في درعا.. عصام ابن العاشرة يقول لـ "اقتصاد": "أرتجف برداً"


على ما يبدو أن شتاء أهل درعا في سنته السادسة من عمر الثورة السورية سيكون قاسياً هذه المرة  على غير العادة، فالبرد القارس حل باكراً هذا العام بالتزامن مع  ظروف اقتصادية صعبة، تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، بالتزامن مع نقص حاد في المشتقات النفطية والحطب، وارتفاع شديد في الأسعار في معظم مناطق درعا المحررة.

ويقول الطفل عصام ابن العاشرة، الذي تغطي جسده النحيل أسمال بالية، "أرتجف برداً.. جاء البرد مبكراً هذه السنة، وفي منزلنا لا يوجد شيء نشعله الآن فكيف في الشتاء".

ويتابع عصام وهو يفرد أكياس القمامة في إحدى المكبات البعيدة عن قريته دون أن يلتفت لمحدثه، "أبحث عن كل ما هو قابل للاشتعال من المواد البلاستيكية، مثل علب المنظفات عبوات المشروبات وأكياس النايلون، لاستخدامها في عمليات الطهي والتدفئة"، لافتاً إلى أنه وعدد من أصدقائه يجوبون  كل يوم معظم حاويات القرية والمكبات القريبة منها، للبحث عن كل شيء قابل للاشتعال بغض النظر عن أضراره الصحية.

وأضاف: "جمعنا الكثير من العجلات البالية ، لاستخدامها أيضاً في المواقد، فلا حطب لدينا ولا مازوت وليس لدينا أموال لشراء أي شيء منها"، لافتاً إلى أن عائلته فقيرة جداً، بعد اعتقال والده، وهي تعيش على ما يقدمه أصحاب الأيادي البيضاء من مساعدات يومية.

ويشير أبو عمار، وهو معلم متقاعد، إلى أن الوضع الاقتصادي السيء للناس، وعدم وجود مداخيل اقتصادية ثابتة، دفع المواطنين إلى استخدام كل ما هو متاح في حياتهم اليومية، فلم يعد مستغرباً أي شيء في هذه الظروف، لافتاً إلى أن المواطن السوري عاد خلال الثورة التي أحرقت الأخضر واليابس إلى استخدام الأشياء البدائية، التي كانت معروفة في الحياة اليومية للآباء والأجداد في خمسينيات القرن الماضي، دون التوقف عند بعض أضرارها، لأنها أصبحت من متطلبات حياة المواطنين الأساسية، بسبب عدم وجود بديل عنها.

وأضاف أن الموقدة ومدفأة الحطب عادتا للظهور خلال الثورة بعد أن كادتا تصبحان من التراث المادي  المنقرض، وأصبحتا من الأدوات الأساسية والضرورية صيفاً وشتاءً، لبعض الأسر، وذلك بسبب الحاجة لخدماتهما في غياب الإمكانات المادية للمواطنين، وعدم قدرة الأسر على شراء المشتقات النفطية، وارتفاع أسعار الحطب، لافتاً إلى أن الموقدة ومدفأة الحطب تستوعبان كل ما هو قابل للاشتعال، كبقايا العجلات الكاوتشوكية والصناديق والعبوات البلاستيكية والأقمشة البالية ومخلفات الحيوانات، بعد أن يتم تجفيفها.

وتشير أم رائد، وهي سيدة خمسينية، أنها عادت إلى استخدام "الجلة" كوقود هذا العام، بسبب ارتفاع أسعار الحطب، وعدم توفر المشتقات النفطية في منطقتها، لافتة إلى أنها بدأت بتجميع مخلفات الحيوانات منذ الصيف وصنعت منها أقراص "الجلة" بعد أن مزجتها بمادة التبن وقامت بتجفيفها لفترة طويلة تحت أشعة الشمس.

وأضافت أنها لم تكن تعرف ذلك في السابق، لكنها سألت الكبيرات في السن، واستفادت من إرشاداتهن وخبرتهن في آلية  صنع الجلة، مشيرة إلى أنها استطاعت تأمين هذه المادة للطهي والتدفئة خلال فصل الشتاء، ووفرت ما لا يقل عن مئة ألف ليرة سورية، كانت ستضطر إلى استدانتها فيما لو اشترت حطباً أو مازوت.

من جهته، أشار قاسم، صاحب محل تجاري، إلى أن الوضع في ريف درعا المحرر يبقى أفضل بكثير مقارنة بأقصى غرب درعا، لاسيما في مناطق سيطرة جيش "خالد بن الوليد" المتهم بمبايعة تنظيم الدولة، حيث لا يوجد هناك أي مصدر من مصادر الطاقة، فالأخشاب في وادي اليرموك تم تحطيبها، والحراج الاصطناعية لم تعد فيها أشجار بعد أن باعها ضباط النظام قبل خروجهم من المنطقة، وأكمل الأهالي على ما تبقى منها خلال السنوات الماضية، إضافة إلى أن المنطقة محرومة من دخول المازوت بكميات كبيرة، وفقاً لقرارات مفروضة عليها بهذا الخصوص.

وأضاف أن أسعار المازوت المهرب في المنطقة تتجاوز قدرات المواطنين فيما لو تم استخدام المادة في التدفئة، إذ يصل سعر الليتر إلى نحو 450 ليرة سورية، أي أن سعر البرميل يتجاوز الـ 100 ألف ليرة سورية، وهو لا يكفي لأكثر من شهر، هذا يعني أن أي أسرة تحتاج إلى نحو 200 ألف ليرة سورية على الأقل خلال الشتاء.

وقال إن الغاز أيضاً مرتفع السعر، حيث يصل سعر الاسطوانة إلى نحو 6500 ليرة سورية، وإن استخدمت بالتدفئة فهي لا تكفي خمسة أيام، داعياً باسم أهالي المنطقة الغربية، الجهات التي تمنع إدخال المشتقات النفطية إلى إيجاد آلية معينة يسمح من خلالها بإدخال هذه المادة حصراً للمواطنين في المنطقة، وبأسعار محددة.

ويشير أبو قصي، وهو تاجر حطب، إلى أن طن الحطب في المناطق المحررة ارتفع هذا العام بشكل كبير، بالمقارنة مع العام الماضي، وذلك بسبب نقص الكميات ونقص مصادر هذه المادة التي تم استهلاكها بشكل كبير خلال الأعوام الماضية من الأودية والحراج، لافتاً إلى أن المواطنين بدأوا بتحطيب الأشجار في حدائق المنازل، وبعض الأشجار المثمرة كأشجار الزيتون، لاستخدامها في الطهي والتدفئة هذا الشتاء. 

وأضاف أن سعر طن حطب "الملول" /نوع من الخشب/ يصل إلى نحو 75 ألف ليرة سورية، فيما وصل سعر طن حطب الزيتون إلى نحو 50 ألف ليرة سورية، والكينا إلى 40 ألف ليرة سورية، لافتاً إلى أن هذه الأسعار مؤقتة وأنها سترتفع خلال الفترة القادمة مع حلول البرد الشديد، كون الكميات قليلة، وهي من العام الماضي.

وقال إذا استمرت الأوضاع على هذا الحال فإن المواطن في المناطق المحررة، لن يجد ما يوقده في الشتاء  وسيعمد الأهالي إلى قطع ما تبقى من الأشجار المثمرة لاستخدامها كوقود.

ترك تعليق

التعليق