الساحل يحترق.. أبعد من نيران وأكثر من تفحيم
بعد توسع الحرائق وازدياد عددها بشكل كبير، تأكد موالو النظام أنها مفتعلة، وراحوا يوزعون الاتهامات يمنة ويسرة، فمنهم من اتهم خلايا نائمة للمعارضة، ومنهم من اتهم تجار الفحم والعقارات، ومنهم من اتهم جهات أمنية، وكل الاتهامات لم تكن مسندة بدليل.
خطر مضاعف
أخطر الاتهامات ساقتها صفحة "أخبار البهلولية" باتهامها خلايا نائمة تتبع للمعارضة السورية موجودة في مدن الساحل بين النازحين الذي هربوا من المعارك في مدن الداخل والشمال بأنها تقف وراء إشعال الحرائق بعدما فشلت في محاربة النظام عسكرياً.
خطورة الاتهام تكمن في نقطتين الأولى أنه حظي بقبول عدد كبير من متابعي الصفحة، وتبنته عشرات صفحات الموالين والشبكات الإعلامية الموالية في الساحل، أما النقطة الثانية فتكمن في التحريض الضمني على طرد النازحين من الساحل، وهذا لم يكن التحريض الأول فقد سبقته حملات عدة آخرها كان عندما حدثت اشتباكات في مخيم الكرنك بطرطوس.
المحامي سليمان حسون، وهو من سكان اللاذقية، استبعد وقوف ما يسمى خلايا نائمة للمعارضة خلف إشعال الحرائق، ورجح ترويج الأمن لهذه "الإشاعة أو الاتهام"، بغية تحقيق أهداف أبعد من ترحيل النازحين، وتصل إلى تطهير طائفي تمهيداً لإقامة كانتون علوي في الساحل السوري.
الأمن أشعل الحرائق
وحمّل المحامي سليمان حسون، في تصريح خاص بـ "اقتصاد"، أمن النظام، مسؤولية إشعال الحرائق، وذلك "بهدف تعرية الجبال لتغدو مكشوفة تسهّل معارك الدفاع عن الساحل، حيث يتخوف النظام من تغاضي الإدارة الأمريكية الجديدة عن المعارضة وربما تعطيها الضوء الأخضر باقتحام الساحل لإسقاط النظام انطلاقاً منه باعتباره الحاضنة الشعبية له"، حسب وصف حسون.
كثيرون انساقوا أيضاً مع هذه الفرضية واتهموا الأمن بافتعال الحرائق معززين رأيهم بامتناع أفواج الإطفاء عن التدخل لإطفاء الحرائق في اليوم الأول، واشتعال حرائق جديدة كل ساعة، ورأوا أن ذلك لا يمكن أن يحدث إلا بأمر القوى الأمنية أو بمعرفتها به كحد أدنى.
ولكن غالبية الذين تبنوا هذا الاتهام لم يوردوا تعليلاً واضحاً لذلك، ولم يتحدثوا عن سبب مقنع يدفع الأمن لإشعال كل هذه الحرائق، غير أن "علي حيدر" وهو من سكان القرداحة، كتب معلقاً على ذلك في "فيسبوك"، بأن ضباط الأمن والجيش سيتملّكون هذه العقارات ويعرضوها للاستثمار.
وعلى هذا يكون الأمن هو من أشعل الحرائق باعتباره شريكاً لتجار الفحم والحطب والعقارات في الساحل السوري وهذا الاحتمال هو الأقوى، وتتبناه شريحة واسعة دون الإشارة المباشرة للقوى الأمنية.
خيال
احتمال آخر أقرب إلى الخيال، ساقته شبكات إعلام موالية حيث اتهمت الولايات الأمريكية بافتعال النيران عبر عملائها في الداخل في إطار سعيها لتنفيذ مشروعها المسمى "هارب"، الذي تسعى من خلاله للتحكم بمناخ العالم ودرجات حرارته وإسقاط الثلوج والأمطار في المكان الذي تريد.
"الحرائق المتتالية ليست مصادفة".. يتفق الموالون على ذلك، ومن لم يتبنّ اتهاماً صريحاً لجهة ما تساءل عن الغاية منها، "هل هو التحضير لشيء ما في الساحل ولا يتحقق إلا بإشغال دوائر الدولة كافة، هل هناك يد خفية وراء ما يجري، وما هو الشي الذي يتم تحضيره في السر؟".
هذا ما طرحته "شبكة أخبار القرداحة" ودعت لاتخاذ الحيطة والحذر وطلبت من الكادر الأمني "ومن شعبنا الصامد التبليغ عن أي شيء مهما كان صغيراً يثير الريبة".
خطوط حمر
الخطر الذي تسببت به الحرائق ووصولها إلى منازل المدنيين حتى في مدينة القرداحة مسقط رأس النظام دفعت الكثيرين للخروج عن طورهم وتجاوز الخطوط الحمر في اتهام المسؤولين في الأمن والجيش وقيادات الدولة.
"النمر 2" يعرّف نفسه على صفحته الشخصية في "فيسبوك" بأنه ضابط برتبة عميد كتب في صفحة "القرداحة عرين الأسود" مخاطباً قيادة الجيش والدولة "سورية أهم منكم جميعاً، أنتم دواعش الداخل، تمتلكون طائرات تحمل الصواريخ الفراغية ومروحيات ترمي البراميل المتفجرة، ولا تمتلكون طوافات لإطفاء الحرائق في آخر الغابات السورية، قطعتم وأحرقتم أكثرها، واليوم تقضون على ما تبقى منها".
بجردة حساب، عشرات الحرائق في البسيط وجبلة والقرداحة وطرطوس التهمت أكثر من 1000 هكتار من بساتين وغابات الساحل حتى ساعة إعداد هذا التقرير، وأرغمت 7 آلاف شخص على مغادرة منازلهم لاقترابها منها واحتراق بعضها.
ليست غابات الساحل وحدها التي تحترق، بل أيضاً قلوب السوريين موالين ومعارضين تحترق مع تحوّل أهم الغابات السورية إلى رماد يهدد بزيادة التصحر، وتغيرات مناخية سيكون لها أسوأ الأثر على مستقبل الزراعة والحياة في سوريا.
التعليق