ملامح من معركة النظام مع "التعليم" في درعا
- بواسطة خاص - اقتصاد --
- 09 تشرين الثاني 2016 --
- 0 تعليقات
يذهب "أحمد"، التلميذ في الصف السادس من مرحلة التعليم الأساسي، إلى مدرسته صباح كل يوم، لكنه سرعان ما يعود إلى منزله بعد أقل من ساعة على ذهابه، وعند سؤاله عن سبب عودته المبكرة، يقول دائماً "لا يوجد معلمين". كلام أحمد هذا أكدته "عهد"، الطالبة في نفس الصف ولكن في مدرسة أخرى. أحمد وعهد، هما نموذج واحد لطلبة المدارس في العديد من المناطق المحررة في محافظة درعا.
ويقول "أبو فراس"، المعلم المتقاعد، "على الرغم من مرور نحو أكثر من شهر ونصف على ابتداء العام الدراسي، إلا أن العملية التدريسية لم تنتظم بعد، وذلك نتيجة نقص مستلزمات العملية التربوية، وفي مقدمتها الكوادر التدريسية والكتب المدرسية".
وأضاف أن الكثير من المدارس التابعة للنظام في المناطق المحررة في محافظة درعا، تعاني من نقص كبير في الكوادر التدريسية، ولا سيما في صفوف المدرسين المختصين، وذلك نتيجة قيام سلطات النظام باعتقال عدد كبير منهم على مدار السنوات الخمس الماضية، وهجرة البعض إلى دول الجوار بسبب الملاحقات الأمنية، يضاف إلى ذلك انتقال عدد من المعلمين والمدرسين إلى المناطق الخاضعة لسلطة النظام، وذلك لتحاشي المرور عبر الحواجز الأمنية خشية تعرضهم للاعتقال، لاسيما وأن نهاية كل شهر، تشكل كابوساً لكل موظفي محافظة درعا، الذين يستلمون رواتبهم من مركز مدينة درعا، الأمر الذي يشكل فرصة ثمينة للأجهزة الأمنية لإلقاء القبض على أعداد جديدة من العاملين في الدولة، ممن أُلصقت بهم تهم جديدة، وفقاً لتقارير أمنية بحقهم."
من جهته، يقول "غسان"، وهو مدرس رياضيات سابق تم فصله مؤخراً، "كنت على مدار السنوات الخمس من عمر الثورة، أمارس عملي كمدرس دون أية مشاكل، وكنت كل شهر أذهب إلى درعا لاستلام راتبي دون أن يعترضني أحد، لكن في الشهر السادس من العام الماضي تم اعتقالي على أحد الحواجز في مدينة درعا، وأثناء التحقيقات معي في فرع الأمن العسكري، وُجهت لي تهمة العمل الإعلامي لصالح أحد الألوية في المعارضة، رغم أنني لا أعرف من الإعلام إلا اسمه، وبناء على هذه التهمة تم اعتقالي لأكثر من خمسة أشهر، ومن ثم أُطلق سراحي بعد دفع مبالغ كبيرة لأحد الضباط، إذ اضطر أهلي إلى بيع كل ما أملك لإطلاق سراحي".
وأضاف: "خرجت من المعتقل و(السماء والطارق) كما يقولون، وعائلتي المكونة من ستة أفراد لا تملك ثمن ربطة خبز، وبدأت العمل من نقطة الصفر، إذ عملت بائع بنزين، وبائع بسطة، وأعطي دروساً خصوصية لبعض الراغبين الميسورين من الطلاب"، لافتاً إلى أن معظم المدارس في منطقته تحتاج إلى مدرسي رياضيات، ورغم ذلك لا أحد يهتم لحاجة الطلاب ومستقبلهم التعليمي، حسب وصفه.
من جهته، أكد "محمد"، وهو مدير مدرسة تابعة للائتلاف، أن المدارس الحكومية ومدارس الائتلاف تعاني من نقص كبير في الكوادر التعليمية والتخصصية، كاللغة العربية والإنكليزية والرياضيات والفيزياء، لافتاً إلى أن مدارس الائتلاف تستعين ببعض طلاب الجامعات من الاختصاصات المختلفة لتعليم الطلاب بهدف عدم إضاعة فرص التعليم عليهم قدر الإمكان، حيث يقوم هؤلاء بإعطاء بعض الدروس مجاناً بهدف مساعدة الطلاب الذين فقدوا الكثير من الدروس في المراحل المختلفة، بسبب ظروف الحرب، حسب وصفه.
وأضاف أن "الوضع في المدارس الحكومية ليس بأفضل حال، رغم مرور كل هذا الوقت على بداية العام الدراسي، إذ مازال هناك نقص كبير في الكادر التدريسي، وقد يستمر إلى نهاية العام"، لافتاً إلى أن مؤسسات النظام باتت في السنوات الأخيرة تعمد إلى تهميش التعليم في المناطق الخارجة عن سيطرتها بصورة متعمدة، وترفض تقديم أية مساعدات أو تجهيزات بحجة أنها تقع تحت سيطرة مجموعات إرهابية، تجيّر كل ما تقدمه مؤسسات النظام لصالحها، ضاربة عرض الحائط بمستقبل الجيل، كما تدعي ذلك مؤسسات النظام.
وأردف "محمد" بأن سلوك النظام بالتعامل مع المدارس في مناطق سيطرة المعارضة واضح وجلي، ويتمثل في منع وصول أية مستلزمات عدا بعض الكتب المقررة، أما باقي المستلزمات كوسائل التدفئة والمعونات المادية الخاصة بترميم المدارس والمقاعد ووسائل الإيضاح والحواسيب، فكل المدارس في المناطق المحررة محرومة منها، ومنذ سنوات، تحت حجج ومبررات واهية.
من جهته، أكد "نورس"، وهو معلم لغة إنكليزية مفصول من عمله بعد اعتقاله، أن "سلطات النظام تحاول القضاء على الجيل بإبعاده عن التعليم من خلال سحب كل المقومات الكفيلة بذلك، وتحميل المسؤولية في ذلك للثوار"، لافتاً إلى أن النظام يتبع في ذلك سياسة ممنهجة، تقوم على القصف المتعمد للمدارس، وعدم ترميم القائم منها، إضافة إلى فصل الكوادر التعليمية وملاحقتها، وعدم تقديم مستلزمات العملية التربوية، كل ذلك يأتي في ظل عجز كامل لمنظمات المجتمع المدني وللمنظمات الدولية صاحبة الشأن، عن تقديم أي شيء ملموس للمدارس وللطلاب، هذا إذا ما استثنينا بعض المبادرات هنا وهناك، والتي غالباً ما تكون غير كافية لتغطية جزء يسير من احتياجات الطلاب المنقطعين عن المدارس.
ويقول "أبو قيس"، وهو أب لثلاثة أولاد أكبرهم في الصف الثاني الثانوي، "أشعر بندم كبير لأنني لم أخرج من سوريا، عندما كان الأمر متاحاً".
وأضاف: "كنت أتوقع أن الأزمة ستنتهي قريباً، لكن الأمور لا تشي بذلك"، لافتاً إلى أن السنوات تمضي بسرعة ومستقبل أبنائه المعروفين بذكائهم، يضيع أمام عينيه، دون أن يستطيع فعل شي".
وقال: "بسبب ملاحقتي من قبل الأجهزة الأمنية، لا أستطيع أن أرسل أولادي إلى مناطق النظام، لتقديم الامتحانات عبر مؤسسات النظام التعليمية، ما اضطرني إلى إرسالهم لمدارس الائتلاف، التي يبدو لا مستقبل لها".
ولفت إلى أن "النظام يحاول تيئيس الناس لصرف أولادهم عن التعليم، من خلال الضغوط الكبيرة التي يمارسها على الأهالي، سواء من خلال القصف المستمر للمدارس، أو من خلال الملاحقات لكل الناس في المناطق المحررة"، لافتاً إلى أن آلاف الأطفال تركوا مدارسهم، وفضلوا التحول إلى سوق العمل، بسبب ضبابية المستقبل، والحاجة إلى البحث عن لقمة العيش.
التعليق