في الغوطة الشرقية.. التكيّف مع مهن جديدة غير مسبوقة، سيد الموقف


في تحدِّ هو الأبرز على مدى خمس سنوات في الغوطة الشرقية، لا يتسنى لكثير من أصحاب الأعمال العودة إلى أعمالهم ومصالحهم بسبب تغير الظروف وخلق بيئة اقتصادية فُرِضَت على الأهالي كنوعِ من الأمر الواقع. فالمهن الأساسية (التي كانت تدر الدخل المادي الممتاز) ليست كسابق عهدها في ظل الإنكماش الحاصل في الإقتصاد الداخلي.

يقول أبو سعيد، وهو أحد العاملين في مجال صناعة البلوك، أنه كان يعمل طيلة النهار بإنتاج يبلغ حوالي 1400 بلوكة يومياً، حيث كانت تدر له دخلاً ممتازاً يكفيه وعائلته بل ويدّخر منه. أما الآن (وفي ظل ندرة إقبال الناس على البناء والإكتفاء بترميم البيوت المهدمة نتيجة القصف الشديد على الأبنية السكنية)، فإن أبو سعيد اكتفى بمهنة ترميم البيوت (وهي مهنة جديدة ورائجة جداً في الغوطة)، فكل منزل يتعرض لدمار جزئي نتيجة الإستهداف بالقصف يقوم بإعادة ترميمه ليصبح مؤهلاً للسكن من جديد.

يُجري أبو سعيد مقارنة بين مهنته السابقة وبين العمل الذي فُرِضَ عليه ليجد أنه قبل خمس سنوات مهما ارتفع إنتاج معمله من البلوك يبقى في السوق حاجة ماسة لهذه المادة وقتذاك، فضلاً عن الدخل المادي الممتاز الذي كان يكسبه في ذلك الحين والذي وصل في بعض الأحيان إلى ما يقارب 23000 ليرة سورية "بحسب أبو سعيد".

 ويضيف أنه إذا طرحنا من هذا المبلغ تكلفة كل بلوكة يتم تصنيعها يجد أن مربحه الصافي يتجاوز 5000 ليرة سورية يومياً وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت، أما الآن فمن خلال عمله في ترميم البيوت فإنه بالحدود الدنيا يمكن أن يصل أقصى ربح إلى 1500 ليرة سورية.

وختم "أبو سعيد" أنه مع ارتفاع مستوى المعيشة، فإن المبلغ الذي يحصل عليه يومياً لا يكفي بالحد الأدنى سوى الغذاء والتدفئة لعائلته.

ومع انتشار مهن جديدة وفريدة نستطيع القول أن امتهان أهالي الغوطة لهذه الأعمال هو أمرٌ فرضه الواقع الإقتصادي المتدهور. ومن هذه المهن التي ظهرت مؤخراً في ثنايا الواقع الجديد المفروض نتيجة الحصار، بيع المحروقات ضمن محال أو "بسطات صغيرة".

الأمر الذي أدى إلى انتشار محال بيع المواد البلاستيكية بغية استخراج المازوت منها، بالإضافة إلى ظهور بائعي مستلزمات الطاقة البديلة (محلات بيع وتصليح أجهزة 12 فولط). أيضاً من المهن التي ظهرت في الآونة الأخيرة محال بيع وتفقيش مادة الحطب. فضلاً عن تحول عمال مهنة التمديدات الصحية إلى عمال تركيب وتصليح أجهزة ضخ المياه اليدوية (الكباسات). 

فتنوع الأعمال الجديدة هو أمر مهم وجيد بحسب "راتب نبيل"، وهو صاحب أحد محال بيع قطع الطاقة البديلة (12 فولط)، فالشعب السوري أثبت قدرته على التأقلم في جميع أوضاع الحياة سواء في الرخاء أو الشدة، وأهم ما يميز أهل الغوطة بشكل خاص أنهم استطاعوا ابتكار العديد من الحلول البديلة لمختلف نواحي المعيشة.

وتابع "راتب": "قبل خمس سنوات كنا نرى إقبالاً نادراً على ألواح الطاقة الشمسية والبطاريات 12 فولط والليدات الخاصة بالإنارة، أما اليوم رأينا إقبالاً شديداً على هذه المواد، فضلاً عن إمكانية تصنيعها من قبل مهندسين أو شباب ذوي خبرة، ففي صيف عام 2016 استطعنا في هذا المحل الصغير تصنيع مراوح كهربائية تعمل بطاقة 12 فولط حيث شهدت إقبالاً كثيفاً بسبب بساطة تصنيعها وإنخفاض سعرها، حيث وصل سعر المروحة الواحدة آنذاك إلى حوالي 2000 ليرة سورية كحد أقصى". 

ونوه "راتب" بالقول أنه في ظل الإمكانيات المتوفرة استطاعت المهن الجديدة تحريك عجلة الإقتصاد الداخلي للغوطة بنسبة 25%، إن لم تكن أكثر، فلا يوجد شيء صعب مع الإرادة التي يتبعها العمل والإصرار على كسر المستحيل، حسب وصفه.

أما "أبو هاشم" الذي يعمل في مجال التمديدات الصحية رأى أن تحول مهنته من عامل تمديدات صحية إلى تركيب الكباسات اليدوية لضخ المياه هو أمر جيد بالنسبة لتطوير المهارات، لأنه يرصد تجربة جديدة لم يعهدها من قبل، وأصبحت هذه المهنة مطلوبة بشكل غير مسبوق، على حد قوله.

ومع تطور الظروف والأجواء الخاصة بكل مرحلة خاصة من مراحل الحصار داخل الغوطة الشرقية تبقى إبداعات العقول سيدة كل المواقف لتعبر عن أهمية التأقلم الذي يشهده سكان الغوطة والذي فُرِض عليهم عبر سنواتٍ خمس.

ترك تعليق

التعليق