المشاريع الصغيرة.. كيف يمكن أن تُنعش "الاقتصاد الغوطاني"؟


"أبو عمر" (وهو أحد سكان مدينة دوما الحاصلين على منحة المشروع الصغير)، يأتي كل صباح برفقة ابنه "عمر" ليقوم بسقاية أرضه التي قام بزراعتها, بالباذنجان والذرة والكوسا وغيرها من المحاصيل الصيفية، والتي تعد من أبرز المواد الغذائية للسكان في الغوطة الشرقية.


 يقول "أبو عمر" أنه ليس قادراً على تحمل الأعباء المادية في زراعة الأرض, فمن يعمل بمجال الزراعة يدرك تماماً أنه لحين قطاف المحصول سوف ينفق الكثير من الأموال التي لا طاقة له مادياً في تحملها, وأنه لولا حصوله على المنحة من إحدى المؤسسات في الغوطة الشرقية، لما استطاع زراعة أرضه والاستمرار في العمل وبيع المحاصيل في السوق لتوفير الاحتياجات الأساسية له ولعائلته، فضلاً عن استصلاح أرضه التي عانت من الجفاف ما عانته مدة تزيد عن 4 سنوات نتيجة الوضع المادي السيء.

 وأشار "أبو عمر" إلى أنه، بعد حصوله على المنحة، أصبح يمتلك رأسمال صغير يستطيع من خلاله تشغيل هذا المشروع وتنميته حتى يصبح قادراً على العمل في أصعب الظروف الاقتصادية، ويأمل أن تتوسع مثل هذه المشاريع لتشمل عدداً أكبر من العوائل التي تعاني ظروف معيشية صعبة كعائلته.

 ومما لا شك فيه أن ما تعانيه الغوطة الشرقية من تبعاتٍ للحصار أكبر بكثير مما يتم تقديمه من أجل مكافحة هذا الحصار من النواحي الاقتصادية، إذ يوجد في الغوطة الشرقية ما يزيد عن 125 ألف عائلة بحسب "منار أبو محمد" المدير التنفيذي لإدارة تنسيق العمل الإغاثي في الغوطة الشرقية, معظم هؤلاء العوائل تحت خط الفقر ويحتاجون إلى تدخل سريع من أجل تحقيق أفضل استجابة إنسانية.

 وأشار "منار" إلى أن هناك إحصائيات حول البطالة والفقر داخل الغوطة استطاعوا الوصول إليها من خلال عمل قسم الدراسات والإحصاء التابع للهيئة لمدة تزيد عن ثلاثة أعوام, حيث تم تقسيم هذه الإحصائيات وفق بيانات موثقة على الشكل التالي:



وبناء على ما سبق، لو طُرِحت المشاريع الصغيرة بأعداد قليلة فإن نسبة البطالة في الغوطة لن تنخفض, لذلك يجب أن تُطرح فكرة المشاريع الصغيرة بقوة وبتوزيع جغرافي عادل يتناسب مع النسبة والتناسب في المدن حتى نستطيع القول أن نسبة الفقر ستنخفض.

 ولعل فكرة المشروع الصغير بتمويل من بعض المؤسسات ومنظمات العمل المدني هي من أهم الوسائل التي قد تساهم في تقليص ظاهرة البطالة والفقر في الغوطة، بحسب "منار".

 وإذا تحدثنا عن معظم ما يتم تقديمه للعوائل والسكان المحليين فإننا نجد أن المشاريع الصغيرة هي أحد أهم الأمور التي يتم تقديمها في الآونة الأخيرة كنوع من أنواع الإغاثة التي يتلقاها السوريون، والتي ستساهم في رفع مستوى المعيشة لدى الأشخاص المستفيدين من تلك المشاريع.

وبهذا الصدد، أكد لنا المهندس، مصطفى الطبجي، مدير مكتب "دارنا" في مدينة دوما، أنهم في أوائل العام الحالي بدؤوا العمل على طرح اكتتاب للمشاريع الصغيرة في المجال الزراعي، وقد نفذوا قسماً كبيراً من هذه المشاريع, وتقدم لهم الكثير من الفلاحين الذين لا طاقة لهم (من الناحية المادية) على زراعة الأراضي للاستفادة، من هذا العرض، حتى بلغ عدد المستفيدين 130 مستفيداً، بمساحة زراعية تزيد عن 350 دونماً، بمحصول شتوي (القمح والشعير)، ومحاصيل صيفية متنوعة.

وقدّم مكتب "دارنا" بحسب "الطبجي"، كامل الدعم المادي الذي يحتاجه الفلاح (من حراثة أراضي وثمن بذور وأسمدة وأدوية فضلاً عن المحروقات اللازمة للسقاية).

 ويتم سحب هذا الدعم بمجرد أن يصبح الفلاح قادراً على تأمين الدعم الذاتي. وبحسب "الطبجي" فإن هذا المشروع ساهم إلى حد ما في إنعاش "الاقتصاد الغوطاني"، وطرح مختلف المحاصيل الزراعية في الأسواق بأسعار مقبولة نسبياً للمستهلكين، على حد وصفه.

 وأردف "الطبجي" قائلاً: "هناك مساعي حثيثة من أجل مواصلة مثل هذا النوع من المشاريع ولكن على مستوى أكبر ليشمل أغلب الفلاحين الموجودين داخل الغوطة دون تمييز, وبالتالي يكون هذا المشروع هو بداية صغيرة للفلاح المستفيد من أجل إحياء أرضه الزراعية من جديد التي كانت طوال السنوات الخمس الماضية تعاني الجفاف والتصحر نتيجة فقدان الموارد اللازمة للزراعة".

 من جهته، أكد "غالب أمين"، أحد المتخصصين في الشؤون الاقتصادية بالغوطة الشرقية، في حديث لـ "اقتصاد"، أن للمشاريع الصغيرة دور محوري في تأمين مصادر إضافية للإنتاج ودعم قطاعات هامة، وصلت لحد الاندثار، كالقطاعات الزراعية والحيوانية، ولها دور محوري في محاربة الفقر والبطالة المتفشية بشكل كبير في الغوطة, كما تساهم بضخ المنتجات وتنوعها في الأسواق مما يزيد العرض ويخفض الأسعار، كما أنهات تلعب دوراً مهماً في تنمية خبرات الكفاءات التي تدير هذه المشاريع وتعزز طموحاتهم.

وأشار "أمين" إلى أن تدفق الأموال المرصودة لصالح هذه المشاريع وتداولها محلياً يساهم بدفع حركة الاقتصاد المحلي للغوطة بشكل إيجابي.

 وفي ظل ما يتم تقديمه حتى الآن، تبقى عجلة الاقتصاد والتنمية في الغوطة الشرقية في طور التعافي بظل وجود مثل تلك المشاريع التي تعتبر من أهم أسباب الصمود للعوائل التي أنهكتها رحى الحروب المستمرة منذ سنوات.

ترك تعليق

التعليق