جمعية /الأيادي البيضاء/، حيث قدمت كمية محدودة من المازوت تكفي لعدد محدود جداً من ساعات الضخ".

وأضاف درويش: "المحطة تغذي ما يزيد عن 40 ألفاً، والمنطقة التي تغذيها المحطة يقطنها السكان الأفقر تقريباً على مستوى الريف، وجلهم من النساء والأطفال".

سياسة الجمعيات

يُعتبر ريف حمص الشمالي من المناطق التي يصعب الوصول إليها، كما صنفتها الأمم المتحدة في تقاريرها، وكذلك تعتبر الجمعيات التي تتخذ أغلبها من مدينة "غازي عينتاب" التركية مقرات دائمة لها، الريف الشمالي لحمص، منطقة محاصرة، وتقوم بفرض سياساتها في المنطقة.

 فمدراء مكاتب الجمعيات لا يمتلكون أدنى هامش حركة في عملهم، فمن غير الممكن أو "مستحيل"، أن يُقتطع من مبالغ مقدمة لمشروع تدفئة، مبالغ تُستخدم في عملية ضخ للمياه، مما جعل المنطقة بكاملها تحت رحمة "سياسات" الهيئات المانحة. فتارةً المنطقة بلا خبز وتارةً أخرى بلا مياه. وفي العام الماضي توقفت المضخات عن العمل بسبب عطل فني في المحرك، فتبنت إحدى الجهات عملية الضخ، لكنها لم تستطع اقتطاع مبلغ لإصلاحه على الرغم من أن المبلغ لا يتجاوز الـ1000 دولار أمريكي، حتى تم تأمينه من أحد أبناء المدينة المغتربين.

وفي هذا السياق قال درويش لـ"اقتصاد": "طلبنا من الجمعيات الموجودة في نطاق مدينة الرستن الإداري التعاون في تشغيل محطات الضخ ولو كان ذلك على حساب مشاريع التدفئة، إلا أننا لم نجد القبول".

الجباية

وفي ظل هذه المعطيات يطفو مجدداً قرار الجباية من السكان لتغطية نفقات الضخ. قرار لطالما ترددت المجالس المتعاقبة في فرضه، بسبب الوضع المأساوي لسكان المدينة، وخوفاً من انفجار الشارع، لكن في ظل الوضع الراهن، فإن "طرح موضوع الجباية لم يعد خياراً على ما يبدو، بل أضحى ضرورة رغم الضعف الشديد للسكان مادياً، لأن جباية المياه من الممكن أن تكون أقل تكلفة من أن يقوم السكان بالاعتماد على شراء الماء من الباعة الجوالين"، بحسب درويش.

واقع الأزمة

بمجرد توقف المضخات عن العمل، يبدأ عمل باعة المياه من خلال سيارات تحمل صهاريج، حيث يصل سعر المتر المكعب من المياه إلى 500 ليرة، وهو مبلغ يعجز عنه ثلث السكان تقريباً.

 أبو ناصر، من سكان الرستن، قال لـ"اقتصاد": "أنا عاطل عن العمل منذ بداية الثورة، وقد استنفذت جميع مدخراتي خلال سنوات الحرب، ودخلي في اليوم لا يتجاوز الـ 200 ليرة، فكيف أطعم أطفالي الخمسة، وأشتري متر ماء بـ 500 ليرة".


ترك تعليق

التعليق