تغيرت بعد الثورة.. بالصور: تعرّف على جغرافيا التهريب ومعادلاته، بين سوريا ولبنان


خلال سنوات طويلة قبل الثورة السورية، كان التهريب أمراً شائعاً بين لبنان وسوريا، يميزه حركة عبور القوافل وصهاريج و"بيادين" المازوت والبنزين المحملة من سوريا إلى لبنان. وغالباً كان ذلك يتم باستخدام حيونات (الحمير، أحصنة "كديش")، وفي حالات أخرى كان يتم عبر أنابيب تُمدد عبر الحدود، فكانت تتجاوز كمياتها مئات الليترات يومياً، بالإضافة لآلاف الأطنان من السلع الغذائية ومواد التنظيف وسواها من المواد المنتجة في سوريا، والتي تعبر باتجاه لبنان نتيجة الطلب الملحوظ عليها لفرق الأسعار الكبير وفرق العملة. وكان يُلاحظ وبشكل واضح أن عمليات التهريب تنشط في القرى والبلدات الحدودية مع سوريا عبر المعابر غير الشرعية التي تربط بين البلدين بشكل عام.

(اغنام داخل معبر الشركة المتحدة)

التهريب يتغير شكلاً ومضموناً

لكن بعد اندلاع الثورة السورية، تغير مسار الأمور. كمثال، اعتاد أبناء وادي خالد (شمال لبنان) على توفير احتياجاتهم الأساسية من الداخل السوري مستفيدين من فارق الأسعار بين البلدين وبشكل كبير في كل شيء تقريباً، من غذاء وتدفئة وصحة. ومع اندلاع الثورة السورية بدأت الأحوال بالتغير، لتختفي قوافل المازوت والوقود القادمة من سوريا إلى لبنان، وتحل مكانها حركة الهاربين من السوريين العابرين إلى لبنان بشكل غير شرعي، بأسعار تتراوح بين (700-1500) دولار للرجال، و(500-700) دولار للنساء. ويسعى سوريون إلى دخول لبنان بشكل غير شرعي، تجنباً لإجراءات وتعقيدات الدخول الرسمي إليه. لكن تهريب البشر لم يُوقف قوافل تهريب السلع والحيوانات، فعلى الحدود السورية – اللبنانية، كل شيء متاح.
 
(معبر العبودية الرسمي اللبناني)

معابر التهريب في ريف حمص

عمليات التهريب، (تهريب البشر، والمواد التموينية والمواشي والخضراوات..)، من سوريا إلى لبنان أو بالعكس، تتم ليلاً، وبالتعاون مع عناصر حرس الحدود والحواجز الأمنية، الذين يحصلون على "المعلوم" من المُهربين.

(رمل بناء داخل معبر الشركه المتحدة لادخاله لسوريا)

ومنذ مدة، قفزت إلى الواجهة، وجوه جديدة وظاهرة جديدة، وهي التهريب في وضح النهار (وعلى عينك يا تاجر)، والتهريب بات حكراً على عناصر الشبيحة من حواضن شعبية موالية للنظام، يديرهم قادة "شبيحة" معروفين في المناطق القريبة من الحدود.

معبر جسر قمار الرسمي

 وغالباً ما تجد قوافل تترواح بين 4 إلى 6 شاحنات تسير بالحمولة متجهة من ريف تلكلخ، عبر معابر التهريب المعروفة المحاذية للمعابر الحدودية النظامية، إلى لبنان، بالرغم من انتشار الحواجز الأمنية "في مناطق النظام"، بكثافة، فليس بإمكان أي حاجز إيقاف الحمولة، أو تفتيشها، أو فرض مبلغ مادي عليها، والسبب أن هذه الحمولات تعود لمجموعات الشبيحة المعروفة في المنطقة وأشهرها مجموعات "غوار، كرير، رامي الصغير ونظير.."، ومجموعات أخرى متعددة.

(شاحنة محملة بالرمل من لبنان متجهة لمعبر الشركة المتحدة)

  كما يُلاحظ بشكل واضح أتاوات عناصر الحواجز الأمنية التي تطلب المعلوم من سائقي السيارات (كيلو سكر أو علبة دخان أو علبة متة، أو ظرف قهوة ...).

(شاحنة محملة بالخردة السورية متجهة لداخل لبنان قادمة من معبر الشركة المتحدة)

بهذا الصدد، روى لنا "باسل" الذي كان يستقل إحدى سيارات الأجرة أنه شاهد أحد السائقين وقد تجرأ بسؤال عنصر أحد الحواجز "التابعة لقوى النظام"، والذي اعتاد طلب أشياء مختلفة منه، مثل "كيلو سكر"، وحينها صدف في تلك اللحظة مرور خمس قافلات سكر معدة للتهريب قادمة من لبنان- فقال له :"ليش ما بتطلب كيلو سكر من الشاحنات"، ليجيب العنصر: "هاي القافلات للدولة مافينا نطلب بيقصو روسنا". فهذه المجموعات "التشبيحية" اليوم، تمثل الدولة، وليس بإمكان أي عنصر أمن إيقافها أو طلب المعلوم منه.

(عجول تم ادخالها الى لبنان)

معابر حدودية موازية

ونتيجة للحصار المفروض على النظام في سوريا والعقوبات التي فُرضت عليه مع اندلاع الثورة، تشهد عمليات التهريب حركة معاكسة عبر إدخال عشرات الشاحنات يومياً من لبنان إلى سوريا، من خلال معبري "الحج عيسى" و"الشركة المتحدة" في الشمال اللبناني، القريبين من معبر"جسر قمار".

(جمال معدة للتهريب في المعبر)

كما تراجعت أعمال التهريب كثيراً عند المعابر الترابية في منطقة "البقيعة والعريضة" في الشمال اللبناني، مقابل رواجها في بلدات (قرحة، العويشات، حنيدر، هيت والبويت، الحج عيسى، الشركة المتحدة). وتمتد التجارة البينية من الشمال وحتى "بيت جعفر" في الهرمل.

(عجول داخل معبر الشركة المتحدة)

وتشهد هذه الحدود حركة ناشطة للشاحنات داخل لبنان التي تعبر طريق عام "منجز" باتجاه "حاجز القوة الأمنية المشتركة" في "شدرا" اللبناني، ومنها إلى منطقة "المنصورة" فـ "مشتى حسن" وصولاً الى المعابر الموازية  في "وادي خالد" على الحدود، ووصولاً للداخل السوري. ولوحظ منذ عدة أشهر، على معبر "الشركة المتحدة" القريب جداً من معبر جسر قمار، حركه نشطة، إذ بات مركزاً أساسياً لتمرير أصناف مختلفة ومتنوعه من السلع (أبقار وأغنام وخردة، حتى رمل البناء...).

(جمال يتم تهريبها)

وكان يُسجل مرور ما يقارب (15-20) ألف رأس غنم أسبوعياً من سوريا إلى لبنان، بالإضافة لبضع مئات من رؤوس الأبقار، كما بين لنا أحد العاملين في هذا المجال، مضيفاً أنه يتم إرسال أعداد كبيرة من "العجول" إلى سوريا للتسمين مع أعلافها واستغلال رخص التعليف فيها وتوفير "التبن" الأرخص، ليعاد عبورها من سوريا إلى لبنان مرة اخرى، بالإضافة لأصناف من "الأبقار والعجول والجاموس" المستوردة (الهندي و...غيرها) والجمال، كنتيجه لفرق الأسعار. كما بيّن لنا أن الكثير من هذه الأغنام والأبقار تجد سوقاً لها عبر البحر باتجاه دول الخليج أو "إسرائيل"، فعدد رؤوس الأغنام والأبقار بأنواعها المختلفة يفوق حاجة السوق المحلية في لبنان.

(خردة يتم تهريبها)

وكثيراً ما تعتمد الحركة بين طرفي الحدود على نظرية المفاضلة في اختيار السلع، بحسب المواد المربحة والمطلوبة وخاصة الزراعية منها. وبهذا الصدد، بيّن أحد التجار اللبنانيين في تصريح لـ "اقتصاد"، طلب فيه عدم الكشف عن هويته، أن عوامل عدة تتحكم بحركتهم، والعامل الأهم أن فتح الحدود غير الشرعية ناتج عن غياب الاجازات الرسمية من الجانب السوري، وبالتالي توقف الحركة عبر المعابر الشرعية في "العبودية والعريضة"، وبالتالي انعكس انفراجاً على المزارعين والتجار والسائقين في لبنان، وهذا ما شجع على زيادة أعمال التهريب.

(شاحنات لتحميل البضائع والحيوانات داخل الشركة المتحدة)

والجدير بالملاحظة أيضاً أنه تم رصد شاحنات تقوم بنقل "الخردة" من سوريا عبر هذه المعابر غير الشرعية باتجاه لبنان، ويتم إدخال الرمل المستخدم في البناء إلى سوريا، بالإضافة للحبوب وأحياناً البصل المصري "اليابس"، وكل ما يشكل مصدراً للربح أو ينقص في الداخل السوري، برعاية "تشبيحية"، وتغاضٍ وتغطية أمنية، بشكل شبيه لما حصل في الثمانينيات من القرن المنصرم.

(أغنام يتم تهريبها)

وكانت الحدود الشمالية للبنان مع سوريا، قد شهدت حركة ناشطة تزامناً مع نضوج مواسم القمح والأعلاف، إذ كثيراً ما كانت تحتشد مئات الشاحنات المحملة بالأعلاف، والسكر، والطحين في هذه المنطقة، وبعد منع دخولها إلى سوريا عبر الحدود غير الشرعية التي تربط بين البلدين، يلجأ التجار إلى التهريب. أما سبب منع دخول تلك البضائع عبر المعابر الشرعية، فيرجع إلى تضارب صلاحيات الأجهزة الأمنية اللبنانية، كما تقول الشائعات عند السؤال عن السبب في منعها من العبور في الوقت الذي كانت فيه كل الأمور سالكة، حتى أن الجهات الأمنية اللبنانية عملت على إغلاق بعض هذه المعابر بالسواتر الترابية، مثل معبر "الشركه المتحدة"، لأكثر من مرة، ليعاد فتحه خلال مدة قصيرة ليعاود نشاطه. واستمر عمل هذا المعبر الذي يديره من الطرف السوري، "رامي" شقيق "نظير"، وهو قائد شبيحة معروف في تلك المنطقة، ويعمل بتغطية من المخابرات الجوية. ومنذ مدة قريبة، لُوحظ تراجع العمل بهذا المعبر بشكل كبير ليقتصر العمل فيه على تهريب عدة عشرات من رؤوس الماشية كالأغنام أسبوعياً، بعد أن كان يعبر خلاله مئات الرؤوس، لتأخذ عملية التهريب شكلاً متقطعاً، مع استمرار عمل المعابر غير الشرعية الأخرى.

(عجول في طريقها للتهريب)

بكل الأحوال، تغيرت الكثير من ملامح جغرافيا التهريب، ومعادلاته، بين سوريا ولبنان، بعد الثورة السورية. لكن بقيت القاعدة السابقة ذاتها ثابتة. فكل شيء متاح على الحدود بين البلدين.

ترك تعليق

التعليق