الزراعة في درعا.. "خسارة بخسارة"


"لم تعد الزراعة مربحة، وإذا  استمر الوضع كما هو عليه الآن لن تجد أي إنتاج زراعي في درعا، فمقوماتها لم تعد موجودة ومستلزماتها غائبة حتى المناخ ضدنا فلا أمطار ولا مياه كافية منذ سنوات"، هكذا بدأ المزارع أبو رفعت حديثه معنا.
 
وأضاف: "كل عملنا وشغلنا صار خسارة بخسارة، فأنا أملك نحو ستين دونماً كنت أزرعها بالقمح وبالخضار المختلفة لكن منذ ثلاث سنوات لم أستفد منها  شيئاً، أحياناً أحصل على رأس المال وأحياناً أخسر وتعبي وتعب أسرتي بلا مقابل".
 
ويشهد القطاع الزراعي في محافظة درعا منذ ثلاث سنوات تراجعاً كبيراً، وذلك بالتزامن مع اشتداد الأعمال العسكرية في المحافظة، واستمرار التضييق والحصار والقصف من قبل قوات النظام وحلفائها، ما تسبب بتوقف قطاع اقتصادي هام عن الإنتاج، وأفرز أعداد كبيرة من العاطلين عن العمل، بينهم أسر وعائلات، كانت جلها تعمل في القطاع الزراعي وتتخذ منه مصدراً هاماً وأساسياً للرزق.

ويشير المهندس الزراعي، محمد الأحمد،  إلى أن محافظة درعا تعتبر من المحافظات السورية الزراعية بامتياز، وذلك نظراً لخصوبة تربتها وملائمتها للكثير من الزراعات الحقلية والأشجار المثمرة، مبيناً أن أكثر من 30 بالمائة من سكان المحافظة كانوا يعملون في القطاع الزراعي قبل الأزمة السورية، إلا أن هذه  النسبة انخفضت مع تواصل الأعمال العسكرية ضد المواطنين الآمنين، وأصبحت أقل من 10 بالمائة هذا العام.

وعزا الأحمد انحسار العمل في القطاع الزراعي وتراجع الإقبال عليه إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج، وارتفاع أسعار المواد الزراعية الأولية كالأسمدة والبذار والأدوية الزراعية والشتل، وعدم توفرها في الكثير من المناطق المحررة، إضافة إلى عدم شعور المواطنين بالأمان لقيام قوات النظام عن عمد باستهداف الأراضي الزراعية، بهدف إيقاع مزيد من الخسائر بالفلاحين باعتبارهم الحاضنة الأساسية للثوار، يضاف إلى ذلك عدم وجود أسواق لتصريف الإنتاج، وارتفاع أجور النقل والحراثة، وعمليات جمع الإنتاج التي أصبح المحصول لا يغطيها، بسبب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وأجور الأيدي العاملة.

مصدر في مجلس محافظة درعا الحرة أكد أن إغلاق المعابر مع الجانب الأردني فاقم من أوضاع المزارعين الاقتصادية في مناطق درعا، وأدى إلى خسائر اقتصادية كبيرة، بسبب عدم تمكن المزارعين من تصدير بعض المحاصيل الزراعية التي كان الأردن، ومن خلاله بعض دول الخليج، سوقاً لها، موضحاً أن إغلاق الحدود أيضاً حدّ من دخول العديد من المستلزمات كالأدوية الزراعية، وبعض أنواع  البذار، التي أصبح الحصول عليها من مناطق سيطرة النظام من الصعوبة بمكان، بسبب التضييق على دخولها.

وأضاف أن عمليات النزوح المتكررة والهجرة الكبيرة التي شهدتها درعا وريفها، أسهمت في تراجع الإنتاج الزراعي، وأصبحت درعا تعاني من نقص كبير بالإنتاج الزراعي، بعد أن كانت تشكل سلة غذائية لعدد من المحافظات بالخضار وببعض المحاصيل الأخرى، مشيراً إلى أن محافظة درعا خسرت أكثر من نصف سكانها البالغ عددهم أكثر من مليون ومئتي ألف  نسمة، بين شهيد ومعتقل ونازح ولاجئ.

مراد، مزارع يملك نحو خمسين دونماً من الأراضي الزراعية، أكد أنه لا يستطيع زراعة أرضه، بسبب التكاليف العالية، وعدم شعوره بالاستقرار، لافتاً إلى أنه أجّر الدونم الواحد من أرضه الزراعية التي يملكها بخمسة آلاف ليرة سورية لموسم العام القادم.
 
وأضاف أن الكثير من ملاك الأراضي  في منطقته يسعون إلى تأجير أراضيهم لذات الأسباب، بسبب ضبابية الأوضاع، وحالة الخوف من المجهول التي بات يعانيها المواطن السوري، مشيراً إلى أن خسائره كانت عالية خلال العام الحالي لأن الكثير من مستلزمات العمل الزراعي لم تتوفر في منطقته، ما اضطره إلى استخدام وسائل بدائية في تجميع محصول القمح، ودفع من أجل ذلك أجوراً مضاعفة.
 
ويقول عبد الرزاق، مزارع وتاجر بندورة، "كنت أزرع كل سنة نحو 100 دونم بالبندورة ومثلها بالبطاطا، لكن العام الحالي كانت خسائري مضاعفة ولم أتمكن من تسويق إنتاجي بسبب الأعمال العسكرية في المنطقة، وإغلاق الطرق بشكل مستمر، ما تسبب بخسائر كبيرة للمزارعين"، مشيراً إلى أنه لن يزرع أي مادة في الموسم القادم إن بقيت الأمور على حالها، لأنه يرى أن الزراعة أصبحت مغامرة محفوفة بالمخاطر في ظل الأوضاع القائمة.

فيما أكد سعيد بأنه سيحاول تأجير قسم من أراضيه، وزراعة الباقي، لأن الأوضاع الأمنية لا تشجع، كما قال.

 
وأضاف أنه يملك نحو 70 دونماً من الأراضي كان يزرعها بمختلف المحاصيل الزراعية الحقلية من قمح وحمص وبيقياء وشعير في المواسم الماضية، ولكن مع توالي الخسائر، توقف عن الأعمال الزراعية وبدأ بتأجيرها /ضمانة/ موسمية.

فيما أكد المهندس الزراعي مروان العبد الرحمن، خروج مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في درعا من الإنتاج، بسبب وقوعها تحت مرمى نيران قوات النظام، إضافة إلى أن المناطق والسهول التي كانت قريبة من القطع والمواقع العسكرية التابعة للنظام، مليئة بآلاف الألغام الفردية التي أودت بحياة الكثير من المزارعين، وأدت إلى إصابة بعضهم بعاهات دائمة، الأمر الذي جعل أصحابها يحجمون عن الاقتراب منها أو استثمارها.

وأضاف أن "التراجع الذي فرضته الحرب الدائرة شمل كل أنواع الإنتاج الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وأصبحت درعا بعد أن كانت تشهد وفرة كبيرة في الإنتاج والجودة، سواء فيما يتعلق بالمحاصيل الحقلية أو الأشجار المثمرة، أصبحت تشهد ندرة وتراجعاً في الإنتاج"، مشيراً إلى أن الواقع الزراعي في المحافظة أصبح في وضع خطير في ظل الأحداث الجارية، وأن مساحات من الأراضي المزروعة بالأشجار المثمرة أزيلت عن بكرة أبيها، بسبب غياب الرعاية والاهتمام بها، زاد عليها سنوات عجاف، انخفضت فيها نسب الأمطار،  تزامنت مع ما تشهده سوريا من أحداث دامية.

وقال إن "إنتاج درعا من القمح قبل الثورة كان يصل إلى نحو 90 ألف طن سنوياً، لكنه تراجع خلال سنوات الثورة إلى نحو 20 ألف طن، فيما تراجعت الزراعات العلفية كالشعير وغيرها إلى أقل من الثلث، وكذلك الخضار، وفي مقدمتها البندورة التي كان إنتاجها يصل إلى 250 ألف طن سنوياً، انخفض إلى أقل من 20 بالمائة من إنتاجها المعتاد، بعد أن كانت تغطي احتياجات كثير من المحافظات السورية، ويُصدّر الفائض منها إلى الأردن ودول الخليج، كما شمل التراجع إنتاج الأشجار المثمرة كالزيتون والكرمة، التي تم تحطيب مساحات شاسعة من الحقول المزروعة فيها بغرض الطهي والتدفئة، نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية لغالبية السكان، الذين باتوا عاجزين عن تأمين أبسط احتياجاتهم اليومية".

ترك تعليق

التعليق