تكاليف التدفئة في الغوطة الشرقية.. بالورقة والقلم


سجلت مواد التدفئة في الغوطة الشرقية ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار وصل في بعض الأحيان إلى ما نسبته 30% (لمادة المازوت) و 10% (لمادة الحطب)، وذلك مع قدوم موجات البرد القاسية التي تعصف بالبلاد.

 تقول أم هشام أنها وعائلتها استطاعت تأمين ما يلزم من مادة الحطب قبل حوالي شهر، حيث كانت تعتقد أن الكمية التي استطاعت شرائها بشق الأنفس قد تكفيها حتى شهر شباط من العام 2017، لكن الانخفاض الشديد لدرجة الحرارة في الغوطة وجميع المناطق السورية جعل تلك الكمية تنفد في الشهر الأول من هذه الموجات القطبية.

 ويتراوح سعر مواد التدفئة في الغوطة الشرقية (لمادة المازوت 525 ليرة سورية لليتر الواحد، ولمادة الحطب 120 ليرة سورية للكيلو الواحد)، ويرجع هذا الارتفاع في السعر إلى زيادة الطلب على مواد التدفئة.


 فالطلب والعرض هو الوسيلة الأساسية التي يتم عن طريقها التحكم بالأسعار وضبطها، بحسب الخبير الاقتصادي، علاء الماهر، حتى إن سياسة الدول تقوم (عن طريق المؤسسات) على التحكم بالطلب والعرض عن طريق زيادة الضخ من المواد للدرجة التي تجعل الطلب عليها أقل من الكمية المعروضة وبالتالي تنخفض الأسعار والعكس صحيح.

 ونوه "الماهر" إلى أنه من أجل ضبط الأسعار في الغوطة الشرقية يجب أن يتم ذلك عن طريق المؤسسات، وذلك بزيادة العرض أو تخفيض الطلب، وبذلك تصبح كمية مواد التدفئة المطروحة في الأسواق أكبر من الطلب عليها، وبالتالي يصبح لدينا القدرة على ضبط أسعارها.

 وقد بحثنا كثيراً عن الضوابط التي يمكن من خلالها التحكم بآلية الأسعار كمؤسسات رقابية أو مكاتب مكافحة الاحتكار، فلم نجد سوى رأي الأستاذ "علاء الماهر" بهذا الخصوص.

 ومع استمرار موجات البرد والصقيع وتساقط الثلوج على مساحات واسعة من الداخل السوري، وفي ظل الفقر وقلة فرص العمل والنزوح والتشرد الذي يعاني منه قسم كبير من عوائل الغوطة الشرقية، تلجأ بعض الأسر إلى استخدام أقل المواد أسعاراً وأكثرها تأثيراً.

 التقينا بـ "أحمد أبو فارس" وهو أحد بائعي مادة المازوت في مدينة دوما، حيث أكد لنا أن الطلب على المازوت قد انخفض كثيراً مقارنة بالفترة الماضية والسبب يرجع إلى أن العوائل تبحث عن المواد الأقل كلفة من الناحية المادية، فمثلاً إذا أرادت الأسرة تشغيل المدفأة بمعدل وسطي يصل إلى 8 ساعات يومياً فإنها تحتاج إلى 6 ليترات من المازوت بينما تحتاج إلى 15 كيلو غرام من الحطب، ولهذا السبب رأينا انخفاض الطلب بشكل كبير على مادة المازوت.

وكخلاصة، فإن التكلفة الإجمالية للتدفئة خلال الفترة الموسمية في هذا الشتاء تصل إلى 160 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 320 دولار أمريكي. وهو رقم ضخم جداً مقارنة بالدخل الشهري للعائلة في الغوطة الشرقية.



وأضاف "أبو فارس" أنه قبل حوالي أسبوعين أو ثلاثة ومع استقرار أسعار المحروقات (المازوت وصل حينها إلى 410 ليرة سورية) رأينا أن لكلا الطريقتين (المازوت والحطب) نفس التكلفة تقريباً، ولهذا السبب لجأت بعض العوائل إلى تركيب مدافئ المازوت والإعتماد عليها في التدفئة كونها أقل عناءً، ولكن اليوم مع ارتفاع سعر المازوت أصبح الحطب أكثر رغبة في الإستخدام على الرغم من الإرتفاع الملحوظ في سعر الأخير.
 
وختم "أبو فارس" بأن الإرتفاع بأسعار مادة المازوت (على الرغم من قلة الإعتماد عليه بالتدفئة) يرجع أيضاً إلى استخدامه في سيارات النقل والجرارات المستخدمة في حراثة الأراضي الزراعية التي تشهد في هذه الأيام موسماً لزراعة القمح.

 بينما يقول "أبو أحمد" أحد بائعي الحطب، إنه ازداد الطلب على هذه المادة خلال الفترة الأخيرة بشكل كبير، كونه الأقل تكلفة، مضيفاً: "أن المورد الأساسي للحطب في الغوطة الشرقية هو من الأشجار التي يتم قطعها من المناطق الزراعية، فصاحب الأرض الذي لم يعد لديه القدرة المادية على سقاية أشجاره يقوم ببيعنا إياها ونحن بدورنا نقوم بقطعها وتحطيبها وبيعها جاهزة بسعر يتراوح ما بين 110 – 130 ليرة سورية (حسب جودة الحطب)".

ويستطرد بائع الحطب: "أيضاً هناك مورد آخر للحطب، وهو غرف النوم وأطقم الكنبايات المهترئة والأبواب الخشبية القديمة، نشتريها ونقوم بقصها وبيعها (رزم جاهزة)".


 ونوّه "أبو أحمد" (بائع الحطب)، أنه إذا بقيت المنطقة محاصرة وأسعار المازوت في ارتفاع فإننا سنشهد خلال سنتين على الأكثر نفاداً كاملاً لموارد الحطب في الغوطة الشرقية، وبالتالي ستكون هناك كارثة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

 ومع استمرار المعاناة التي قضى أهالي الغوطة الشرقية شتائهم الخامس فيها، يبقى السؤال مطروحاً إلى متى سيبقى المدنيون والأطفال والنساء الضحية الأكثر تأثراً في حرب دارت رحاها منذ ست سنوات ومازالت إلى اليوم .

ترك تعليق

التعليق