أزمة ندرة الكوادر في ريف حمص الشمالي.. كيف ساهمت الثورة مع النظام، في التسبب بها؟


بعد مضي ستة أعوام على الثورة لم يكن ريف حمص الشمالي المحاصر أفضل حالاً من باقي المناطق السورية، فرغم الحصار المفروض منذ خروج المنطقة عن سيطرة النظام، ورغم تكلفة الطريق الباهظة التي تصل إلى 2000 دولار في بعض الأحيان إلا أنه نزف أكثر من 70% من طاقة الشباب الموجودة فيه.

 فصعوبة الطريق لم تمنع شبابه و"شيابه" على حد سواء، من الهجرة، حتى أضحت المنطقة تعاني أزمة حقيقية على صعيد نقص الكفاءات العلمية، مما انعكس سلباً على أداء جميع المؤسسات، سواء تلك التابعة لنظام أو التابعة للمعارضة.

أسباب الهجرة

 بعد أن بدأ النظام حملة الاعتقالات التعسفية والتي خص بها المثقفين وطلاب الجامعة، لم يترك أمامهم إلا خيار الهجرة بحثاً عن الأمان، وعن العمل والدراسة.

 وبحسب إحصائيات اطلع عليها مراسل "اقتصاد"، فإن أكثر من 70% من معتقلي ريف حمص الشمالي من الشباب الخريجين وطلاب الجامعة.

 المحامي شعلان الدالي، رئيس مكتب المدن والبلدات في مجلس محافظة حمص الحرة، قال لـ"اقتصاد": "لقد تقصد النظام مضايقة طبقة الشباب المثقفين وطلاب الجامعة محاولة منه لإفراغ المنطقة من أي عمل منظم يمكن أن يحصل في المنطقة".

 عبد الرحمن، طالب سنة أولى في هندسة الميكانيك في جامعة البعث، وصل مؤخراً إلى تركيا، تحدث لـ"اقتصاد": "تركت كلية الهندسة رغم أني طالب بنظام التعليم الموازي، لكن بعد اعتقالي لمدة يومين في فرع الأمن العسكري تركت الدراسة، وأنا في تركيا أعمل في معمل سجاد إلى أن تُحل الأزمة في سوريا".

 خالد، من مدينة الرستن، أحد الشباب الذين هاجروا إلى ألمانيا، تحدث لـ"اقتصاد": "بعد انقطاعي عن دراستي الجامعية لمدة سنتين بسب الخوف من الاعتقال اضطررت إلى الهجرة بحثاً عن بلد أستطيع فيه إكمال تحصيلي الدراسي، ففي سوريا كان الاعتقال إقرب إلي من حبل الوريد".

وعلى صعيد تحميل المسؤولية فيما آلت إليه الأوضاع، يُلقى البعض اللوم على الثورة، ففي بداية تأسيس المنظمات "الثورية" في ريف حمص الشمالي، لم تكن تلك المنظمات حاضنة للكوادر العلمية، وكان "تاريخ الانخراط في الثورة"، هو المعيار الوحيد للحصول على عمل ما في إحدى هذه المؤسسات، مما أغلق جميع الأبواب أمام الكفاءات العلمية، ودفعها إلى الهجرة بعد إغلاق باب النظام والمعارضة في وجهها، على حد سواء.

 تداعيات على مؤسسات النظام

 لم يبقى للنظام في ريف حمص الشمالي من مؤسسات حقيقية سوى مؤسسة التربية والتعليم، فرغم كل المعوقات، لا تزال تلك المؤسسة قائمة إلى حد ما.

لكن على اعتبار ريف حمص من المناطق الساخنة، فمن غير الممكن تعيين معلمين من خارج المنطقة، مما جعل عملية تأمين المعلمين لإكمال النصاب أمراً في غاية الصعوبة، في ظل ما تعانيه المنطقة من شح في الكفاءات العلمية، مما اضطر المعنيين بالأمر إلى القبول بتعيين معلمين لا يحملون إلا الشهادة الثانوية أو شهادات المعاهد المتوسطة، ليدرسوا الرياضيات والفيزياء والكيمياء، للإعدادي، وللثانوي أحياناً، وهي مواد تحتاج إلى خريجين من أصحاب الخبرة كي يُتموا العملية التعلمية بشكل جيد.

 أحد المعنيين بهذا الشأن، رفض ذكر اسمه، قال لـ"اقتصاد": "إن عدم وجود معلمين اختصاصين دفع المدراء والمجمع التربوي لقبول معلمين ليسوا بالمستوى المطلوب لكن هذا المتاح، فالخريجين يعملون مع مؤسسات المعارضة ومن المستحيل إتمام العملية التربوية إن لم يكن نصاب المعلمين مكتمل".

 تداعيات على مؤسسات المعارضة

منذ أن بدأت المؤسسات الثورية بالظهور في ريف حمص الشمالي، كانت حكراً على الثوار القدامى، فالشهادة العلمية لا تعني شيئاً مقابل القدم الثوري، مما جعلها فاشلة إلى حد كبير.

وبعد مضي ستة أعوام على الثورة، أصبحت الأمور أكثر تنظيماً، مما جعل هذه المؤسسات الثورية تستقطب كل ما تبقى من الكفاءات في مناطقها. لكن ربما بعد فوات الأوان.

إذ أنه، بعد النزيف الذي دام لأكثر من أربعة أعوام من الكوادر العلمية، باتت مؤسسات المعارضة أمام موقف صعب، مما جعل بعض المشاريع فاشلة، بسبب عدم توفر الكوادر اللازمة لإدارتها.

 مشكلة هجرة العقول والأدمغة هي مشكلة ليست وليدة الثورة، لكن أن يصل المجتمع إلى تفريغ شبه كامل، هي المشكلة اليوم، وتتحمل القوى الثورية مثلها مثل النظام، المسؤولية، فبعد انتهاء الحرب في سوريا سيتضح أكثر مقدار فداحة أزمة الكوادر العلمية المُفتقدة.

ترك تعليق

التعليق