حينما يصبح تعليم الطفل عبئاً.. قصص واقعية من حياة السوريين في عينتاب


 تقوم السيدة "أم محمد" باصطحاب ولديها إلى مدرسة للتعليم المؤقت في مدينة عينتاب بالجنوب التركي بشكلٍ يومي؛ كونها لا تملك دفع ثمن استراك في "الاوتكار" بالمدرسة، والذي يبلغ اشتراكه الشّهري عن التلميذ الواحد 75 ليرة تركية، أي ما يُعادل 22 دولار.

 هذا هو حال سيدة سورية ترغب في تعليم طفليها، فتتحمل مشقة الذهاب والإياب، والانتظار أمام المدرسة؛ نتيجة ضعف ذات اليد، وتقول لـ"اقتصاد": "إنني لا أملك النقود الكافية كي أشترك في اوتكار المدرسة لطفليي؛ كون الراتب الشهري لزوجي لا يتجاوز 900 ليرة، بالرغم من كونه يحمل إجازة في الحقوق من جامعة حلب، إلا أنّ ظروف النزوح اضطرته للعمل في أحد المطاعم في المدينة؛ من أجل إعالة أسرتنا المؤلفة من 5 أفراد".

وتشير "أم محمد" إلى انتظارها اليومي لطفليها أمام المدرسة، إلى حين انتهاء الدوام ومن ثم العودة بهم سيراً على الأقدام، كونها لا تملك النقود الكافية لدفع أجار المواصلات، ما يعني انتظارها لما يزيد عن 5 ساعات على قدميها، في سبيل إصرارها على تعليم طفليها.

 حالة "أم محمد" من الفقر والعوز، تماثل حالة الآلاف من الأسر السورية المقيمة في مدينة عينتاب، لكن قليل منهم من يشبهون حالة تلك السيدة في إصرارها على تعليم أبنائها، إذ تُحجم الآلاف من الأسر السورية عن إرسال أبنائها إلى المدارس في المدن التركية، لعدم توفر الأموال الكافية لديها، لدفع المواصلات، وتأمين القرطاسية واللباس اللازم لذهاب الأطفال إلى المدارس.

في هذا الصدد، يقول "عمار أبو محيو" الذي يعيش مع ثلاث عائلات من أقاربه في مستودع بمنطقة "قره قبر" لـ"اقتصاد" إنّ لديه ثلاثة أطفال، لا يذهبون إلى المدارس، وكذلك أبناء أقاربه الذين يعيشون معه في نفس المكان؛ كونهم لا يملكون القدرة المالية على إرسالهم للمدراس، من نفقات المواصلات، وكذلك ما تحتاجه العملية التعليمية من قرطاسية ولباس، ومتطلبات أخرى.

 ويكشف "أبو محيو" عن قيام طفليه اللذين لا يتجاوز عمرهما 10 أعوام، بجمع البلاستيك من شوارع المدينة؛ من أجل مساعدته في تأمين الطعام للعائلة، وتحمل مصارف ما يسمى بـ "المنزل".

ويعيش "أبو محيو" في مستودع، كان معد لتخزين المواد الغذائية، ويفصل بين العائلات الثلاث فيه، قطع من القماش، لتستر عورتهم في الليل، وعند النوم.

 وتشير إحصائيات صادمة لإحدى المنظمات العاملة في الشأن الإغاثي في مدينة عينتاب، إلى أنّ نسبة الأطفال السوريين الذين يذهبون إلى المدراس في حي "قره قبر" وحده، لا تتجاوز 5% فقط، في الوقت الذي تشارك أحياء محيط القلعة، غازي كينت، تنار، وغيرها من الأحياء الفقيرة في المدينة، النسبة من حيث عدم التحاق الأطفال في المدارس، والأسباب التي تؤدي إلى ذلك.

ويعزو الناشط في المجال الإنساني "محمد إسماعيل" خلال حديثه لـ"اقتصاد" عزوف الطلاب عن الذهاب إلى المدارس إلى مشاكل متعددة، من أهمها: "سوء الوضع المالي، ومساعدة الأطفال لذويهم في تأمين مستلزمات الحياة في المدينة التركية".

 ولفت "اسماعيل" إلى غياب الرقابة من قبل الأهالي، على الأطفال، وعمالة معظمهم في المصانع المتواجدة في أحياء "قارشياقة، الصناعة"، وغيرها، منوهاً بقيام العديد منهم بـ"التدخين".

وينفي "اسماعيل" وجود أي اهتمام من منظمات المجتمع المدني بمستقبل أطفال سوريا، والتي يبلغ عددها في مدينة عينتاب، ما يقرب من 250 منظمة، مشيراً إلى أنّ أكثر من 30% من الأطفال متسربين من المدارس، معظمهم من طلاب المرحلة الثانوية".

 وتحاول التربية التركية، البحث عن الأطفال السوريين؛ من أجل إجبار ذويهم على إرسالهم إلى المدارس، لكنها، وكما يقول مطلعون، تبقى خطوات محدودة؛ كونها لا تُزيل أسباب إحجام الأهالي عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، وتوفير السيولة المادية اللازمة لتأمين نفقات العملية التعليمية.

ترك تعليق

التعليق