إلى أين آلت الثروة الحيوانية في درعا؟


شكلت الثروة الحيوانية عبر تاريخها الطويل في محافظة درعا، مصدر دخل هام لشريحة واسعة من  المواطنين، إذ أمّن العمل في تربية الثروة الحيوانية وبالمهن المرافقة لها آلاف فرص العمل لأبناء المحافظة، لكن هذا القطاع وتزامناً مع سنوات الثورة السورية، بدأ يشهد تراجعاً كبيراً نتيجة الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد بسبب الحرب الدائرة ومنعكساتها السلبية على جميع أشكال الحياة ومجالاتها المختلفة. 

ويشير الحاج أبو نضال، 65 عاماً، إلى أن "المجتمع الحوراني بمعظمه مجتمع ريفي زراعي، كان في الماضي يعتمد على جهود مواطنيه في تأمين احتياجاته من الطعام والشراب، وذلك من خلال مصادر رزق أساسية، تتركز في غالبيتها على الاقتصاد الزراعي والثروة الحيوانية"، لافتاً إلى أن الأبقار والأغنام والماعز كانت تربى في كل منزل ريفي تقريباً للحصول على الحليب واللبن والصوف، فيما يباع الفائض من الإنتاج أو يقايض بمواد أساسية أخرى.

ويستذكر أبو نضال أن "المزارع أو الفلاح الحوراني، كان  قبل عشرات السنين يربي العديد من رؤوس الأغنام والأبقار، عندما كانت الثروة الحيوانية أحد مصادر الرزق الرئيسية، حيث تجد لدى الفلاح أو المزارع عدة رؤوس من  المواشي يستفيد منها إضافة إلى إنتاجها الغذائي في نقل المحاصيل الزراعية، وعمليات الجر والحراثة، وفي الأعمال الزراعية المختلفة".

 وأضاف أبو نضال أنه بعد التطور الحضاري الكبير وانتشار الآلة والتقانات الحديثة والمهن والوظائف، قل الاعتماد على الثروة الحيوانية، كما قل اهتمام المزارعين بها لتتحول إلى مهنة استثمارية تخصصية، يمارسها بعض الناس ممن لم تتوفر لهم فرص عمل أخرى، أو ممن تعود عليها وتوارثها عبر الأجيال، وخاصة في المناطق التي تقع على أطراف البادية والمناطق التي تتوفر فيها بشكل رئيسي المراعي ومتطلبات تربية الحيوان. 

من جهته، قال الطبيب البيطري، قاسم الحسن، إن محافظة درعا كانت ولازالت من المحافظات السورية التي  تعتمد على تربية الحيوان بشكل كبير، باعتبارها محافظة زراعية، تملك كل المقومات والظروف المناسبة لتربية الحيوان، لافتاً إلى أنها كانت  تضم قطيعاً كبيراً من رؤوس الأغنام والأبقار والخيول والجمال لكن العدد تناقص خلال فترة الثورة بشكل ملحوظ بسبب هجرة ونزوح الأهالي طلباً للأمان، وعدم قدرتهم على نقل قطعانهم إلى أماكن آمنة، وبسبب عدم  توفر المراعي نتيجة الأعمال العسكرية، حيث تحولت معظم المناطق الزراعية في المحافظة إلى ساحات حرب حقيقية، هذا فضلاً عن عمليات التهريب الكبيرة التي تعرضت لها الثروة الحيوانية من قبل تجار الأزمات والمهربين والمتربحين، الذين استغلوا ظروف المربين وخوفهم على فقدان قطعانهم، واشتروها منهم بأبخس الأثمان، في حين باعوها بعشرات أضعاف أسعارها إلى دول الجوار وإلى مناطق سيطرة النظام.

من جهته، أشار عبد الخالق، وهو أحد التجار، إلى أن أسعار المواشي ومنتجاتها كانت في المحافظة خلال سنوات ما قبل الثورة مقبولة جداً ورخيصة، لكن النقص الحاصل في أعداد الثروة الحيوانية واستنزافها بشكل كبير، تسبب بارتفاع أسعار رؤوس الأبقار والأغنام، وبالتالي ارتفاع أسعار جميع منتجاتها من الحليب والألبان والاجبان والصوف واللحوم، لافتاً إلى أن سعر البقرة الحلوب وصل إلى أكثر من مليون ونصف المليون ليرة سورية، فيما وصل كيلو الحليب إلى 150 ليرة سورية، واللبن إلى 200 ليرة سورية، في حين  وصل الكغ من اللبن المصفى إلى 850 ليرة سورية، والجبنة البلدية إلى أكثر من ألف ليرة سورية، أما سعر الكغ من لحم الغنم فوصل إلى 3300 ليرة سورية، ولحم العجل إلى 3500 ليرة سورية، حيث ارتفعت أسعار هذه المواد عشرات أضعاف سعرها السابق.

المهندس الزراعي، موفق ثابت، أكد أن عدد الأبقار في محافظة درعا كان وحسب إحصائيات ما قبل الثورة نحو 55 ألف رأس من النوع الجولاني والفريزيان المحسن، فيما تجاوز عدد رؤوس الأغنام 650 ألف رأس جلها من أغنام العواس، ذات الصفات الإنتاجية العالية من اللحم والصوف والحليب، أما عدد رؤوس الماعز فتجاوز 110 آلاف رأس بعضها من النوع الشامي، لافتاً إلى أن هذا العدد تراجع إلى أقل من النصف تقريباً نتيجة الظروف التي تعيشها سوريا، واستمرار عمليات التهريب الجائرة التي أفرغت مناطق شاسعة من المحافظة من الثروة الحيوانية، يضاف إلى ذلك خروج مزارع تربية الأبقار الحكومية في المزيريب واليادودة والشركة الليبية السورية من الخدمة، والتي كانت ترفد المحافظة بالأبقار المحسنة، وبكميات كبيرة من الحليب ومشتقاته.

من جهته، أكد أبو خالد، وهو مربي أغنام، أن هناك صعوبة كبيرة في تربية الثروة الحيوانية، بسبب عدم وجود المراعي الآمنة، وغلاء أسعار الأعلاف، وانحسار المساحات الزراعية التي كانت تزرع بمحاصيل القمح والشعير وغيرها، والتي كانت تشكل مراعي مناسبة للأغنام، لافتاً إلى أنه كان يملك أكثر من 200 رأس من الأغنام في بداية الثورة ولكنه اضطر لبيعها في العام 2013 واللجوء إلى الأردن بسبب الأوضاع الأمنية السيئة التي سادت مناطق درعا مع اشتداد القصف من قبل قوات النظام.

وأضاف أنه عاد من الأردن العام الماضي، ولم يجد أي عمل ينفق منه على أسرته، فعاد إلى تربية الأغنام من جديد، لكن قطيعه هذه المرة لا يتجاوز عشرة رؤوس، اشتراها مؤخراً بأسعار عالية جداً، حيث بلغ ثمنها أكثر من 850 ألف ليرة سورية، في حين بلغ ثمن عشرة رؤوس حين خرج من البلاد أقل  من 200 ألف ليرة سورية، مشيراً إلى أنه بات يواجه صعوبات كثيرة مثله مثل باقي المربين، ويأتي في مقدمة هذه الصعوبات عدم توفر الأدوية البيطرية، وارتفاع أسعارها، إضافة إلى عدم توفر المحاصيل الزراعية الحقلية، التي تدخل في تركيب العليقة العلفية، بعد توقف الكثير من المزارعين عن  زراعة المحاصيل الحقلية، كالشعير والبيقياء وغيرها من المحاصيل العلفية.

قطاع الثروة الحيوانية بدرعا والذي كان من القطاعات الاستثمارية الرائدة، حسب آراء المختصين والمربين، بات في خطر، نتيجة ما يتعرض له من استنزاف واضح، وهو ما يتطلب العمل على ضبط عمليات التهريب، وتأمين بعض متطلبات تربية الثروة الحيوانية التي بات الجميع، كما يبدو، عاجزاً عن تأمينها، في ظل ظروف اقتصادية سيئة تسببت بها الحرب الدائرة بمنعكساتها وتداعياتها والتي لم يسلم منها لا البشر ولا الضرع ولا الشجر، حيث يتواصل ذلك بالتزامن مع غياب أي أفق أو أي بصيص أمل ممكن أن يوشي بأن الحلحلة ستكون قريبة، وفق ما تشير إليه تعقيدات الوضع السوري.

ترك تعليق

التعليق