قصف النظام ورشته في داريا.. ليواجه "قصف" المنافسة الصينية والهندية في الأردن


بعد أن قصف النظام ورشته في داريا، وحطّم معظم آلياته، عاد "ف، ف"، موظفاً في الشركة التي بدأ فيها مشواره المهني، لكن هذه المرة في الأردن، ليتعرض هناك، لـ "قصف" المنافسة، من البضائع الصينية والهندية.

يروي "ف، ف"، قصته لـ "اقتصاد"، ويحكي لنا عن ظروف الصناعة السورية في الأردن، وتهديد المنافسة الصينية والهندية، لكنه يتحفظ على ذكر اسمه الحقيقي.

هو أحد الصناعيين الشباب، من المستوى المتوسط، خاض غمار الصناعة، وأحبها فمنحها عقله ووقته, إذ توجه للتعليم المهني الذي كان مهملاً ومذموماً إلى حدٍ ما في سوريا، فدخله عن رغبة, وبعد البكالوريا الصناعية التحق بدورة تأهيلية في معهد الصناعات التطبيقية، مجال صناعة القوالب، في أحد معاهد دمشق.

بدأ عمله في مجال صناعة آلات التعبئة والتغليف وخطوط الإنتاج لمعامل الأدوية والأغذية مع شركة رائدة في هذا المجال في أطراف العاصمة دمشق، لمدة تزيد عن 20 عاماً، حصّل خلالها خبرات كبيرة ومهمة، خولته التفكير بالاستقلال، وافتتاح مشروعه الخاص في بداية عام 2011. وفعلاً بدأ العمل بورشة صغيرة في داريا.

كانت الانطلاقة ممتازة ومبشرة بالخير, بالإضافة إلى إقبال وتشجيع من رجال أعمال وصناعيين معروفين, فتسارعت وتيرة تطور العمل، وتم حصر العمل بمجال تصنيع خطوط معامل الأغذية التي كانت الأكثر رواجاً في سوريا.

لم يجرؤ "ف، ف" على التقدم بترخيص ورشته، فقد كان يعمل في الظل، لأن الجميع يعرف في سوريا معنى ذلك, ببساطة شديدة لن تتوقف المضايقات وطلب الرشاوي للحصول على ترخيص حتى كان بعض الصناعيين الكبار مضطراً في بعض الأحيان لدفع مبالغ شهرية للنظام أو مشاركة أحد مرتزقته، على حد وصف المصدر.

مع الوقت، وتوسع نطاق الثورة إلى داريا، وضغط النظام وتضييقه على أهل داريا ومحاصرتهم، اضطر "ف، ف" إلى مغادرة المدينة وإغلاق الورشة.

 تطورت الأمور بسرعة كبيرة، وقصف النظام داريا، وكان لورشة "ف، ف" نصيبها من الدمار. بعد ذلك بفترة استطاع الدخول إلى داريا لإخراج ما تبقى من آلات صالحة، وذلك بعد دفع مبالغ طائلة لمرتزقة النظام.

بعد ذلك تم التضييق عليه وعلى الصناعيين الذين وقفوا مع الثورة وتم اعتقال بعضهم بتهمة تصنيع متفجرات وعبوات ناسفة وقذائف للجيش الحر, مما شكل خطراً عليه، فغادر سوريا إلى الأردن وعاد للعمل بنفس الشركة التي كان يعمل بها في دمشق، فقد افتتحت فرعاً في الأردن.

لكن كيف تعامل "ف، ف"، وغيره من الصناعيين السوريين، اللاجئين إلى الأردن، مع السوق هناك؟

يخبرنا "ف ، ف"، أن الصناعيين السوريين بشكل عام، والشركة التي يعمل فيها، بشكل خاص، كان لهم باع طويل في العمل مع الصناعيين الأردنيين وتصدير خطوط الإنتاج لهم، ولديهم زبائنهم منذ ما قبل الثورة، مما سهّل عليهم العمل والانخراط في الجو الصناعي.

ويخبرنا "ف، ف"، أن صناعيين مهمين أتوا من دمشق إلى الأردن، وهم أكثر من أن يتم إحصاؤهم.

ويشير المصدر إلى أن أهم الصعوبات التي واجهت الشركة التي يعمل فيها، في مجال تصنيع خطوط إنتاج معامل الأغذية والأدوية، هي تضاعف أسعار المواد الخام بشكل كبير، وهذا أدى الى ارتفاع سعر المنتج أضعافاً كثيرة, وذلك أفقدهم القدرة على منافسة الصين والهند في مجال تصنيع الآلات وخطوط الإنتاج, فتوجهوا لأعمال الصيانة.

أما النقطة التي ميّزتهم كشركة صناعية، هي خدمة الصيانة بعد البيع لمنتجاتهم وآلاتهم مع ربح بسيط، لذلك أبقت بعض الشركات والمصانع على التعامل معهم.

ويوضح "ف، ف"، أنه في حال استيراد الآلات لمصنعك من الصين، ستكون الصيانة مُكلفة، وعلى حساب مصنعك، أما إن اشتريت الآلات من شركة محلية، فستوفر أجرة الصيانة، لأنها ستكون مكفولة.

مع كل ذلك فالشركة التي يعمل فيها "ف، ف"، لم تحقق الأرباح المرجوة من العمل، وهي بالكاد تستطيع تغطية رواتب موظفيها ونفقاتهم, فالسوق الصناعي هنا مزدهر فقط لمن يعمل في مجال إنتاج الأغذية، كمعمل الدرة، الذي انتقل من سوريا إلى الأردن، وغيره من المعامل التي تعمل في هذا المجال، حسب وصف المصدر.

يختم "ف ، ف" حديثه بأن الصناعة السورية ما زالت رقماً صعباً تنقصها التسهيلات اللازمة من جانب السلطات الأردنية، من أجل الاستمرار، وإلا فسوف تتوجه إلى بلدان أخرى, ناهيك عن ضعف السوق الصناعي فيما يخص منتجي خطوط الإنتاج للمعامل.

كانت مصادر رسمية أردنية ذكرت بأن غياب التسهيلات والحوافز، يطرد الاستثمار الصناعي السوري من الأردن، إذ لم يستقر من الفئتين الصغيرة والمتوسطة من هؤلاء الصناعيين في الأردن سوى 3 في المائة، بينما تعد تركيا ومصر وجهتان رئيسيتان بنسبة 70 في المائة و25 في المائة.

وحسب تصريح لمسؤولي رسمي، نقلته وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، مؤخراً، فإن الصناعة السورية في الأردن تتركز في غالبيتها بالجانب الغذائي وهي تصديرية بامتياز وبنسبة تتجاوز 90 بالمئة.

ترك تعليق

التعليق