حرب "جيش خالد بن الوليد" على الدخان.. "اقتصاد" يرصد الواقع وآراء بعض السكان


شهدت أسعار الدخان في منطقة حوض اليرموك، في ريف درعا الغربي، ارتفاعاً غير مسبوق  منذ انطلاق الثورة السورية، وذلك بسبب الحصار الخانق المفروض على المنطقة، ومنع تداوله أو الاتجار به جراء قرارات صارمة من قبل "جيش خالد بن الوليد"، المتهم بمبايعة تنظيم "الدولة الإسلامية"، والذي يتخذ من بعض قرى حوض اليرموك مركزاً لنفوذه.

وقال مصدر من داخل منطقة الحوض إن "تداول الدخان في قرى المنطقة ومنذ سيطرة جيش خالد بن الوليد عليها، "مُنع منعاً باتاً، واعتُبر من المحرمات التي تلحق عقوبات صارمة بمرتكبيها، منها التعزير، والغرامة المالية، والسجن"، مشيراً إلى أن الجهات المعنية بهذا الأمر داخل "جيش خالد بن الوليد"، قامت عدة مرات بمصادرة كميات من الدخان على الحواجز، وجمعتها وحرقتها على مرأى من أصحابها بعد تنفيذ عقوبات بحقهم.

وأضاف المصدر: "إنك لن تجد مُدخناً في الشارع أو في أي مكان عام، كما أنك لن تجد من يحمل علبة سجائر، لأن ذلك يعرضه لعقوبات من قبل الحسبة، التي ينتشر عناصرها في الشوارع"، لافتاً إلى أن الدخان كان يدخل إلى المنطقة عندما كان الطريق الرابط مفتوحاً، بطريقة التهريب، وبسرية تامة، وبطرق إخفاء مبتكرة.

وأشار المصدر إلى أن "عناصر الحسبة يقومون بمداهمات وأعمال تفتيش للمحال التجارية والدكاكين ومحلات السمانة أحياناً، بحثاً عن الدخان، ومن يتواجد لديه هذه المادة، يعرض نفسه إلى عقوبات مالية، وإغلاق المحل لفترة لا تقل عن شهر، وحرق ما بحوزته وإيقاع عقوبات أخرى به كالغرامة والسجن"، موضحاً أن أحداً لم يعد يغامر بهذه التجارة مهما كانت أرباحها عالية.

محمد صاحب بسطة دخان سابقاً، قال: "كانت التجارة بالسجائر مربحة، ويعتاش منها عشرات الأشخاص من أصحاب البسطات والمحال التجارية، وكانت مصدراً هاماً للرزق والدخل"، لافتاً إلى أنه بعد إصدار فتاوى تحرم الدخان وتنزل بالمتعاملين به عقوبات مختلفة، فقدَ الكثير مصادر رزقهم، ما دفعهم للبحث عن أعمال ومصادر رزق أخرى، تؤمن لهم على الأقل قوت يومهم.

وقال أحد أصحاب محلات السمانة، وهو من المدخنين، إن هذه الإجراءات ألحقت به خسائر كبيرة، فقد كان بيع الدخان هو أحد مصادر عيشه، وكان الزبون حين يدخل لشراء الدخان، يشترى بعض احتياجاته من نفس المحل"، لافتاً إلى أن العديد من طقوس المدخنين اختلفت، بسبب قلة الدخان وعدم توفره في كل وقت، وارتفاع أسعاره، فمثلاً لن تجد أحداً يضع علبة السجائر أمامه خلال السهرات والجلسات، أو يقدم سيجارة ضيافة لمن يجالسه، بل يسحبها خفية ويشعلها، كما أن المدخن أصبح يقتصد في التدخين فبدل أن يدخن علبة في اليوم، بدأ يقسمها على يومين أو يحدد بأنه سيدخن سيجارة كل 3 أو 4 ساعات، أو يدخن نصف سيجارة ويعيد إشعالها بعد ساعتين.

وأضاف أن "استدانة السجائر أصبحت منتشرة بين المدخنين حتى بين أقرب الأصدقاء أو الأخوة، (أدينك) سكارتين تردهم بعد أن يتوفر معك الدخان"، مشيراً إلى أن ذلك ليس بخلاً، بل بسبب عدم توفر السجائر وارتفاع أسعارها، حيث بات سعر السيجارة أكثر من مئتي ليرة سورية على الأقل في هذا الوقت، وفي ظروف اقتصادية بالغة الصعوبة.

فيما أكد "علي"، وهو مدخن، أنه يلجأ عندما ينقطع من الدخان إلى أوراق الحشائش الجافة، الشاي أو النعنع  يفركها ويلفها في ورقة ويدخنها، لافتاً إلى أن ذلك تسبب له بضيق تنفس وسعلة دائمة.

وأضاف أنه لا يستطيع ترك الدخان لأنه مدخن منذ أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أنه أصبح عصبياً وعدوانياً، نتيجة عدم توفر الدخان رغم محاولته إشغال نفسه بأعمال لم يكن يقوم بها في السابق، كالمشي لمسافات طويلة أو تعشيب الأراضي بين الأشجار وأعمال نكاشة الأشجار والخروج من المنزل.

فيما أكد "غالب"، صاحب محل ألبسة، أنه استطاع أن يعوّد نفسه على الوضع الجديد، مشيراً إلى أنه ترك الدخان منذ عام ولم يعد يشتهيه أو يبحث عنه، وأنه أصبح يشعر بأن حياته تغيرت، ووضعه الصحي أصبح أفضل.

وقال "غالب": "صحيح أني تركت الدخان مرغماً بسبب عدم توفره وارتفاع أسعاره، لكني كسبت صحتي"، مشيراً إلى أنه يمشي الآن لمسافات طويلة دون أن يشعر بالتعب، وأصبح يشم الكثير من الروائح التي كان محروماً منها بسبب التدخين، إضافة إلى أن لثته ولون شفتيه تغيرا من الأسود إلى الأحمر، كما أن السعال الذي كان يعاني منه أصبح خفيفاً، فيما عاد الصفاء إلى عينيه المحمرتين دائماً.

ولفت إلى أن ترك الدخان وفّر عليه مبالغ كبيرة، أصبح ينفقها على أشياء مفيدة، كزيادة كميات الطعام المفيد، موضحاً أنه كان يدخن علبتي سجائر يومياً، وكان سعر العلبة تهريباً قبل الحصار بنحو 350 ليرة سورية، يعني بحسبة بسيطة كان ينفق على الدخان نحو 20 ألف ليرة سورية، أصبح هذا المبلغ الآن يحول إلى شراء اللحوم والفواكه، كما قال.

يشار إلى أن حصاراً خانقاً يعيشه أهالي سكان منطقة حوض اليرموك الواقعة في أقصى الريف الغربي من محافظة درعا، وذلك بسبب الأعمال القتالية التي تجددت قبل نحو أسبوعين بين فصائل الجيش الحر من جهة وجيش خالد بن الوليد من جهة أخرى، ما تسبب بقطع الطرق، ومنع دخول مواد إغاثية وأساسية ومنها الطحين والخبز والسكر واللحوم، وباقي المواد الأساسية، الأمر الذي أسفر عن إغلاق جميع الأسواق في المنطقة، وشل حركة المواطنين.


ترك تعليق

التعليق