مربعينية وخمسينية وسعودات ومستقرضات


تتوارث الأجيال في جبال الساحل السوري تقويماً وضعه الأقدمون من مراقبة أحوال الطقس وتقلب الأحوال الجوية على مر العصور، ووضعوا تقسيماً للشتاء منذ بدايته وحتى نهايته، تبعاً لدرجات الحرارة وتساقط الأمطار والثلوج، وصولاً للربيع وانبعاث الحياة في الأرض.

مربعينية وخمسينية

يبدأ الشتاء وفقاً للتقويم الغربي بـ 21 كانون أول ويستمر لمدة 90 يوم حتى 21 آذار ويقسم إلى فترتين. الأولى: وتستمر 40 يوماً، وتسمى "المربعينية"، من 21 كانون أول وحتى 30 كانون ثاني. الثانية: ومدتها 50 يوماً وتسمى "الخمسينية" وتبدأ من 31 كانون ثاني وتنتهي بـ 21 آذار.

تتميز المربعينية بالبرد الشديد، ويعتبرها الأهالي فترة ثبات وكمون لأن أغصان النباتات تكون جافة ولا تسري فيها السوائل، وفي هذه الفترة يلتزم الناس في منازلهم ويعتبرون بردها قاتلاً، وخصوصاً بالنسبة لكبار السن، ويعبر المثل الشعبي الفكاهي الدارج عن خطورتها (عالنار ياختيار)، أي تدفأ أيها الرجل العجوز كي تحافظ على حياتك وإلَا فإن "نار الآخرة تنتظرك".

تنخفض الحرارة وتتساقط الأمطار والثلوج في هذه الفترة، وبناء على ذلك يستطيع الفلاحون تقدير المواسم في العام التالي، ويتشاءمون في حال كان سطوع الشمس كثيراً خلالها، ويعتبرونها مسبباً للمرض.


الخمسينية

تقول المربعينية عند انتهائها "اللي ما عجبوا حالي جايينوا أيام السعود خوالي"، كما يقول المثل الشعبي.

تبدأ خمسينية الشتاء بيوم 31 كانون ثاني، وتنتهي بـ 21 آذار، وتقسم وفقاً للموروث الشعبي إلى أربعة أجزاء (سعودات)، ومدة كل سعود 12 يوماً ونصف. الأول"سعد دبح" وينتهي بـ 12 شباط وسمي بهذا الاسم لأن برده شديد، وتكثر فيه الوفيات نتيجة أمراض البرد خلال "المربعينية" التي تصيب كبار السن، ويعبر عن شدة البرد خلاله بالمثل القائل "الكلب ما نبح والراعي ما سرح"، لأن الكلاب في هذه الأيام تدخل المنازل أو الاسطبلات حيث الدفء، والراعي لا يستطيع الخروج بدوابه إلى المرعى.

الثاني "سعد بلع" وينتهي بنهاية يوم 24 شباط، سميت هذه الفترة هكذا تعبيراً عن زوال حالة التجمد التي تعيشها الأرض، وتفكك التربة مما يجعلها تبتلع الأمطار لتخزنها في باطنها "السما نبَاعة والأرض بلَاعة"، حيث تمتلئ الآبار وتتفجر العيون وتجري السواقي.

الثالث "سعد السعود" ويمتد من 25 شباط وحتى8 آذار، وخلال هذه الفترة تميل درجة الحرارة إلى الارتفاع وفيه يقول المثل "بسعد السعود بتدب المية بالعود وبينكسر البرود".

الرابع "سعد الخبايا" ويبدأ من 9 وحتى 21 آذار، وفيه تبدأ بيوض الحشرات بالتفقيس إلى يرقات، وتخرج الأفاعي من أوكارها، وتنتشر روح الشباب والانبعاث من جديد "بسعد الخبايا بتتفتَل الصبايا".


المستقرضات

تقول الحكاية الشعبية بأن عجوزاً استهتر بشهر شباط قبل نهايته بأربعة أيام بقوله "شباط قد ما شبط ولبط بيحمل روائح الصيف"، وهذا القول أغضب شباط الذي طلب من أخيه آذار استعارة ثلاثة أيام منه "ثلاثة منك وأربعة مني لنخلي العجوز تولي"، وهذه مجموعها سبعة أيام تسمى "المستقرضات" وتسمى أيضاً "العجائز" لوقوعها أواخر فصل الشتاء وتكثر فيها الأمطار والزوابع.
 
الجمرات

يقول الناس وفقاً لمورثهم الشعبي بسقوط ثلاث جمرات من الجحيم، تتسبب بارتفاع درجات حرارة الأرض في نهاية شهر شباط وبداية شهر آذار، وتنطفئ تدريجياً مع نهاية الصيف وخلال الخريف.

تسقط الجمرة الأولى في 20 شباط وخلال أسبوع لتبدأ درجات حرارة الهواء بالارتفاع، وتسقط الجمرة الثانية في 27 شباط وبها ترتفع حرارة المياه، لتسقط الجمرة الثالثة في 6 آذار وعندها ترتفع حرارة التراب، لتبدأ عناصر الطبيعة الثلاث مساهمتها في ممارسة دورها بعودة الحركة والحياة من جديد للأرض والحيوان.


مناسبات

تتخلل هذا الفصل من الشتاء مناسبات تتعلق بالطبيعة أو بالأعياد الدينية، كعيد "الميلاد" بتاريخ 25 كانون أول، وفي هذا اليوم تتساقط الأمطار الغزيرة عادة "المسيحي بيقَص إيدوا إذا ما صار مطر يوم عيدو".

وعيد "القوزللي" وهو مناسبة مقدسة عند "العلويين" في الساحل ويحتفلون بذبح تيس أزرق كما يشاع عنهم (جدي أزرق)، ويمارسون طقوس دينية غريبة مع نتف شعر الجدي باليد، وفقاً لما تنقله الحكايات الشعبية.

وينتهي الشتاء بعيد الربيع 21 آذار أو "الزهورية" كما يسميه أبناء الساحل، وهو مناسبة قديمة تعود إلى عصور ما قبل الميلاد، وينسب إلى الملكة عشتار، ويقابله في مصر عيد شم النسيم بنفس التاريخ.

ترك تعليق

التعليق