"كرفان الاندماج".. مشروع متنقل لردم الهوة بين الهولنديين واللاجئين السوريين


لم ينتظر اللاجئ السوري "سليم عبّارة" أن يأتي الهولنديون -حيث يعيش- للتعرف أكثر على اللاجئين السوريين من أبناء جلدته وكسر هوة الاندماج وسوء الفهم الذي يسود علاقتهما، فبدأ مبادرة فريدة من نوعها وهي عبارة عن حافلة أُطلق عليها "كرفان الاندماج"، تجول المدن الهولندية لتعريف أهل البلاد بما يجري في سوريا وقصص الحرب وجوانب من ثقافة السوريين وسبب وجودهم في بلدان اللجوء.

 ولقيت المبادرة خلال فترة قصيرة من إطلاقها تفاعلاً إيجابياً من قبل الهولنديين واللاجئين على حد سواء.
 


حصل "سليم عبّارة" على دبلوم عالٍ في إدارة الأعمال الدولية من جامعة قبرصية منذ سنوات، قبل لجوئه إلى مصر ليعمل متطوعاً في عدة مؤسسات ومنظمات محلية ودولية تُعنى باللاجئين السوريين، وبعد لجوئه ثانية إلى هولندا واصل نشاطه الإغاثي من خلال منظمة إنقاذ الطفل التي لايزال يعمل فيها إلى الآن.


 ومع بداية وصوله إلى هولندا تعرّض "عبّارة" لمواقف تعكس عنصرية بعض الهولنديين ونظرتهم النمطية السلبية عن اللاجئين، وذات يوم سأله شخص هولندي عن بلده فأجابه بأنه سوري وأنه بصدد طلب اللجوء حالياً، فخمّن أن الهولندي ينظر إليه على أنه إنسان جائع وأتى إلى هولندا ليأكل، ومن هنا عرف سليم عبّارة أن "هناك اختلالاً والتباساً في صورة اللاجئ في ذهن الأوروبيين".


وسعى–كما يقول- لـ"إقتصاد" إلى تصحيح هذه الصورة من خلال لقاءات أجريت معه في الصحف الهولندية، ومن خلال اشتراكه في لقاءات ومحاضرات عن اللاجئين لمدة سنتين.

 ولأن هناك في هولندا كما في غيرها من البلدان الأوروبية فئات غير مهتمة ولا تحضر مثل هذه اللقاءات والمحاضرات خطر بذهنه أن يذهب إليهم في مدنهم وأماكن سكنهم.


وراح الشاب الحمصي القادم من حمص يفكر بالطريقة التي يصل بواسطتها إلى هذا الهدف لتغيير الصورة النمطية عن اللاجئين فخطرت بذهنه فكرة محببة ومعتادة في التواصل لدى الهولنديين وهي تقديم القهوة أو الشاي مع البسكويت لتوفير أجواء للحوار والنقاش، ومن خلال ذلك يستطيع كسر أول حاجز بين الهولنديين واللاجئين، وطرح أفكار حول أسباب وجود اللاجئين لديهم، وما الذي يمكن أن يقدمونه ويتعلمونه من هؤلاء اللاجئين، وكذلك تسليط الضوء على طبيعة المجتمع السوري وثقافته وكونه شعباً متعلماً وحضارياً لا كما يتخيل الكثير من الأوروبيين الذين يتصورون أنه مجتمع صحراوي متخلف فقير.


وانطلقت المبادرة من فكرة الاندماج التي تعني–كما يقول محدثنا-تبادلاً ثقافياً بين طرفين وتقبل كل منهما للآخر والتعامل دون تفرقة أو عنصرية أو فقدان هوية أحد الطرفين لحساب الآخر، بحيث لا يكون الاندماج للاجئ السوري داخل المجتمع الهولندي محواً لهويته السورية بل على العكس يضيف إليها أبعاداً إنسانية ويكتسب من المجتمع الجديد ما يناسب عاداته وتقاليده وأعرافه.


قدّم عبّارة الفكرة لمنظمة The Hague Peace Project غير الحكومية التي تدعم مشاريع السلام فأعجبوا بالفكرة وقرروا تمويلها، وفعلاً اشترى الكرفان وبدأ باستئجار سيارة لكل رحلة، ودأب مع صديقه "وائل الصالح" على الذهاب بشكل أسبوعي إلى إحدى المدن الهولندية للتحدث مع سكانها، ولقيت الفكرة تقبلاً ونجاحاً غير متوقع، وأكد محدثنا أنه زار مع كرفانه منذ تشرين الأول الماضي مدن Den helder The Hague Middelburg Dordrecht Ede Utrecht ومدن أخرى.


يتألف الكرفان من غرفة صغيرة موصولة بسيارة وبداخلها خيمة وطاولات وكراسٍ بالإضافة إلى عدة الضيافة كالغاز والقهوة والشاي والماء وكل الإحتياجات اللازمة ويتم أخذ موافقة بلدية كل مدينة قبل أسبوعين من دخول الكرفان ويتم اختيار منطقة تعج بالحركة والناس عادة كالسوق الرئيسية أو الساحة العامة بهدف استقطاب أكبر عدد منهم.
 
ولفت عبّارة إلى أن "أهم صعوبة تعترض فكرة الكرفان والقائمين عليه هو قساوة الطقس البارد في هولندا في مثل هذه الأيام"، مشيراً إلى أنهم يضطرون لإيقاف الكرفان في الشارع لمدة تتراوح بين 4 و6 ساعات دون تدفئة.

 وأشار عبّارة إلى مشكلة أخرى تتمثل في عنصرية بعض الناس الهولنديين ونفورهم مهما حاول فريق الكرفان التقرب منهم ونقاشهم، علاوة على أن الحكومة الهولندية لا تملك–كما يقول-مفهوماً واضحاً عن الاندماج أو عن مشاريع دعمه.


وحول أكثر الصور السلبية المرتبطة في أذهان الهولنديين تجاه اللاجئين أوضح الناشط "وائل الصالح" أحد أعضاء الفريق، أن الهولنديين يعتقدون أن اللاجئين بمجملهم ينتمون إلى بيئات فقر وجهل وليس لديهم القدرة على تفهم هولندا أو الإندماج فيها، وينظر الكثير من الهولنديين إلى اللاجئين المسلمين-كما يقول- على أنهم يتسمون بالتطرف والتعصب ويبايعون برمتهم تنظيم "الدولة الإسلامية".
 

وبالمقابل شجّع الكثير من الهولنديين والأوروبيين الزوار، المبادرة، وتفاعلوا معها- بحسب الصالح- الذي روى لـ"اقتصاد" أن "زائرة من بلجيكا كانت في مدينة "ميدلبرخ" middleburg اهتمت واستمعت إلى قصصنا وحوارنا وأرادت أن تشارك ابنتها لتتعرف عن كثب على اللاجئين، فذهبت وعادت بعد نصف ساعة مصطحبة ابنتها وزوجها وجلسوا يستمعون و يحاوروننا".


ويتدخل "سليم عبّارة" في الحديث ليشير إلى أن "أعضاء الفريق يحاولون دوماً أن يصلوا بـ"كرفان الإندماج" إلى المناطق التي لا يتواجد فيها لاجئون عادة، وتلك المناطق المناهضة لوجود اللاجئين" والهدف من ذلك–كما يقول– استهداف الفئة الرمادية أي الفئة التي لا تتابع قضايا اللاجئين ولا تهتم لأخبارهم.
 
وأعرب محدثنا عن أمله أن يتم تعميم "كرفان الإندماج" ليشمل بلداناً أوروبية أخرى ويصبح بمثابة ملتقى حوار بين الثقافات.

ترك تعليق

التعليق