انطباعات عامة عن أم الدنيا: متناقضات، وذكرى سياحة، وفقراء يتكاثرون


لا يمكن لمن زار ومصر وغادرها إلا أن ينطق هذه العبارة: (مسكينة مصر.. مسكين هذا الشعب الكبير البسيط المنهك).

 والفترة البسيطة التي قضيتها في القاهرة لا تعطي انطباعاً كاملاً ودقيقاً عن أكبر دول العالم العربي المنهك، ولكنها مجرد مؤشرات قد تقول بعض وجع المصريين الذي سمعته ورأيته.

من أعلى.. كأسفل

المفجع كان في منظر القاهرة ومحيطها من الطائرة، قطعة أرض صفراء، وكلما اقتربت من الأرض تتوقع أن ترى شيئاً آخر ربما التفاصيل تختلف لكن المنظر استحال إلى قرميدي مصفر حيث الأبنية بدت كتلاً من القرميد التي يستولي عليها الغبار.

هنا القاهرة التي كنت أحلم بزيارتها ذات يوم، وها أنا أصل للرمل الذي يسّور المدينة من جهة المطار ومحيط الجبال المصفرة، وفي الطريق إلى الفندق كانت البيوت القرميدية تطغى وتتوسع فالطريق الدائري الطويل محاط بها، وفجأة كأن شيئاً قد تبدل بدا النيل الآسر العملاق، وكأنه يفعل فعل الساحر في المريد، هنا بدأ الهواء بالتبدل، وكذلك العين.

الحسين والموسكي


هنا أنت في قلب القاهرة القديمة، وأنت تتوقع أن تمشي بين أفواج السياح، وهنا يقدم المصريون أجمل ما لديهم من تحف وصناعات محلية، ومقهى أم كلثوم ينطق الواقع، لا أحد سوى عاشقين محليين يشربان الشاي (الكشري)، وفجأة فوج أجنبي مع دليل يحدثهم عن أحد المباني الأثرية، ستقف مدهوشاً أمام المكان، وستقع عينك سريعاً على جادة باسم الكاتب الكبير( جمال الغيطاني)، وثمة من سيسحبك إلى أن تشتري بعض (الجزادين) والألعاب التي رسم عليها الأهرامات وملوك الفراعنة بسعر سياحي بينما شاهدتها في شارع عادي بربع ثمنها المعروض هو ما بقي من السياحة.


في الحسين.. ما زال المصريون والعرب يتوافدون كما كل الأماكن الدينية في العالم العربي، وسيعرض عليك فتى أن يوزع لك الخبز، وأصحاب المطاعم والكافيات سيهرعون نحوك يعرضون طعامهم، وأما باعة الحلي والقطع التي ستحملها للذكرى فأسعار مختلفة فيما يسر لك أحد الباعة أن أغلب تلك الصناعات هي صينية وليست مصرية.

ما يميز المكان هو الفقر الملقى على الأرصفة، والزحام الشديد، واختلاف الأسعار، والشكوى من تقلص السياحة إلى أدنى مستوياتها في السنتين الأخيرتين وانقطاع الأرزاق.


مدينة نصر.. الفارقة

بعد أن عبرت بالسيارة أكوام القمامة في قلب العاصمة، وهي من العلامات التي تؤرق الزائر، فالقاهرة مدينة كبيرة وضواحيها مدن بمعنى الكلمة، ولكن الغريب أنها تتفاوت من حيث النظافة والخدمات والفوضى.

في مدينة نصر ستجد نفسك في مدينة عصرية نظيفة، وسيحدثك السائق عن المجمعات الفارهة كالمجمع الخامس حيث يسكن مترفو القاهرة، وكذلك عن المعادي الجميلة وأبنيتها الفخمة والتاريخية، والمعادي الجديدة حيث يعيش الموظفون بأحياء غير معبدة وفقر واضح.

وفي هذه القاهرة التي تحوي أكثر من 20 مليون مصري سيمر بك السائق في طريق العودة من منطقة الخيالة حيث تجتمع معامل الرخام وسكان المقابر والعصابات.

ستجد فرصة لزيارة وسط المدينة حيث ساحة التحرير وذكريات الثورة، وكذلك طلعت حرب ومكتبة مدبولي، وكذلك المهندسين حيث المدينة في قلب زهوتها.. لكنك ستجد ضالتك في مدينة نصر التي ستحبها لنظافتها، وطقسها الجميل.

المتحف.. وقصر عابدين

في هذين المكانين ستجد مصر التي قرأت عنها، بملوكها وسلاطينها ومواليها، والمتحف قطعة نادرة يحسب للمصريين حمايته، وكذلك قصر عابدين ومتاحفه الخمسة، سيمر التاريخ، ويحدثك الدليل عن تاريخ مصر الزاهر الذي بناه الخديويون، عن محمد علي، وأن كل هؤلاء هم من رسموا صورة مصر قبل أن تغوص في طين الجمهوريات.


الدولار.. هاجس المصريين
 
يمنع التداول بالدولار إلا بالسعر الرسمي، وأغلقت السلطات الكثير من مراكز التصريف، وأما التعاملات فتجري بسرية، والبنك المركزي يضع السعر أقل من 9 جنيهات للدولار بينما يتم التصريف في السوق بسعر يتجاوز 12 جنيه.

المصريون البسطاء يشكون الغلاء وقلة الحيلة، وأما المثقفون فينتظرون ثورة الجياع، فيما مصر تملك كل مقومات الحياة وفيها ما تشتهي من فاكهة وخضار، ولكن الجيوب فارغة.



ترك تعليق

التعليق