الأمراض الوعائية والقلبية.. قاتل آخر يتربص للسوريين بعد الثورة


أحمد،  53 سنة، تعرض لحادث وعائي دماغي (جلطة)، وأدى لشلل نصفي في الجهة اليمنى، وشقيقه الذي يكبره بسنتين أجريت له عملية قلب مفتوح بعد أربعة أيام فقط، وذلك بعد تعرضه لعدة هجمات من الألم الصدري وشُخص له نقص في تروية العضلة القلبية بسبب تضيق الشرايين وبحاجة لعمل جراحي.
 
في حديثها لـ "اقتصاد"، فصّلت السيدة مريم، 48 عاماً، زوجة أحمد، عن الصعوبة التي وجدتها لتأمين سرير لزوجها في مشفى حكومي في اللاذقية، حيث أنه أصيب بالجلطة الدماغية منذ 5 أسابيع وهو بطور التعافي الآن، ولكن مع ذلك فإن الكثير من المصاريف الإضافية كان لا بد منها، لأن القبول  في  المشافي الحكومية  يكون مجانياً في الليلة الأولى فقط، ولكن بعد ذلك يتم احتساب 1000 ليرة سورية لكل ليلة. كما أن الأدوية وتكاليف التحاليل يتكفل بها المريض.
 
أضافت مريم أن زوجها يحتاج لعلاج فيزيائي وذلك لمساعدته على تقوية عضلاته الضعيفة التي تأثر تعصيبها بسبب الشلل، ولكن وبسبب ندرة المعالجين الفيزيائيين وعدم وجود مراكز متخصصة، فإنه يتم عرض العلاج الطبيعي والفيزيائي على المريض وفي حال موافقته يتم تخصيص عدد من الجلسات وهو من يتكفل بتغطيية تكاليفها، ويختلف عدد  الجلسات حسب حالة المريض الصحية وحسب قدرته على تحمل المصاريف.

"تتراوح تكلفة الجلسة الواحدة بين 1500 و3000 ليرة سورية، وذلك يعتمد على خبرة المعالج وعلى مكان العلاج (في المنزل أم في المركز)".

بالنسبة لشقيق زوجها، فصّلت مريم أنه كان يشكو من ألم صدري وخاصة عند الجهد والانفعال، لكن في المرة الأخيرة حدث له ألم صدري شديد واغماء وعند اسعافه إلى المشفى تبين أن لديه تضيق شديد بالشرايين المغذية للقلب وأثرت على عضلة القلب.
 
"بعد إجراء الإسعافات الأولية واللازمة له، كان هناك ضرورة لإجراء عملي جراحي  لمعالجة تضيق الشرايين، وهو فضل إجراء العملية في مشفى خاص رغم تكلفتها التي تصل إلى مليون ليرة سورية أو أكثر"، أضافت.

وبعد ذلك حسب السيدة مريم، وبسبب عدم قدرتهم على تحمل تكاليف المشفى الخاص، حيث أن تكلفة الليلة الواحدة من دون أي إجراء تزيد عن 3000 ليرة سورية، اضطروا لمتابعة حالته بعد العمل الجراحي في مشفى حكومي.

وعند سؤالها عن تكاليف الإسعاف أجابت: "بلغت تكاليف التحاليل الإسعافية عند الشك بالاحتشاء 5500 ليرة سورية لأنه توجه إلى مشفى خاص مباشرة".
 
وبسؤال السيدة مها التي تعمل فنية مختبر في إحدى المشافي عن تكاليف التحاليل المخبرية لحالات احتشاء العضلية القلبية، أوضحت أن تكاليف التحاليل تتراوح بين 1800 ليرة في المشافي الحكومية و5500 ليرة في المشافي الخاصة للتحاليل الثلاثة    (LDH 800 ليرة،  تربونين3000 ليرة،  CK 1600 ليرة، CKMB 3000 ليرة).

بالنسبة لتكلفة العمل الجراحي، أوضحت فنية المختبر أن تكلفة القثطرة القلبية تصل إلى  16800 ليرة سورية وجراحة قلب 300 ألف ليرة سورية في مشافي الحكومة، أما في المشافي الخاصة فقط تصل إلى مليون ليرة سورية.
 
أما العلاج الدوائي حتى داخل المشافي الحكومية فهو على تكلفة المريض، وتبلغ تكلفة مميعات 1500 ليرة سورية للجرعة الواحدة، أما الأدوية القلبية فتتراوح بين 1800 و2000 ليرة سورية.
 
حدوث حالتين من الأمراض الوعائية القلبية لشخصين من نفس العائلة وبفارق أيام بينهما يطرح تساؤلاً مهماً حول معدل حدوث هذه الأمراض في سوريا، وهل هي في تزايد.
 
بشكل عام، وحسب دارسة حول الرعاية الصحية قبل وخلال الأزمة السورية، بينت أن المؤشرات الصحية في سوريا قبل الثورة كانت قد تحسنت خلال العقود الثلاثة الأخيرة، حيث ارتفع العمر المتوقع عند الولادة من 56 سنة عام 1970 إلى 73.1 عام 2009. كمان أن معدل وفيات الأطفال تحت عمر الخمس سنوات وتحت عمر السنة انخفض بشكل كبير خلال هذه الفترة.
 
وبناء على ذلك، فإن سوريا كانت من الناحية الوبائية على وشك التحول إلى الوقاية من الأمراض غير المعدية، حيث أن أكثر من 77% من الوفيات كانت تحدث بسبب أمراض غير معدية.
 
لكن، وحسب التقرير، بعد بداية الثورة السورية، تراجعت المشعرات الصحية بسبب التغيرات الكبيرة في البلد من الناحية الصحية بسبب استخدام الأسلحة وظروف الحرب والاستخدام الواسع للقصف العشوائي سواء المدفعي أو بالطائرات واستهداف المنشآت الحيوية وضمنها المشافي والمراكز الطبية، بالإضافة للنقص في الأماكن الصالحة للسكن ونقص في الماء الصالح للشرب والصرف الصحي وعدم سلامة الغذاء والازدحام في بعض الأماكن. بالإضافة لتقييد الخدمات الصحية بسبب الإجراءات الأمنية وتراجع الرعاية الصحية للحوامل والأطفال الرضع.
 
هذه الظروف أدت إلى ازدياد خطورة الأمراض المزمنة حيث أن أكثر من نصف الذين يعانون من أمراض مزمنة حصل لديهم انقطاع واضطراب في تلقي العلاج اللازم. أحد هذه الأسباب هو تراجع القدرة على تحويل المرضى إلى المؤسسات الصحية بسبب إعطاء الأولوية للحالات الطارئة الناتجة عن إصابات المعارك والقصف و القنص.

بالإضافة لتراجع في نوعية وفعالية الوسائل التشحصية والأدوات بسبب عدم توفر قطع الغيار.
 
بالإضافة لذلك، أوضح الباحثون في دراسة نشرتها المجلة المتخصصة "ذي لانست غلوبال هيلث" أن  متوسط الأعمار في سوريا، انخفض بمقدار 7 سنوات  للرجال و5 سنوات للنساء خلال سنتين من الصراع، حيث كان متوسط أعمار الرجال  75 عاماً قبل النزاع، وبحلول العام 2013 تراجع هذا المعدل إلى 69 عاماً، فيما تراجع متوسط أعمار السوريات من 80 عاماً إلى 75 في الفترة نفسها.

بيّنت دراسة للمركز السوري لبحوث السياسات بعنوان "حرب على التنمية"، أن نسبة الأطباء للمواطنين قد تراجعت لتصبح طبيب لكل 4041 مواطناً في حزيران/ يونيو 2015 بعد أن كانت طبيباً لكل 661 مواطناً عام 2010. بالإضافة لتوقف حوالي 90%  من الصناعات الدوائية محلية الإنتاج بعد تدمير ما يزيد عن 25 معملاً لصناعة الأدوية.

لا ننسى التوتر النفسي والضغوطات الاقتصادية والعاطفية الذي يلعب دوراً مهماً في ازدياد معدلات الأمراض القلبية وارتفاع الضغط الشرياني، وهو ما سيتم مناقشته في تقارير قادمة.

ترك تعليق

التعليق