سرمدا.. من بلدة حدودية إلى مركز تجاري هام


تقع بلدة سرمدا إلى الشمال من مدينة إدلب، وعلى مقربة من باب الهوى على الحدود السورية التركية. كان عدد سكانها يبلغ حوالي 15000 نسمة حسب إحصائيات تمت قبل الثورة بثلاث سنوات. قسم لا بأس به من سكانها يعمل في مركز باب الهوى الحدودي. ولم يكن لها ذلك النشاط الاقتصادي اللافت. إلا أنها بعد الثورة ازدهرت اقتصادياً وعمرانياً بشكل سريع.

وللحديث حول هذا الموضوع، التقى "اقتصاد"، الناطق الإعلامي باسم مجلس مدينة سرمدا، عبد الحفيظ لاذقاني، الذي قال بأن قصة ازدهار سرمدا بدأت مع تحرير مركز باب الهوى الحدودي من قبل الفصائل العسكرية المعارضة وبدء الحركة التجارية مع تركيا، بعد التخلص من موضوع الرسوم الجمركية التي كانت تفرضها حكومة النظام. وبدأ الأمر من خلال بعض الأشخاص الذين كانوا يدخلون إلى تركيا ويجلبون بعض البضائع بسياراتهم الشخصية من احتياجات بسيطة لعدم مقدرتهم على الحصول عليها من مناطق النظام وفتح باب تركيا أمامهم.


وأوضح لاذقاني أنه ما لبثت أن توسعت الحركة التجارية لتشمل التجار الكبار الذين حركوا قوافل الشاحنات لنقل البضائع من تركيا، ولأن السائقين الأتراك لم يجرؤوا على الدخول عميقاً في الأراضي السورية خشية القصف كانوا ينزلون البضائع في سرمدا، وبذلك غدت مركزاً لتجمع البضائع، ووجهة للتجار من باقي المناطق المحررة. وهذه كانت بداية التبادل التجاري الداخلي الذي تحولت مدينة سرمدا إلى إحدى مراكزه الرئيسية.

يضيف لاذقاني أن عدد سكان سرمدا ازداد فأصبح يؤمها الناس للعمل والتجارة وللأمان النسبي من قصف النظام كونها منطقة حدودية، لتشهد حركة تجارية قوية، وخاصة في وقت الذروة، فيأتي إليها الكثير من القرى المجاورة، وحتى من سكان المخيمات، منهم للعمل ومنهم لشراء الحاجيات.


بدوره، أكد التاجر محمد وقاص من بلدة سرمدا، الذي يعمل في تجارة الجملة منذ 1997، في تصريح لـ "اقتصاد"، أنه توسع في عمله بعد تحرير معبر باب الهوى، وبدأ بجلب متطلبات الناس من مواد أولية ضرورية للعيش.

ويرجع ازدهار سرمدا، حسب التاجر وقاص، إلى كونها أصبحت مركزاً تجارياً ومرفأ برياً لتزويد مناطق كثيرة بالمواد الغذائية، كونها المنفذ الوحيد.


 ومن المناطق التي كانت تستفيد من الحركة التجارية في سرمدا، كل من حماه وحلب والريف الشمالي وخط الموصل إضافة إلى الباب، وذلك في عامي 2012 – 2013. لتتناقص المناطق المستفيدة من الحراك التجاري في سرمدا، مع خسارة المعارضة السورية بعض المناطق في الشمال، وآخرها الشطر الشرقي في مدينة حلب، حيث كانت الأخيرة تشكل سوقاً كبيراً، وخاصة في ظل الحصار المطبق من قبل النظام حينها، فكانت سرمدا المتنفس لهذا السوق.


وحسب تقديرات التاجر وقاص، تراجعت الحركة التجارية في سرمدا بنسبة 60%، بسبب خسارة المعارضة لمناطق في الشمال السوري.
 

لكن وقاص عقّب بأن المستفيد الأكبر من تلك الحركة التجارية، هم التُجار الكبار، الذين جاؤوا من مناطق سورية مختلفة، كونهم يحملون رؤوس أموال كبيرة استثمروها في التجارة بسرمدا.

وبفعل تلك الحركة التجارية، نشطت سوق العمل في سرمدا، فهناك عند المعبر ما يقارب 4 إلى 5 آلاف عامل، وهم معظمهم من المخيمات، يعملون في تفريغ سيارات شحن البضائع القادمة من تركيا إلى سوريا، اضافة إلى العمال الذين يعملون على تفريغ البضائع المحملة مرة أخرى، من المعبر، لتنزل في المستودعات.


وأضاف وقاص بأنه منذ ما يقارب السنة ونصف، تم إنشاء غرفة تجارة في بلدة سرمدا، تضم التجار من أبناء سرمدا ومن القادمين من مختلف المناطق الأخرى، وهي من الأهمية بمكان، حسب وصفه، فعملها لا يقتصر على تنظيم سجلات التجار، وإنما تتولى أيضاً التنسيق مع الجانب التركي لتسهيل دخول التجارة وخروجهم، إضافة إلى فحص جودة البضائع، وتذليل الصعوبات أمام التجار.

أما مستشار المجالس المحلية، رامي قزة، فقد أكد لـ "اقتصاد"، أن هذا النمو الاقتصادي في سرمدا، كان له سلبياته، فمعظم الذين جاؤوا إلى سرمدا من المناطق المجاورة هم تجار ولديهم إمكانات مادية كبيرة وقدرة على دفع مبالغ كبيرة لقاء استئجار بيت ليعيشون فيه، وذلك انعكس على أسعار الإيجارات بشكل عام، وخاصة أن بعض التجار الوافدين إلى سرمدا اشتروا أراضٍ وبنوا عليها بيوتاً وأصبحوا يعرضونها للإيجار بأسعار ضخمة. بينما أهل البلد قدّموا بيوتهم بأسعار مناسبة وأحياناً مجانية، على حد وصفه.


ويضيف قزة، أن الأمر السلبي الآخر هو أن المنظمات الدولية والهيئات التي تقوم على توزيع المساعدات على النازحين تستثني سرمدا في معظم الأحيان كون الفكرة العامة عن السكان أنهم تجار وأمورهم المادية جيدة، وهذا ما ينعكس على الفقراء في البلدة.

وتبقى الأمور التجارية في ظروف الحرب مرتبطة بالأوضاع العسكرية والأمنية، كحال الحياة داخل كل أنحاء سوريا. فهي بين مد وجزر. ولكن قُربَ سرمدا من منفذ حدودي مع تركيا، جعلها تزدهر اقتصادياً، لتكون ملاذاً للهاربين من شظف العيش، وغدر البراميل.

ترك تعليق

التعليق