الاضطرابات النفسية تزيد من آلام السوريين، في الداخل وفي بلاد اللجوء


في تقريرها الأخير نيسان/ ابريل 2016، أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن عدد المكتئبين في العالم يفوق 350 مليون، حيث أن هذا العدد كان فقط للحالات المشخصة، أي ما يقارب 4.6 % من سكان العالم، وهذا ينطبق على سوريا وأكثر من ذلك، حيث أن العديد من الاضطرابات النفسية قد زاد حدوثها في سوريا في ظروف الحرب مع النظام، التي اندلعت بعيد الثورة 2011، حسب العديد من التقارير.
 
محمد، 59 عاماً، الذي لا يزال في سوريا، تلقى نبأ انتحار ابنه ذي الـ 25 عاماً في اليونان عقب مروره بحالة متقدمة من الاكتئاب بعد هربه من سوريا ومعاناته بعد ذلك أثناء الهرب واللجوء والوحدة والغربة التي كان يشعر بها.

"حدث ذلك منذ عام ونصف تقريباً، وحتى الآن لا أستطيع تصديق أنني لن أراه ثانية، أتابع حياتي وكأن شيء لم يحدث وبأنه سوف يعود إلى المنزل بعد انتهاء الحرب، أحياناً كثيرة أراه في أحلامي وعندما أستيقظ أشعر بالسعادة وكأنني رأيته بالحقيقة"، تحدث محمد بكل هدوء، وذلك على الأغلب بسبب الأدوية المضادة للاكتئاب التي وصفها له الطبيب بعد وفاة ابنه ومروره بحالة من الذهول وإهمال نفسه وما حوله.
 
أما عائشة، 40 سنة،  اللاجئة في ألمانيا، فقد خسرت ثلاثة من أخوانها في الحرب بسوريا، لا يمكن التكهن بمشاعرها، فهي تارة تبكي وتارة تضحك.

أثناء حديثها لـ "اقتصاد" وصفت حالتها عندما تلقت خبر وفاة شقيقها الثالث: "أحسست بصدري سينفجر، مر شريط حياته أمامي خلال ثواني، تذكرت عندما كنت أداعبه وأهتم به عندما كان طفلاً، لطالما شعرت أنه مثل ابني ولا أصدق أنه توفى".
 
عائشة لم تعد تحتمل البقاء في سوريا بعد كل تلك الخسارات وتركت عملها ذي الدخل المرتفع وغادرت مع زوجها وأطفالها الخمسة إلى تركيا ومنها إلى ألمانيا.
 
واجهت عائشة هي وأبنائها مشاكل جمة في التأقلم مع الظروف الجديدة والبلد الجديد، هناك بدأ الاخصائيون النفسيون اكتشاف المشاكل التي خلفتها ظروف الحرب ورحلة اللجوء ورحلة البحر التي استمرت 10 أيام على حالتهم النفسية.
 
عائشة تتحدث عن ابنتها الصغرى والتي كان عمرها سنتين فقط عند اندلاع الثورة السورية: "لا أذكر بالضبط كيف كانت طفولة هالة قبل الحرب، ولكن كل ما أذكره أنها كانت متعلقة بي كثيراً وكنت سيئة المزاج، وتسبب مشاكل لأخوتها الأكبر سناً، وعندما وصلنا إلى ألمانيا بدأنا نلاحظ خوفها الشديد وشعورها بعدم الأمان وحتى امتناعها عن الذهاب للحمام لوحدها، وخوفها من النوم في غرفتها أو حتى بسرير منفصل بالإضافة لعدوانيتها وعنادها".

وأكملت عائشة أنه تم عرض هالة على طبيب نفسي عند وصولهم لألمانيا، وعندما طلب منها أن ترسم ما يجول في ذهنها رسمت نفس السفينة التي أقلتهم إلى ايطاليا وبنفس الألوان وبدأت تشرح المكان الذي جلسوا فيه في الرحلة التي استمرت 10 أيام.

أما عن حالة ابنها نبيل ذي الاثني عشر سنة فتقول أن حالته أسوأ  ولكنه يحاول أن يخفي خوفه وما يدور في ذهنه: " منذ فترة قصيرة اكتشفنا أنه يخاف من ألعاب الأطفال كالدمى التي على شكل ولد أو بنت، كنت استغرب عندما أجدهم  مخبئين في الخزانة عندما أضعهم في غرفته المشتركة مع أخته".
 
ثم ذكرت حادثة أنه عندما أتى للمنزل مرة ورأى أخته الصغرى تلعب مع الدمى، أصيب بالهياج الشديد والخوف والصراخ، ثم لم يستطع النوم في غرفته ليلاً وطلب النوم مع والدته بالسرير حيث لاحظت تشنجه وتعابير الألم تظهر على وجهه أثناء النوم، وفي الصباح أخبرها أنه رأى كوابيس أثناء نومه.

ثم ذكرت عائشة حالة ابنها عندما كانت منطقتهم في جنوب دمشق "ببيلا" تتعرض للقصف: "كان عندما يسمع صوت الطائرة، يجري إلى الطابق السفلي ويجلس جانب عامود بمنتصف الصالون أو تحت الدرج ظناً منه أنه الأكثر أماناً، ويبقى بحالة شديدة من الخوف ووجه أصفر ويرتجف حتى لساعات بعد انتهاء الغارة".
                                              
وفي تفسيرها لحالة ابنها، أوضحت عائشة أنه في الفترة التي كانت منطقتهم تتعرض خلالها للقصف في 2012، أصبح الأطفال يلعبون ببقايا قذائف الهاون والشظايا ويتنافسون من يجمع أكثر، ثم أصبحوا يميزوا بين أصوات قذائف هاون أو الراجمات أو المدفعية.
   
بالإضافة لذلك حسب عائشة: "أصبح حديث الناس في المنطقة عن القذائف وأين وقعت ومن مات وكيف حصل ذلك، وكنا كلما ضربت قذيفة نذهب للمكان ونأخذ معنا الأطفال، لا أعرف وقتها ما الذي كان يدور بذهننا، لم نكن نكترث عندها، كان همنا أنهم بخير ولم يصبهم أي أذى".
 
تم ذكرت قصة أخرى حدثت وتظن أنها السبب بخوف نبيل من الدمى: "في أحد الأيام كان هناك عدة أطفال يلعبون في الساحة القريبة من المنزل، قامت طائرة ميغ بقصفهم وحولتهم إلى أشلاء، وعند إسعافهم مروا أمام منزلنا، وكان من بين الضحايا ولد لم يتبقى منه سوى رأسه وتم السؤال عن صاحبه، وشعرت أن نبيل تأثر كثيراً بالحادثة وبقي يتكلم بها لمدة طويلة بعد ذلك".

لمعرفة مدى انتشار الأمراض النفسية في سوريا، تحدث "اقتصاد" مع طبيب نفسي، فضل عدم الكشف عن اسمه، والذي قال: "ما يقارب من 40-45% من المرضى الذين يراجعون العيادة يعانون من حالات توتر وشدة نفسية واكتئاب بسبب الحرب والصراع في البلد، بالإضافة لعدم معرفة ما سيجري في المستقبل".
 
وأضاف أن البعض منهم يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة وخاصة الذين تعرضوا للقصف والتهجير ووفاة الأقارب.
 
بالنسبة للعلاج، بيّن الطبيب النفسي أن هناك بعض الأدوية التي تساعد المرضى على التأقلم نوعاً ما مع الواقع وتخفف من توترهم مثل السيرتالين وفلوفينازين ونورتريبتيلين وكلوميبرامين.

وبسؤال الصيدلانية حسنة عن سعر الأدوية فصلت الصيدلانية أن أسعار الأدوية النفسية المذكورة تتراوح بين 200 و500 ليرة سورية، ما عدا لوكسوتان والذي يساعد على تهدئة التوتر النفسي ويستعمله الكثير من الناس حتى من دون وصفة وبطريقة ملتوية فهو غير متوفر ويتم بيع الشريط الواحد منه بـ1500 ليرة سورية مع أن سعر العلبة كاملة عند توفره لا تتجاوز 350 ليرة سورية.
 
أما بالنسبة لتكلفة زيارة الطبيب النفسي، بينت الصيدلانية حسنة أنها تتراوح بين 1500 و 2000 ليرة سورية وبجميع الأحوال لا يوجد معاينة لطبيب أقل من 1000 ليرة سورية.
 
في تقريرها عام 2015 عن الأمراض والاضطرابات النفسية للسوريين في مناطق الصراع، بينت المفوضية العليا للاجئين أن الأمراض النفسية قد ازداد حدوثها بين السوريين بعد الصراع حيث يعاني الناس من اضطرابات عاطفية وفكرية وجسدية وسلوكية واجتماعية. الاضطرابات العاطفية مثل الحزن والخوف واليأس والقلق والغضب. أما الاضطرابات الفكرية فتشمل عدم القدرة على السيطرة على التصرفات والعجز والقلق واسترجاع الذكريات المؤلمة والملل والياس. كما يعاني السوريون من تأثيرات جسدية مثل التعب واضطرابات النوم وفقدان الشهية. أما الاضطرابات السلوكية فتشمل الانطواء والعدوانية واضطراب العلاقات مع الآخرين.

بين التقرير أن هذه الأعراض منتشرة  بين السوريين داخل سوريا وبين اللاجئين وسببها ظروف الصراع والعنف السائد في البلد بالإضافة لظروف النزوح واللجوء.

ترك تعليق

التعليق