ذهب سوريا الأسود.. كيف نُهب، ويُنهب؟
- بواسطة أحمد الراغب – خاص - اقتصاد --
- 14 ايلول 2016 --
- 0 تعليقات
لم تكن يوماً كمية الذهب الأسود (النّفط) في سوريا كبيرة لدرجة يسيل معها لعاب المجتمع الدولي ويضع خططاً للتدخل وتقاسم الحصص على غرار ما حصل في العراق وغيره من الدول، فكان إنتاج سوريا من النفط 400 ألف برميل يومياً، ووصل إلى 380 ألف برميل بحلول عام 2011م، لكنّه في الوقت ذاته شكّل أبرز أعمدة الاقتصاد السوري لفترة طويلة، فشكّل النفط 40% من عائدات التصدير السوري قبل قيام الثورة، وهو ما دفع الاتحاد الأوربي ـ في بداية الثورة السورية ـ لفرض عقوبات على تصدير النفط؛ بهدف إضعاف قدرات السلطة السورية، وبالتالي تسهيل إسقاط النظام.
وتتوزع حقول النفط على ثلاثة مواقع:
1 ـ شرق البلاد في الحسكة: أهمها حقول الرميلان والسويدية والشّدادي.
2 ـ حوض الفرات (دور الزور والرقة): وأهمها حقول عمر والتيم والتنك والجفرة والورد، وحيث يقع أكبر مخزن للنفط الخفيف في حقل العمر.
3 ـ في مساحات بادية الشام: وهي كميات قليلة، وأهمها حقول شاعر.
وفي هذه الدراسة سنقف عند النقاط الآتية:
النقطة الأولى ـ استخدام عائدات النفط قبل قيام الثورة السورية.
النقطة الثانية ـ حصص الأطراف المتصارعة في سوريا على النفط.
النقطة الثالثة ـ علاقة النظام مع تنظيم الدولة والأكراد من حيث النفط.
النقطة الرابعة ـ كيف يغطي النظام حاجته من النفط؟
ولنبدأ بالنقطة الأولى:
النقطة الأولى ـ استخدام عائدات النفط قبل قيام الثورة السورية:
بالحقيقة إنّ الجزء الأكبر من عائدات النفط كان لا يدخل ميزانية الدولة، وبالتالي كان تأثيره على تقدم الحياة الاقتصادية محدوداً.
فقد قال مسؤولون منشقون عن النظام السوري: إنّه قبل عام 2011م كان القسم الأكبر من عائدات النفط لا يدخل في الموازنة العامة؛ بل يُنهب من قبل العائلة الحاكمة.
ووفق التقرير الإحصائي للطاقة العالمية الذي تصدره شركة (بي بي) البريطانية فإن إنتاج سوريا من النفط بلغ 380 ألف برميل يومياً عام 2010م، وكانت تُنفق عائداته على شكل مصاريف شخصية ترفيهية، ويخصص جزء منه لتمويل الميليشيات التابعة للعائلة الحاكمة، وربما كان يتم تخصيص جزء بسيط من العائدات من أجل الحالات الاقتصادية الطارئة.
ومعروف عند السوريين أنّ أحد أعضاء مجلس الشعب، وأثناء أحد الجلسات المنعقدة، وجّه سؤالاً عن سبب عدم إدراج عائدات النفط في الميزانية، فأجابه رئيس المجلس بأنّ النّفط في أيدٍ أمينة..!!!
وبالتالي لو تمّ استخدام عائدات النفط كاملة في الحياة الاقتصادية؛ لكان الواقع الاقتصادي السوري ينمو بشكل كبير، وذلك لانعكاسه على الحركة الإنتاجية التي تعتبر الأساس لأي تقدّم منشود..
النقطة الثانية ـ حصص الأطراف المتصارعة في سوريا على النفط:
بالحقيقة تبلغ الحصة على النحو الآتي:
90% من النفط تقريباً تسيطر عليه القوات المقاتلة الكردية وتنظيم الدولة الإسلامية.
فحقول دير الزور والرقة تحت سيطرة تنظيم الدولة، ومعظم حقول النفط في الحسكة تحت سيطرة قوات PYD الكردية، واستغل الـ PYD وتنظيم الدولة أموال النفط لتحقيق هدفين:
ـ تأمين موارد مالية جيدة.
ـ تشغيل السكان في مناطق النفط.
أما النظام السوري فلا تزيد حصته عن 10% وحسب تصريحات وزير النفط السوري أنّ إنتاج سوريا من النفط كان ما يقرب من 9000 برميل يومياً وذلك خلال عام 2015م .
النقطة الثالثة ـ علاقة النظام مع تنظيم الدولة والأكراد من حيث النفط:
النظام كان على تعامل مباشر مع PYD الكردي ومع تنظيم الدولة من أجل إمداده بالنفط، وكان يأخذ النفط بأسعار تقل عن السوق العالمية.
فقد نقلت صحيفة ديلي تلغراف البريطانية عن مصادر استخباراتية أن نظام الأسد أنعش تنظيم الدولة بشراء النفط منه مقابل مبالغ مالية كبيرة، وأصبح وضع العلاقة بينهما أشبه بالوضع الذي شهدته شيكاغو في عشرينات القرن الماضي، عندما أجرت الحكومة الأمريكية اتصالاً مع عصابات المافيا مقابل تبادل المنفعة عبر السيطرة على الموارد، وحسب المصدر ذاته فقد كان تنظيم الدولة يبيع النظام السوري النّفط بالعملة السورية، مما يساعد في تقوية العملة السورية، لكن تحوّل بعد ذلك تنظيم الدولة لطلب الدولار، ومنع تداول العملة السورية الجديدة من فئة الألف والخمس مئة ليرة في مناطقه.
وكان الأكراد من خلال تأسيسهم لشركة توزيع المحروقات والتي تعرف اختصاراً بـ ksc والتي تسيطر عليها قوات PYD، يستخرجون النفط من الآبار ذاتية الدفع ويصدّرونه إلى النظام مقابل حصولهم على الغاز في أكثر الأحيان، وقسم آخر منه يتم تكريره في المصافي الكهربائية للاستهلاك المحلي.
النقطة الرابعة ـ كيف يغطي النظام حاجته من النفط؟
كما رأينا فإنّ النظام لا يستطيع أن ينتج محلّياً أكثر من 9 آلاف برميل يومياً، والكميات التي يحصل عليها من التنظيمات الكردية ومن تنظيم الدولة تناقصت بشكل كبير جداً؛ بسبب تناقص الكميات المستخرجة في المناطق المحررة، وبسبب تعطل وتخريب كثير من أنابيب النفط...
ومن هنا وقع النظام بأزمة كبيرة، وهذه الأزمة هي عجزه عن تغطية حاجة السوق الداخلية بالمواد البترولية، فاضطر النظام إلى استيراد النفط الخام من السوق الخارجية، وتكريره في مصفاتي بانياس وحمص، ومعظم الواردات كانت تأتي من حليفه الاستراتيجي إيران.
فقد أكّد وزير النفط السوري أنّ خسارة الدولة من بداية الأزمة حتى نهاية عام 2015م كانت 60.44 مليار دولار، وأنّ الحكومة تستورد النفط من إيران، حيث يصل سوريا شهرياً 3 نواقل نفط إيرانية يتم تكريرها في المصافي السورية.
وهذا العجز الذي تمت تغطيته بالاستيراد كان له آثار كبيرة على الاقتصاد السوري، فهو من ناحية يحتاج إلى دولار من أجل الاستيراد، وبالأصل النظام يعاني من تدهور في احتياطي النقد الأجنبي، أو أنّه يقترض لتأدية القيمة، مما يرفع المديونية، أو أنّ إيران تأخذ عقود وصفقات عاجلة وآجلة مقابل النفط، ومن ناحية أخرى أدى استيراد النفط إلى اضطرار حكومة النظام لرفع سعر المشتقات البترولية لمرات متتالية، ففي تاريخ 16/6/2016 قرر وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن يرفع أسعار المحروقات، فارتفع البنزين من 125 إلى 225 ليرة، والمازوت من 135 إلى 180 ليرة، والغاز من 1800 إلى 2500 ليرة، ويطبق هذا القرار اعتباراً من صباح 17/6/2016.
ومعروف أنّ هذا القرار له آثار سلبية خطيرة على الحياة الاقتصادية والاجتماعية وعلى رأسها ارتفاع تكلفة الإنتاج، وبالتالي زيادة معظم أسعار السلع والخدمات في الاقتصاد، مما يزيد في سرعة عجلة التضخم الاقتصادي، والذي يعني السرعة الكبيرة في انخفاض الدخل الحقيقي للمواطن السوري، لكنّ النظام بسبب عجزه الاقتصادي لم يجد خياراً أفضل من ذلك..!!
ومن حيث النتيجة نجد أنّ النفط السوري قد تمّ تبديده قبل قيام الثورة السورية من خلال الأسرة الحاكمة وأذرعها الضاربة في المجتمع السوري، وبعد قيام الثورة ازداد الأمر خطورة، وبدأت ثروة النفط تُضرَبُ من جذورها، فالآبار تُقصف وتخرّب، وخطوط النقل تضررت وخرّبت، والتلوّث يحصد أرواح السوريين بسبب الطرق البدائية في التكرير، وظهرت مافيات النفط لكن بأسماء فصائلية، والذي يحصد الثمار المرّة لخراب قطاع النفط السوري هو المواطن السوري الذي أصبح ضحيّة في كلّ المقاييس...!!
والأمر الأكثر مأساوية أنّ هناك العديد من الدراسات تشير إلى أنّ معظم الآبار النفطية السورية وخاصة في الحسكة سوف ينتهي مخزونها الاحتياطي عام 2025م، وهذا يعني بكل بساطة أنّ سوريا فقدت فرصة كبيرة في استغلال النفط لخلق تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة..!!
التعليق