الخمر والميسر وبيوت اللهو.. كيف يتعامل معها السوريون في أوروبا..؟


يعتقد ("محمد" - اسم مستعار)، اللاجئ في فرنسا، أنه تناول بشكل غير مباشر، ما يعادل خنزيراً بأكمله، كما أنه أكل كمية لا بأس بها من اللحوم غير الحلال، وشرب دون أن يدري، على الأقل زجاجتي خمر، ولعب القمار عندما دعاه صديقه أول مرة لتجريب حظه، ودخن الحشيش من باب الفضول، وحدق ملياً في مشاهد العري في الشارع وفي الحدائق وعلى ضفاف الأنهار دون أن يسيطر على نفسه..

 ويتابع "محمد" أنه فعل كل هذه الأشياء بينما لم يمض على إقامته في فرنسا أكثر من عامين وهو يقول عن نفسه أنه من عائلة محافظة ويحاول أن يراجع الكثير من سلوكياته التي يشتبه بها.. فما هو حال باقي الشباب السوري في أوروبا..؟
 
عالم سري مكشوف

ليس من السهل أن يتجنب المرء الموبقات في أوروبا، فهو إن لم يتقصد فعلها، فإنه حقاً يمارس بعضها  دون أن يدري أو مجبراً..

 فلحم الخنزير أو شحمه وكذلك الخمور، تدخل في صناعة العديد من أنواع الشوكولا والحلويات والمعجنات، والتي قد يأكلها المرء دون أن يعرف مكوناتها..

 ومشاهد العري ومن يمارسون طقوس الحب في الأماكن العامة أيضاً هي كثيرة، لكن بعد فترة يعتاد عليها الإنسان ..

ويبقى الأخطر من كل ذلك هو لعب القمار وبيوت اللهو والحشيش والمخدرات، فهي يكاد لا يخلو شارع من وجودها، ومغرياتها كثيرة، والتورط بها لا يحتاج لأكثر من تجربة بسيطة.. فكيف يتعامل معها السوريون الذين جاؤوا حديثاً إلى أوروبا..؟

الشباب السوري والوعي
 
أغلب العائلات السورية التي قدمت إلى أوروبا يسيطر عليها بعد فترة هاجس تربية أولادها الصغار وتنشئتهم بعيداً عن التورط والانزلاق في مفاسد الحياة هنا..

وأما من أتى ولديه أولاد بعمر الشباب أو المراهقة، فهؤلاء أمام مشكلة حقيقية، وخصوصاً أنهم في كثير من الأحيان لا يملكون الأدوات لمواجهتها.. فإما أن يدخلوا في مواجهة عنيفة مع أبنائهم وإما أن يستخدموا أسلوباً أخلاقياً في التربية يزيد من مستوى الوعي لدى الشاب أو الفتاة التي سوف تصدمها بلا شك مشاهد الانفتاح الأوروبي..
 
يقول "أبو عادل"، أنه قبل أن يأتي إلى فرنسا قبل نحو ثلاث سنوات، فكر ملياً بواقع أولاده الثلاثة، الذين تجاوزوا جميعهم الـ 18 عاماً.. ولا يخفي أنه دخل في الأشهر الأولى في حالة صراع وخوف من أن ينزلق أبنائه في أحد الطرق السوداء.. لكنه يرى من جهة ثانية، أن التربية في البيئة الأساسية هي التي تحدد مستقبل ابنك في أوروبا والطريق الذي سيسلكه..

 ويتابع: "عموماً، الشباب السوري أكثر وعياً من غيره.. ومن أتى كبيراً إلى هنا وتربى بشكل صحيح لا خوف على الأغلب عليه.. أما المشكلة فهي بمن أتى طفلاً ونشأ وكبر هنا"..
 
أما ابنه، علي، والذي يبلغ من العمر 21 عاماً، فيرى أنه كشاب تغريه كثيراً الحياة المنفتحة في أوروبا، وأنه كثيراً ما كان يسأل نفسه، ما الذي ينقصه لكي يكون لديه صديقة أوروبية جميلة ويعيش معها ويقبلها في الشارع ويرتاد معها أماكن السهر واللهو..؟

يجيب علي: "سرعان ما أتراجع عن الفكرة، عندما أتذكر أنه لدي أخت عمرها 18 عاماً".. ويتابع: "لكي أقبل هذا الشيء على نفسي، يجب أن أقبله على أختي.. وهو أمر لا أرغب حتى بتخيله..!!".

أحمد، شاب سوري آخر يعيش في فرنسا التي قدم إليها لوحده منذ عامين، وهو الآن بعمر الـ 20 عاماً.. وهو يرى أنه لا يشعر بالضغط تجاه أن يعيش حياته بحرية بعيداً عن رقابة الأهل والمجتمع في سوريا..

 ويضيف أنه ليس لديه مانع من أن يجرب كل شيء، وهو يعتقد أن لديه سيطرة على نفسه لأن يتوقف في الوقت الذي يريد ويغير اتجاه حياته نحو ما هو مفيد له ولمستقبله في هذه البلاد..
 
شاب سوري آخر، كان حاضراً في نقاشي مع أحمد، يرى أن مقارنة الشباب السوري بالشباب المغاربي الذين يعيشون في أوروبا هي مسألة خاطئة.. وبحسب قوله أنه مهما بلغ الشاب السوري من الفسوق والمبالغة في اللهو، لا يمكن أن يمارس ما يمارسه الشباب المغاربي الذين يتورط كثير منهم بتعاطي الحشيش والمخدرات والمتاجرة بهما، بالإضافة إلى أن الكثير من بيوت الدعارة تعج بهم.. ويعتقد أن السبب يعود إلى التربية في المنزل بالدرجة الأولى.. فمن تربى على قيم معينة، مهما ابتعد عنها، لا بد أن يعود إليها وتكون رادعاً له في النهاية..

رأي مختص

يتساءل الصحفي والكاتب والأديب الليبي، فتحي نصيب، في معرض إجابته على تساؤلاتنا، عن واقع الشاب أو الفتاة المراهقة التي تأتي إلى أوروبا، وكيفية تجنيبهما التورط في مفاسد الحياة الأوروبية من مخدرات وحشيش ومنزلقات أخرى، يتساءل: "هل تعتقد أنه من الممكن أن تعيش في مجتمع منفتح ع الآخر ويمكن تجنيب المراهقين من الانغماس فيه..؟.. أنا أو أنت لو جئنا إلى هنا في عمر العشرينيات لسرنا مع التيار".

ويتابع نصيب: "أعني من الكلام السابق أنه لا يمكن التحكم في الأولاد تحكماً تاماً.. المدرسة والشارع والنادي والرفاق والنت والفضائيات لا يمكن للوالدين التحكم بهم مهما بلغ الحرص والعناية، لكن هناك فرق بين من يأتي إلى أوروبا وهو لديه بعض القيم والتربية والثقافة وبين من فتح عينيه وترعرع هنا".

ويوضح: "لاحظ أنه في مجتمعاتنا أيام زمان، كان في البيت تلفزيون واحد تتفرج عليه كل العائلة.. الآن لدى الصبية المراهقة تلفزيون بغرفتها به 10 آلاف قناة، ولديها نت مفتوح على كل المواقع من المتطرفة إلى الإباحية.. ولديها آي باد خاص بها وكذلك الشاب.. وظروف الحياة أجبرت الأب أن يعمل من الصباح للمساء وكذلك الأم، ولا يرون أولادهم في نفس البيت إلا 5 دقائق في اليوم.".
 
ويستطرد نصيب: "مع تردي حال التعليم، حيث لم تعد المدرسة كما سبق ولا وجود لأندية ثقافية أو اجتماعية بل كرة القدم فقط، فإننا في النتيجة حتى في بلداننا انتشرت كل أنواع تخريب العقل والروح معاً، فما بالك في مجتمعات مفتوحة والقوانين تجبرك على عدم مخاطبة أولادك حتى بصوت عال".. يتساءل نصيب..؟
 
وعن الحل من وجهة نظر نصيب، يرى أننا مجبورون على دفع الثمن في كلتا الحالتين، إما الموت السريع في بلداننا أو الموت البطيء هنا.. ويختم: "أنا شخصياً ما علي سوى مناقشة أولادي ومحاولة إقناعهم بالدخول في أنشطة لاستهلاك طاقتهم بشكل إيجابي.. أما ما يقررونه هم فهو متروك لهم..".


ترك تعليق

التعليق