درعا.. سيرة الانحدار نحو الفقر والعوز في قصص تُروى لـ "اقتصاد"


أدت الحرب المشتعلة في سوريا منذ نحو ست سنوات، إلى انتشار الفقر على نطاق واسع وتفشي البطالة في صفوف الأيدي العاملة، التي فقدت أعمالها ومصادر رزقها الأساسية، الأمر الذي اضطر بعضها للبحث عن مهن جديدة، واضطر بعضها الآخر إلى بيع أملاكه.

بهذا الصدد، يقول الناشط الحقوقي أبو قيس الحوراني، إن الأعمال الإجرامية التي يقوم بها النظام ضد المناطق المحررة في درعا، واستهدافه بشكل متعمد لمصادر أرزاق الناس، تسببت بهذه الحالة من عدم الشعور بالأمان، مما دفع الناس إلى ترك أعمالهم وأنشطتهم الاقتصادية، والهرب إلى مناطق آمنة سواء داخل البلاد أو خارجها، لافتاً إلى هروب الكثير من أصحاب الفعاليات التجارية ورؤوس المال إلى الدول الأوروبية، ما تسبب بفقدان الكثير من العمال لمواقع عملهم، وبالتالي  مصادر رزقهم.

ويقول عمار، 35 عاماً، "أنا أب لخمسة أطفال، كنت أعمل في معمل لصناعة الشيبس بالقرب من درعا، مقابل راتب شهري، لكن بسبب الحرب والاستهداف المباشر للمنطقة من قبل قوات النظام، أغلق صاحب المعمل معمله وفر إلى خارج البلاد"، لافتاً إلى أنه حاول البحث عن أي عمل يؤمن لقمة أولاده لكنه لم يجد. 

وأضاف: "أنا الآن على باب الله، لا عمل لدي، أعيش على بعض المساعدات الإغاثية التي تقدمها بعض المنظمات الإنسانية، والتي بالكاد تكفي عدة أيام"، مشيراً إلى أنه لم يركّب صوبيا في منزله، لعدم وجود وقود أو أموال لشرائها، وأنه يتدفأ على موقدة، هي عبارة عن عبوة زيت فارغة /سطل/.

فيما أكد قصي، 28 عاماً، وهو رجل أمن سابق وأب لطفلين، أنه ترك عمله في سلك الأمن الداخلي مع انطلاقة الثورة في العام 2011، نتيجة ما شاهده من أعمال إجرامية قام بها زملاؤه ضد المدنيين العزل، موضحاً أنه  لجأ إلى الأردن مع بداية النزوح، لكنه عاد إلى أرض محافظة درعا قبل عام ونصف، نتيجة إبعاده من قبل السلطات الأردنية.

وأضاف: "منذ ذلك الحين حاولت أن أجد عملاً أعيش منه، لكني لم أجد عملاً مستقراً"، مشيراً إلى أنه عمل بائع بسطة، وبائع بنزين، وعامل مياوم، وانتهى به المطاف إلى العمل "حطاباً" بعد أن اشترى منشاراً كهربائياً.

وأضاف: "أذهب إلى الأودية ومجاري الأنهار، أنا وصديقي حسن، نقطع الأشجار منها، ونحملها على الدواب، ونبيعها لمن يرغب"، لافتاً إلى أن تجارة الحطب نشطة في معظم مناطق درعا المحررة كمصدر للتدفئة والطهي، بسبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية، وعدم توفرها بشكل دائم.

وقال: "أحياناً نعمل بالإيجار في تقطيع الحطب، ونحصل على  خمسة آلاف ليرة سورية أجرة الطن الواحد، وأكثر إذا كان الخشب قاسٍ".

فيما أكد ناجي، 45 عاماً، أنه أغلق محله التجاري لبيع الألبسة بسبب خسارته الكبيرة، نتيجة مصادرة كميات كبيرة من الملابس كانت قادمة إليه من دمشق على أحد حواجز قوات النظام، لافتاً إلى أنه لم يتبق لديه أموال بعد خسارته الكبيرة، والتي قدرت بنحو 10 آلاف دولار.

وأشار إلى أنه بدأ يعمل في بيع مياه الشرب، من خلال جرار زراعي وصهريج يملكه، موضحاً أنه يقوم بتعبئة هذه المياه من الينابيع الصالحة للشرب، ويبيعها للمواطنين مقابل أثمان مقبولة، حسب وصفه.

فيما أكد سالم، 65 عاماً، وهو مقاول ومتعهد، أنه كان يملك أسطولاً من سيارات النقل والبلدوزرات ومعدات الحفر، وأنه اضطر إلى بيع معظم معداته بعد أن توقفت أعماله بسبب الحرب، لافتاً إلى أنه استنفذ كل مدخراته المادية وسيولته المالية، وبدأ يبيع كل ما يمكن بيعه من معدات لتأمين المواد المعيشية.

وتمنى أن تنتهي الأزمة التي تعيشها البلاد بأسرع ما يمكن، لأن أمور الناس بدأت تسوء بشكل كبير نتيجة سوء الظروف الاقتصادية وتوقف عمليات الإنتاج التي شملت كل المجالات، لافتاً إلى أن النظام بأعماله الإجرامية دمر كل شيء في المناطق المحررة، فلم يبق مشاغل أو معامل أو أي أنشطة أخرى، يمكن الاستفادة منها، إضافة إلى أن النظام أخرج مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية من عمليات الإنتاج، بسبب الألغام التي تركها مزروعة فيها، ما فوت على أصحابها الاستفادة منها، زاد على ذلك الحصار الخانق الذي يفرضه النظام على المناطق المحررة، الأمر الذي أدى إلى مضاعفة أسعار المواد عشرات المرات، كما قال.

فيما أكدت، أم عبد العزيز، 55 عاماً، أن زوجها عاجز ولا يستطيع القيام بأي عمل، وأنها لم تعد تملك أي أموال أو عقارات، لافتة إلى أنها باعت كل تحويشة العمر، وقطعة الأرض التي ورثتها عن أهلها، لمساعدة ولديها بالسفر إلى خارج البلد، ولتأمين بعض المال للإنفاق على الطعام والشراب.

 وقالت: "إن الحياة صعبة جداً والأعمال متوقفة، ما في شغل ولا عمل، والمساعدات الإغاثية لا تكفي"، معبرة عن أملها أن يوفق الله ولديها بعمل، يستطيعان من خلاله مساعدتها ولو بالأمور المعيشية، وعلاج والدهما المريض.

وتشهد مناطق محافظة درعا المحررة صعوبات جمة، وانتشار كبير للفقر والبطالة، تتزايد تداعياتها وآثارها مع استمرار الأزمة في البلاد، إذ تتحدث إحصائيات غير رسمية عن أرقام مخيفة في هذا الإطار.

ترك تعليق

التعليق