تحقيق خاص بـ "اقتصاد": تجارة السكر في إدلب، بين إتاوات النظام وضرائب المعارضة


 يروي أحد أهالي محافظة إدلب أنه في عام 2015 ارتفع سعر كيلو السكر الواحد لـ 800 ليرة سورية.

ومع أن العديد من المصادر أكدت لنا وجود مبالغة في هذا الرقم لكنها أوضحت أن السعر ارتفع بشكل مفاجئ ليتجاوز الـ 400 ليرة - ربما بمائتي ليرة أو أكثر - ثم ليعاود هبوطه مجدداً وبشكل مفاجئ مستقراً على  سعر يتراوح بين 400 و450 ليرة للكيلو الواحد.

وفي تقرير لجريدة عنب بلدي نشر يوم الاثنين 23 أيار من العام 2015 أمكننا العثور على بعض المعلومات حول هذه القصة.

قالت عنب بلدي نقلاً عن مراسلها  في إدلب، إن سعر السكر وصل في بعض مناطق إدلب إلى 700 ليرة سورية للكيلو الواحد، إلى جانب وجود نقص حاد بالمادة في كافة المناطق المحررة والخاضعة لسيطرة النظام.

وعزت الجريدة سبب ارتفاع السكر، حينها، إلى توقف الطريق الأساسي الذي تدخل منه المادة من مناطق النظام نتيجة نقص المادة لدى النظام نفسه.

كما نقلت الصحيفة عن أحد التجار في مدينة سراقب، أنه لم يتم إدخال مادة السكر من معبر باب الهوى ما دفع جبهة النصرة - فتح الشام حالياً - في المنطقة إلى إصدار بيان في ريف المعرة الشرقي، بأن أي تاجر يحتكر السكر أو أي مادة أخرى ستصادر وتوزع على الناس.

ما هو السبب في ارتفاع هذه المادة؟، وما هي خفايا تجارة السكر من وإلى محافظة إدلب؟، في التحقيق التالي ستقرؤون القصة كاملة..

تركيا.. هل تحظر السكر؟

الناشط الصحفي "حسن الإدلبي" قال إن مسألة السكر مسألة تتعلق بالفصائل بشكل مباشر.

وبدا "الإدلبي" غير متشجع في الحديث حول هذه النقطة التي قد تجلب له المتاعب نظراً للحساسية المفرطة في الفصائلية والمناطقية الموجودة في المحافظة.

وقال الإدلبي: "هناك مصدران في الحصول على السكر؛ النظام وتركيا".

وفي وقت سابق نشر "اقتصاد" تصريحاً من غرفة تجارة إدلب يفيد بحظر توريد السكر من تركيا. وجاء التصريح على لسان، طاهر محمد قاسم، رئيس غرفة تجارة إدلب.

ونفى الإدلبي هذه المعلومة. وقال: "بإمكانك الحصول على السكر المغلف من أي بقالية والتأكد من الدمغة التركية".

وقال "نادر" (اسم مستعار)، وهو تاجر سكر في محافظة إدلب، إن التجار يحصلون على مادة السكر من مناطق سيطرة النظام عبر حماة، و من تركيا عن طريق معبر باب الهوى.

وقال تاجر آخر ويدعى "أبو صالح"، إن تركيا تحظر دخول السكر إلى سوريا، مضيفاً: "حتى السكر الموجود في سلات الإغاثة التي تقدمها المنظمات الإنسانية هو محظور من الدخول".

لكن عدة أشخاص من نازحي داريا وخان الشيح الموجودين في إدلب أكدوا وجود مادة السكر في السلل الغذائية التي حصلوا عليها.

ولم يتسن لـ "اقتصاد" التأكد من هذه المعلومة - حظر تركيا للسكر - لكن مصادر عديدة أكدت حدوث عملية التصدير من تركيا في الأوقات السابقة.. أما في الوقت الراهن فالمعلومات متضاربة.

ماذا عن النظام؟

أنباء موثوقة حصل عليها "اقتصاد" تفيد باستيراد تجار إدلب لمادة السكر من مناطق سيطرة النظام.

وتأتي الشاحنات المحملة بهذه المادة عن طريق حماة، المتاخمة لمحافظة إدلب، عبر قلعة المضيق وغيرها.

وقال "نادر"، الذي يمتلك محلاً تجارياً في إدلب، وطلب عدم الكشف عن اسمه، "البضائع ومن ضمنها السكر تأتي عن طريق معبر أبو دالي في حماة، ثم توزع على تجار الجملة في أرجاء محافظة إدلب".

وانخفض الناتج المحلي لمادة السكر لدى النظام ليعتمد على الاستيراد.

وأوقف النظام دعمه للسكر في 2015 حيث توقف توزيع المواد التموينية ومن بينها السكر عبر بطاقات الإعاشة "البونات" وذلك بسبب أن الناتج المحلي لا يغطي سوى 15% من احتياجات المواطنين، وفقاً لتصريح طلال حمود، مدير المؤسسة الاستهلاكية في دمشق في 26 تشرين الأول عام 2015.

ضرائب وإتاوات

يدفع تجار السكر نسبة معينة على كل سيارة تأتي من مناطق النظام أو تركيا.

ويقول "نادر"، إن الذي يسهم في غلاء السكر ضريبة بعض الفصائل - لم يسمها -  التي فرضتها على مادة السكر حيث تتقاضى 1050 دولار على سيارة السكر بحمولة 50 طن القادمة من مناطق النظام، و500 دولار للسيارة القادمة من باب الهوى من تركيا بحمولة 25 طن. أي تقريباً 20 دولار على الطن الواحد، بمعدل 10 ليرة عن كيلو السكر الواحد.

وبالنسبة للسيارات القادمة من مناطقه، يتقاضى النظام عبر حواجزه الأمنية إتاوات على كل سيارة.

"حسن الإدلبي" أكد هذه المعلومة لكنه لم يحدد النسبة التي يأخذها النظام.

وأشار "الإدلبي" إلى الضريبة التي تتقاضاها فصائل معينة - لم يحددها أيضاً – بالقول: "تعتبر الحواجز الموجودة على طريق تجارة السكر هذه الضريبة حلال شرعاً، وذلك  لتقوية كتائبها بالدعم المالي، لأن أغلب الفصائل ليس لديها مردود مالي سوى هذه الإتاوات".

وقال "نادر"، إن المتضرر الوحيد هو المواطن فقط. مشيراً إلى أسباب أخرى لارتفاع سعر مادة السكر، مثل زيادة الطلب عليه وحاجة الناس اليومية له، وأيضاً تصديره إلى مناطق سيطر تنظيم "الدولة الإسلامية" حتى العراق.

في نفس السياق، نشر موقع "هافينغتون بوست عربي" تحقيقاً حول موضوع الضرائب التي يتقاضاها أطراف الصراع، كل في منطقته، خلال مرور البضائع - من بينها مادة السكر -.

ويمكننا الاستئناس بالمعلومات المذكورة في تحقيق الموقع المنشور في 20 آذار 2016.

قال الموقع  إن تمرير البضائع من أي منطقة لن يتم إلا عبر دفع مبالغ مالية.

وأضاف موضحاً هذه المبالغ بحسب كل طرف: "في مناطق سيطرة النظام يتم دفع (الإتاوات) وهي مبالغ كيفية يفرضها المسؤول على الحاجز، تزيد على 100 ألف ليرة سورية، وفي مناطق سيطرة المعارضة السورية المسلحة، يعود الأمر للفصيل القائم، فهناك فصائل لا تفرض إتاوات، بينما أخرى لا تختلف عن النظام في فرض المبالغ".

ويتابع الموقع: "أما تنظيم الدولة فيقوم بفرض جزية على البضاعة المحملة، يقوم التاجر بدفعها، وتُحسب بنسبة كمية البضائع المحملة وتكلفة الجزية بالدولار الأميركي، وفي مناطق السيطرة الكردية، يتم قطع وصل بقيمة 1000 ليرة سورية كجمارك عن كل شاحنة".

جرأة

لسنوات عديدة يواظب تجار من الشمال السوري والمناطق الخاضعة لتنظيم الدولة على العمل وفق معادلة "الغذاء مقابل النفط".

ويسيطر تنظيم الدولة على آبار عديدة في المنطقة الشرقية والموصل. ويستخدم التنظيم وسائل تكرير يدوية في استخراج المازوت والكاز والبنزين.

ويعمل الخط الواصل من إدلب عبر دارة عزة مروراً بعفرين الكردية، وانتهاء بالمنطقة الشرقية، بشكل مستمر، حيث تسير شاحنات البضائع ومن ضمنها مادة السكر، ذهاباً إلى مناطق سيطرة التنظيم مقابل النفط المكرر والخام الذي تنقله الصهاريج، وإياباً إلى محافظة إدلب.

ويقول "نادر"، هذه التجارات ليس لها راع أساسي بل القائم عليها هم التجار "الذين يتمتعون بقلب قوي" - بسبب المعارك الدائرة على الطريق -، والثوار وتنظيم الدولة والأكراد يستفيدون مالياً من خلال الضرائب والرسوم التي يفرضونها.

ولم يتسن الحصول على معلومات موثوقة حول مدى استفادة الأكراد من مرور مادة السكر عبر عفرين باتجاه المنطقة الشرقية.

ترك تعليق

التعليق