سوريون يُتهمون باستغلال أبناء جلدتهم.. سماسرة حرب أم تجار يستحقون أتعابهم؟
- بواسطة محمد عمر الشريف – خاص – اقتصاد --
- 19 كانون الأول 2016 --
- 0 تعليقات
الثورة السورية أخرجت كل ما هو جميل من تعاضد وتعاون بين أبناء سوريا, إلا أن هناك دائماً أصوات نشاز وتجار حروب يقتنصون مثل هذه الفرصة لاستغلال أشقائهم في الوطن. وفي ظروف الغرب القاسية، قصص كثيرة سُردت على مر 5 سنوات، يروي أصحابها لـ "اقتصاد" بعضاً منها.
أحمد، شاب سوري وصل إلى ألمانيا عن طريق البحر، وعائلته ما تزال في سوريا، يحاول من الراتب القليل الذي يتقاضاه لحين حصوله على الإقامة، أن يرسل نقوداً لأهله، ولم يجد طريقة إلا صديقه الذي تعرف عليه في رحلة اللجوء ليحول له المال، لكن كانت المفاجأة بأن صديقه طلب منه ربع المبلغ لقاء التحويل مبرراً ذلك بصعوبات شتى.
يؤكد أحمد بأنه لا ينكر على صديقه أخذ الأجر على التحويل لكن الجشع هو المصيبة، فذلك أكثر مما تأخذه شركات التحويل العالمية. يضيف أحمد أن هذه النماذج كثيرة جداً، فأي خدمة إنسانية في أوروبا صارت بمقابل مادي حتى موضوع إيجاد منزل، إذ أصبح السماسرة السوريون يأخذون مبالغ خيالية لقاء إيجاد سكن لعوائل سورية ركبوا الموج هرباً إلى الحياة.
تحدث "اقتصاد" إلى "أبو طلال الحموي"، المقيم في ألمانيا، والذي يعمل في مهنة تحويل الأموال، والذي بدوره شرح سبب غلاء أجور التحويل، مرجعاً ذلك إلى التاجر التركي، وهو المحور الرئيسي في العملية، فيقوم هو باستلام المبلغ في أوروبا وتسليمه في تركيا، ويأخذ مقابل ذلك 4% من المبلغ المحول.
يضيف أبو طلال أنه جمّد مبلغاً يعادل 150 ألف دولار إضافة إلى 400 ألف ريال سعودي، كأصول مالية ورصيد مدوّر لتسليم الحوالات عند التجار، ليتم التعامل معه في السوق السوداء، والأهم هو وجود عدة مكاتب تمر عليها الحوالة حتى تصل، وكل مكتب يريد أتعابه، وهي لا تتعدى في كل العملية 7%، بينما هناك شركات عالمية تصل أجرة التحويل فيها إلى 14%.
خالد، شاب سوري يعيش في السويد، يؤكد لـ "اقتصاد" بأنه حاول عبثاً أن يجد بيتاً للسكن، فلما اقترب من اليأس، أخبره أحد رفاقه أنه سينتقل إلى مدينة أخرى ويغادر منزله، فطلب خالد منه أن يستأجر نفس المنزل لكن كانت المفاجأة أن رفيقه طلب منه "فراغ" مقابل ترك المنزل له بمقدار 750 دولار، فرفض خالد هذا الاستغلال، وبعد أشهر من البحث المتواصل لم يجد منزلاً فعاد مرغما إلى رفيقه، ليخبره أنه وافق على المبلغ، لكنه وجد أن البيت قد ذهب لسوري آخر بمبلغ 1000 دولار فراغ. يضيف خالد "هذا من عجائب الدنيا".
قصة أخرى يرويها أنس المقيم بالسويد لـ "اقتصاد"، حين تم تحديد موعد مقابلة لزوجته وأطفاله في تركيا من أجل معاملة لم الشمل، والعقبة الأكبر كانت هي أن الحدود التركية مغلقة ومفتوحة فقط باتجاه سوريا، وهنا وجد نفسه في موقف لا يحسد عليه فهو ينتظر هذه اللحظة منذ 3 سنوات ليلتقي عائلته، فما كان منه إلا أخذ يسأل ويبحث عن طريقة لإخراجهم إلى تركيا، فعثر على سمسار سوري تعهد له بإدخالهم مقابل 2000 دولار، فصُعق أنس لضخامة المبلغ وأخبر السمسار أن هذا استغلال وسرقة، ليجيبه السمسار بأنه سيدفع أيضاً للسمسار التركي وهذه طريقة كسب عيشه، لم يكن أمام أنس خيار سوى الموافقة، لكن مع غصة بأن سورياً مثله يستغله في هذه الظروف.
سمسار البيوت في أوروبا، سمير العبد، يؤكد لـ "اقتصاد" أن مهنته مُتعبة جداً حتى يستطيع تأمين بيتٍ لشخص سوري آخر، لذلك يطلب مقابلاً لأتعابه، التي يقرها بأنها مرتفعة بعض الشيء، لكن هو أيضاً مغترب ويريد تأمين حياة كريمة له وهذه فرصته، حسب وصفه.
يضيف سمير أن السوري الذي يؤمن له بيت هو الآخر يأخذ راتباً من الحكومات في أوروبا من دون أن يتعب بها مطلقاً، فهو أصلاً يدفع من مال لم يبذل جهداً من أجله، أما السمسار فيبذل جهداً كبيراً ليجد منزلاً أو منزلين في الشهر لا أكثر، في حين أن الشخص الذي يلجأ إلى السمسار يكون غير متقن للغة أو لا يريد أن يُتعب نفسه، فيجب أن يدفع المقابل.
أما قصة طارق الحمصي، الذي يسكن في الأردن، فهي مختلفة بعض الشيء، لأن العرض الذي قدمته السيدة السورية التي زارتهم في بيتهم كان غريباً جداً، وهو أن تؤمن لهم مساعدات شهرية على شرط أن تأخذ هي النصف. طارق الذي يسكن في بيت سقف مطبخه من "الزينكو"، يؤكد أنه طرد هذه السيدة من بيته، معتبراً أن ذلك أقل ما يمكن أن يفعله حيال إنسانة قررت استغلال حاجتهم، ناهيك عن تشويه صورة السوريين جميعاً بهكذا نماذج مسيئة. يضيف طارق أن هذه الظاهرة منتشرة على نطاق واسع وأصبحت وسيلة للعيش لدى الكثيرين.
الشاب السوري عادل، الذي هاجر للسويد، يروي قصته أثناء بحثه عن عمل في السوق السوداء، وهو ما يعرف في أوروبا بـ "العمل الأسود"، وهو عمل يكون غير مرخص، وبالتالي لا يتم دفع الضرائب للحكومة، فالتقى بصاحب عمل سوري لديه شركة صغيرة لنقل الأثاث، وعمل لديه لساعات طويلة، مقابل أجر لا يتعدى 300 كرون مع أن العامل في مثل وضعه يأخذ 500 كرون، وإن كان عمله مرخصاً يأخذ 800 كرون، لكنه بقي صابراً على هذا العمل، لأنه مصدر الدخل الوحيد لديه.
أما الناشط الإعلامي، أبو عبد الكريم، في الداخل السوري، فيشير إلى أن تجار الأزمات السوريين استغلوا الظروف الصعبة التي تمر بها سوريا، ليبنوا ثرواتهم على حساب الفقراء والنازحين وغيرهم من المحتاجين، بدءاً من رفع أسعار المواد الغذائية بحجة مرور البضائع على الحواجز وعدم الأمان، وليس انتهاءاً بتهريب المحروقات.
يضيف الناشط أن الأسوأ هو إصدار الأوراق الثبوتية الرسمية لأشخاص مطلوبين من قبل النظام وهذا له سماسرة مختصين في المناطق المحررة، جنوا أموالاً طائلة، فجواز السفر الواحد وصلت تكلفته إلى 5000 دولار، في بعض الأحيان.
يختم أبو عبد الكريم حديثه لـ "اقتصاد"، أن من أصعب الأشياء أن يستغلك ابن بلدك الذي يعايش وضعك وظروفك وحاجتك، لكن هؤلاء يظهرون في كل الأزمات وسينتهون بانتهائها، حسب وصفه.
التعليق