"البرد" يهدد الغوطة الشرقية من جديد.. وآخر مصادر الدفء تكاد تنفد


 مع اقتراب فصل الشتاء وتجدد مأساة السوريين للعام السادس على التوالي, لا مفر لدى أهالي الغوطة الشرقية من مواجهة شتاء قارس كسابقه خلال السنوات الخمس.

 "أبو محمود"، رجل خمسيني يعيش مع عائلته في منزل يكاد يفتقر لأدنى متطلبات العيش, يقول "أبو محمود"، أنه عندما قصفت طائرات النظام السوري منزله لم يتبقى له ولزوجته وأطفاله الأربعة مكان يؤيهم من حر الصيف وبرودة الشتاء، فاضطر للسكن في منزل على أطراف مدينة دوما مع القليل من الحرامات (التي سلمت من القصف) بالإضافة إلى بعض الفرش والحاجيات الأخرى.

 لا متسع مادي لدى "أبو محمود" من أجل شراء الحطب أو المازوت للتدفئة الشتوية, فبعد سؤالنا له عن قضية التدفئة في فصل الشتاء كان جوابه (بعيون أنهكتها الدموع) أن لا طاقة له لشراء الحطب لأن سعر الكيلو الغرام الواحد تجاوز 120 ليرة سورية, بالإضافة إلى ارتفاع سعر المازوت الذي وصل إلى 550 ليرة سورية لليتر الواحد.

 وحسب ما هو متاح من مواد للتدفئة في الغوطة الشرقية، فإن مادتي الحطب والمازوت هما المادتان الوحيدتان اللتان كانتا تستخدمان لدى أهالي الغوطة الشرقية.

 والآن نتيجة الوضع المادي السيئ للسواد الأعظم من العوائل فإن الطلب على مادة المازوت في التدفئة قد انعدم.

 التقينا بـ "عمر"، أحد تجار الحطب في الغوطة الشرقية، وأفاد لموقع "اقتصاد" بأن مادة الحطب التي يتم جلبها من المناطق الزراعية قد شارفت على النفاذ من المزارع وذلك بعد خمس سنوات من استخدامها من قبل الأهالي.

 فعندما درج استخدام الحطب (كمادة بديلة عن الغاز للطبخ والمازوت للتدفئة) كان وقتها سعر الكيلو الواحد من الحطب الممتاز (اليابس) لا يتجاوز 45 ليرة سورية, و"كنا نقوم بتأمينه من عدة مصادر أهمها الفلاحون الذين يقومون ببيعنا الأشجار ونحن نقوم بقصها وتحطيبها وبيعها جاهزة للاستخدام, وهناك مصادر أخرى نقوم بتأمين الحطب من خلالها وهي أن بعض الناس يبيعوننا الأثاث القديم المهترئ لهم (كغرف النوم وأطقم الكنبايات) فضلاً عن شرائنا في بعض الأحيان للأسقف الخشبية القديمة (عواميد) لنقوم بقص جميع هذه الأنواع التي ذكرتها سابقاً وبيعها جاهزة للاستخدام".

ويستطرد تاجر الحطب "عمر": "اليوم، بعد خمس سنوات من هذا الاستهلاك تكاد جميع مصادر الخشب تنفذ ويصبح سعره ثلاثة أضعاف عما بدأنا به قبل سنوات".

 وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها أهالي الغوطة الشرقية، تكاد طريقة الدفئة باستخدام المازوت أو الكهرباء تصبح معدومة أو شبه نادرة نظراً لغلاء سعر المازوت. ولم يتسنى لنا إيجاد إحدى العائلات التي تتدفأ بإحدى هاتين الطريقتين.

 "أبو عماد"، أحد بائعي المازوت الذي يملك "بسطة صغيرة" في الغوطة الشرقية، أكد لنا أنه لا أحد من العوائل يقوم باستخدام المازوت للتدفئة وأنه لم يكن شاهداً على أي شخص قام بشراء كمية من المازوت بغية التدفئة لا في هذا العام ولا في الأعوام الماضية.

 وأشار "أبو عماد" إلى أن ارتفاع أسعار المازوت لدرجة جنونية هي السبب الذي يجعل العوائل يحجمون عن شراء المازوت من أجل التدفئة به, إذ أن سعر الليتر الواحد وصل في بعض الأحيان إلى 600 ليرة سورية وتحتاج الأسرة بشكل وسطي إلى 3 ليتر يومياً مما قد يجعل الأسرة داخل الغوطة الشرقية تدفع حوالي 1800 ليرة سورية في اليوم الواحد وهذا ثمن باهظ جداً لا يستطيع سوى أقل من 5% من العوائل دفعه بحسب "أبو عماد".

 ومن خلال رصدنا لمعاناة المدنيين التقينا بـ "فراس المرحوم" مدير مكتب هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية في الغوطة الشرقية (IHR)، للوقوف على حقيقة دور منظمات العمل المدني في إغاثة السوريين في الداخل السوري ولا سيما مع اقتراب فصل الشتاء وازدياد المأساة.

 وأكد "فراس المرحوم" لموقع "اقتصاد" أن العديد من منظمات العمل المدني تقوم بتحمل المسؤولية (الأخلاقية على الأقل) تجاه ذلك, إذ أن هناك عدة مشاريع قامت هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية في الغوطة الشرقية بتنفيذها وكان أولها مشروع "دفا وعفا" الذي تم تنفيذه شتاء العام الماضي والذي يهدف إلى تغطية أكثر من 600 عائلة بمادة الحطب للعوائل الأشد فقراً، حيث كان نصيب كل عائلة 360 كغ من الحطب على مرحلتين, يأتي بعده (وبحسب المرحوم) مشروع "دفا القلوب" ليتم استهداف حوالي 250 عائلة نازحة من منطقة المرج الأشد فقراً, فقد تم توزيع حوالي 120 ليتر مازوت بالإضافة إلى 4 بيجامات شتوية للأطفال لكل عائلة من العوائل النازحة.

(توزيع الحطب في الغوطة الشرقية خلال العام الماضي)

 وكشف "المرحوم" عن العديد من المشاريع الشتوية التي يتم الإعداد لها من قبل الهيئة وباقي المؤسسات الإغاثية ومنظمات العمل المدني, والتي ستستهدف عدد أكبر من العوائل التي تم تغطيتها في العام الماضي وذلك نظراً لزيادة حالات النزوح من المناطق الساخنة في الغوطة الشرقية.

 ونوّه "المرحوم" إلى أن الاحتياجات الأساسية بالنسبة لأهالي الغوطة أكبر بكثير من قدرة المؤسسات, لذلك لابد من بذل المزيد من الجهود من قبل الجهات المانحة من أجل رفع معاناة الناس الذين عانوا ومازالوا يعانون أصعب ظروف الحياة قساوة.

 وفي ظل هذه الصعوبات المتجددة كل عام، يأتي شتاء هذا العام على السوريين في الداخل ليضفي نوعاً آخر من أنواع المآسي التي يعيشها أبناء الداخل ليواجهوا شتاءً قارساً دون أدنى مقومات التدفئة, وليعيشوا بين سندان البرد ومطرقة الفقر.

ترك تعليق

التعليق