فتى سوري يعمل ورديتين في اليوم.. نتيجة قطع المساعدات الأممية عن عائلته


خمس سنوات من اللجوء المُر, كفيلة باستنفاذ مدخرات العائلات السورية, فكيف إن كانت أصلاً قد خرجت صفر اليدين باتجاه الأردن هرباً من براميل النظام السوري.

ومع تكرار انقطاع المساعدات المقدمة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين, ووجود 17 مهنة مغلقة للعمل أمام السوريين, في هذه الظروف يولد الفقر المدقع.

فقد تلقى مؤخراً عدد كبير من اللاجئين السوريون في الأردن، رسائل نصية من المفوضية مفادها أنه ابتداء من شهر 10 القادم, سوف تتوقف المساعدات الغذائية من برنامج الأغذية العالمي وذلك لقدرتهم على تأمين الاحتياجات الأساسية، حسب وصف الرسائل النصية.

بهذا الصدد، التقى "اقتصاد" اللاجئ السوري، معتز سلامة، الذي يؤكد أنه أُبلغ بقطع المساعدات, مع العلم أنه لم يزره أحد من قبل المفوضية لإعادة تقييم وضعه المعاشي، بالإضافة إلى أنه مصاب بخلع ولادي ولا يستطيع ممارسة أي عمل, والمبلغ الشهري الذي يستلمه من المفوضية وهو 80 دينار يقوم بدفعها أجار للمنزل, ويتبقى له القسائم الغذائية ليأكل من خلالها فإذا انقطعت سيكون مكانه وأسرته هو الشارع، حسب وصفه.

في السياق نفسه، صرح الناطق الرسمي باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، محمد الحواري، لـ "اقتصاد"، بأنه تم الذكر بالتفصيل في الرسالة التي أرسلتها المفوضية، أن قطع المساعدات تم بناء على إعادة تقييم لهذه الحالات ،وبأنهم لم يعودوا من الفئة الأكثر احتياجاً.

وعند سؤاله بأن "اقتصاد" تواصل مع أكثر من حالة لم يتم التواصل معها من قبل المفوضية وإعادة تقييم وضعها، أجاب بأن باب الاستئناف والاعتراض على قطع المساعدات مفتوح وأن الكثير من العائلات تم الاتصال بها ليتم زيارتها ولكنها رفضت أو ماطلت ولم تأت إلى المفوضية لتجديد ورقة المفوضية, أو أن أوضاعها المادية تحسنت, مضيفاً بأن عدد العائلات التي وصلتهم الرسالة دون الـ "ألف أسرة"، وجميعاً لهم الحق في الاستئناف.

وفي سؤال آخر للحواري حول شكوك اللاجئين بأن ثمة ارتباط بين استصدارهم تصاريح للعمل وقطع المساعدات، أفاد محدثنا مطمئناً اللاجئين السوريين في الأردن بأنه لا علاقة البتة تربط بين استخراج تصاريح العمل وقطع المساعدات.

الطفل محمد المصري، هو وعائلته، تم قطع المساعدة الشهرية عنهم، ليصبح ضحية أخرى من ضحايا اللجوء والفقر، التقاه "اقتصاد" ليتعرف تفاصيل أكثر عن قصته التي تمثل قصة أطفال سوريين كُثر.

محمد الذي لم يبلغ ربيعه الثاني عشر وجد نفسه فجأة رب لأسرة تتكون من 5 أفراد وأب متقدم في السن لا يستطيع العمل إلا قليلاً, اضطرته ظروفه للعمل في محل لتعقيم المياه وبيعها, بأجر يومي لا يتعدى الـ 5 دنانير صيفاً، و4 دنانير شتاء، محسوب من ضمنها ثمن الغداء, أما أوقات الدوام وظروف العمل فقصة أخرى تماماً, فهو يستيقظ ليذهب إلى العمل من الساعة الثامنة صباحاً إلى الـ 12 ظهراً، ثم يتوجه بعدها إلى المدرسة التي يكون وجوده فيها صورياً لا أكثر وإثبات وجود، يقضي نصفها نائماً ثم في الساعة الخامسة يتوجه إلى العمل مرة أخرى ويبقى هناك إلى الـ 11 ليلاً، ليصل إلى بيته منهكاً من ورديتي عمل, فلا يجد وقتاً للدراسة أبداً، إلا تناول لقيمات ثم النوم.

محمد الذي يتغيب عن المدرسة إذا أمره صاحب العمل في أوقات الضغط, يعاني  من أهوال العمل وحمل قوارير المياه التي أنقضت ظهره، وعدم إعطائه إجازته التي يأخذها كل رفاقه في العمل.

أما أم محمد، فتروي بكثير من الألم كيف أجبرتها الظروف على إرسال ولدها الوحيد للعمل, هي التي كانت تأمل ككل الأمهات أن يكمل محمد دراسته, مضيفة بأن محمد تحمل مسؤولية بوقت مبكر، مما أدى إلى تراجعه في دراسته وإهمالها بشكل كامل.

أما نقطة التحول الفارقة في مستقبل محمد عندما اكتشفت قصته السيدة نسرين مسلماني، وهي مشرفة سورية في مركز بريق للتعليم البديل, حيث كان محمد أثناء عمله في توزيع قوارير الماء يتردد إليهم, فعرفت قصته بأنه طفل سوري يعمل لإعالة عائلته، وعندما عرضت موضوعه على إدارة المركز تم الاتفاق مع أهل محمد على أن يتم تخصيص راتب للعائلة بقيمة راتب محمد الذي يتقاضاه من عمله مقابل أن يترك العمل ويعود للدراسة ويلتزم معهم كمركز للتعليم البديل من أجل تعويض ضعفه الدراسي.

قصة محمد تروي قصة آلاف الأطفال السوريين الذين تسربوا من التعليم بسبب ظروفهم المعيشية, نسوا طفولتهم وصاروا رجالاً صغاراً، بسبب سوء أوضاع آبائهم المعيشية أو عدم قدرتهم على العمل، ويبقى الحل دوماً هو مشاريع تنموية مستدامة تؤمن عيشاً كريماً.

ترك تعليق

التعليق