شائعات حول مرض عصبي خطير يؤدي إلى الشلل والموت.. تسبب هلعاً في اللاذقية


حضر إلى بعض المشافي والمراكز الصحية في اللاذقية مرضى يشتكون من التعب أو الوهن العضلي أو التنميل وأحياناً ضعف بأحد أو جميع الأطراف، ومن جميع الأعمار، ولكن لسبب ما تم جمع هذه الحالات كلها ضمن مرض يسمى "غيلان باريه"، وأصبح مجرد ذكره في المدينة يثير الرعب بين المواطنين، وبالتأكيد لم يضيع الانتهازيون هذا الفرصة لاستغلال المواطن وخوفه على صحته وصحة أبنائه.
 
تحدثت السيدة ريم لـ "اقتصاد" حول مخاوف الناس وسعيهم لإيجاد تفسيرات قائلة: "حاول الناس إيجاد تفسيرات لهذا المرض حيث تم التداول أنه يسبب الشلل ومعظم الحالات تؤدي للموت وفي أفضل الظروف يمكن أن يعيش المريض بحالة شلل بدرجات مختلفة. البعض اقترح أن سبب هذا المرض موجة الحر الشديد التي ضربت المدينة مما أدى إلى الإسهال والإقياء ومن ثم التطور نحو الشلل، بينما اقترح آخرون أن يكون لتلوث الأطعمة الجاهزة في الأسواق دوراً، وآخرون ذهبوا لاتهام البحر وتلوث مياهه، وبالطبع لم يتم نسيان اللقاحات من قائمة المتهمين حيث كان للقاح الانفلونزة نصيب".

 أضافت محدثتنا أن بعض الناس اتهموا تلوث الجو بأسلحة كيمائية أو بيولوجية مجهولة بالمسؤولية عن هذه الحالات المرضية.

وفي سؤالها عن طريقة التعامل مع هذه الحالات المرضية، بيّنت السيدة ريم أن هناك حديث عن 18 حالة مشخصة من هذا المرض ولكن لا أحد يستطيع التأكد من التشخيص ولا يوجد علاج شاف.
 
"للأسف هناك بعض ممارسي الطب عديمي الضمير ادعوا أن فصادة الدم هي العلاج لهذا المرض وكانت تجرى للمرضى بتكلفة مليوني ليرة سورية، بالإضافة لبعض الأدوية المستوردة غير المعروف محتواها والتي كانت تكلف بنفس المقدار"، بيّنت متحدثتنا.

للوقوف على الخلفية العلمية للمرض وحقيقة ما يُشاع عن انتشاره في اللاذقية، تحدث "اقتصاد" مع الدكتور سمير أبو حامد، أخصائي الأمراض العصبية في فرنسا، وبيّن أن المرض يدعى بالتهاب الأعصاب والجذور الحاد وتسيطر عليه الأعراض الحسية مثل الخدر والنمل ومظاهر الضعف العضلي الذي يصيب الأطراف السفلية وترتفع الإصابة تدريجياً إلى الأطراف العلوية وعضلات التنفس وقد يصيب عضلات الوجه.

أضاف أخصائي الأمراض العصبية أن نسبة الإصابة السنوية به هي 1-2  لكل 100000، وهو يصيب كل الأعمار  حتى الأطفال فوق سن الخمس سنوات وإن كان أقل حدوثاً من الشباب وكبار السن.

أما عن سبب المرض وتفسير الأعراض المرافقة، فقد بين الطبيب أن الجملة العصبية تقسم إلى قسمين: مركزي ويتكون من الدماغ والنخاع الشوكي، ومن قسم قسم محيطي ويتمثل بالأعصاب التي تربط الجهاز المركزي بالعضلات وبالمستقبلات الحسية بالجلد وبالمستقبلات الذاتية في الأعضاء الداخلية كالقلب والجهاز التنفسي والهضمي والبولي التناسلي.

 وأوضح الطبيب من فرنسا أن الأعصاب تشبه الكابل الكهربائي حيث تتكون من محور ويغلفه غمد يدعى الميالين والذي يقوم بتأمين وظيفة سليمة للعصب كما أن السيالات العصبية تنقل من خلاله من المركز للمحيط وبالعكس.

"أما في متلازمة "غيلان باريه"، يُصاب هذا الغمد بخلل جزئي أو كلي فيفقد خاصية النقل العصبي بشكل جزئي أو بشكل تام ومن هنا تظهر الأعراض الحسية والحركية على شكل ضعف عضلي أو شلل تام أو نقص بالحس"، فصّل الطبيب.

بالنسبة للسبب الحقيقي للمرض، فأغلب الظن حسب محدثنا أن الجسم يشكل أضداداً ذاتية تهاجم الغمد العصبي.
 
ولتفسير ذلك شرح الطبيب أنه عند تعرض الجسم لإنتان فيروسي أو جرثومي يقوم الجهاز المناعي بالجسم بتشكيل أجسام ضدية موجهة ضد هذه الفيروسات والجراثيم بهدف الدفاع عن الجسم ضد الانتان، ولكن قد يحدث أن تكون التركيبة البروتينية لبعض أجزاء الفيروسات أو الجراثيم التي يشكل الجهاز المناعي الأجسام الضدية ضدها مشابهة لبروتينات الغمد العصبي فتقوم هذه الأجسام الضدية بمهاجة الغمد نفسه وهذا ما يسمى "أجسام ضدية ذاتية".

ولتأكيد هذا التفسير، أضاف الطبيب أنه في ثلثي حالات الإصابة بمتلازمة غيلان باريه كان هناك قصة إصابة المريض بإنتان فيروسي تنفسي مثل الرشح أو التهاب الحلق أو إنتان معوي قبل اصابته بالمتلازمة بأيام أو أسابيع.

"بالإضافة للفيروسات والجراثيم، هناك بعض الأدوية المتهمة بالتسبب بمرض غيلان باريه مثل  Sreptokinase, Danazol, Captopril, كما أن هناك بعض اللقاحات كسبب مطلق للمرض لكن لا توجد دراسات تؤكد ذلك".

أكد أخصائي الأمراض العصبية أن المرض ليس معدٍ أبداً، أي أنه لا ينتقل من شخص إلى آخر.

أما عن تطور المرض وحسب محدثنا فهو يمر بثلاث مراحل: ففي مرحلة البدء والتي تستمر من عدة أيام الى 3 أسابيع تتطور الأعراض التي تبدأ عادة باضطرابات حسية على شكل تخدير وتنميل تبدأ بالأطراف السفلية وتصعد سريعاً خلال أيام قليلة إلى الأطراف العلوية وتترافق بعد عدة أيام بضعف عضلي أو شلل تام في الأطراف السفلية صاعداً للأطراف العلوية وعضلات التنفس والحجاب الحاجز والبلع والوجه.
 
"في هذه المرحلة قد يحتاج المريض القبول في العناية المشددة واستخدام المنفسة الصناعية إذا حدث قصور تنفسي وشلل تام لعضلات البلعوم والحنجرة وعضلات التنفس"، أوضح الطبيب.

أما المرحلة الثانية وهي مرحلة الاستقرار، قد تستمر عدة أسابيع وفيها يتوقف المرض عن التفاقم لكن تسيطر على هذه المرحلة المظاهر الذاتية التي قد تكون خطيرة مثل اضطرابات نظم القلب أو هبوط الضغط الشرياني والإمساك، وكذلك الاختلاطات الناجمة عن الاستلقاء المديد والتي قد تهدد حياة المريض مثل التهاب الوريد الخثري والصمة الرئوية والانتانات النفسية والبولية والتهابات الجلد وتقرحه.

بالنسبة لمرحلة الشفاء والتي هي المرحلة الثالثة، فقد تستمر عدة أشهر حتى السنة. عادة الشفاء هو القاعدة حيث يشفى حوالي 85% من المرضى لأن الأغماد المتأذية  تترمم بمرور الوقت، بينما يصاب البقية القليلة بعقابيل تختلف بالشدة خاصة عندما يصاب محور العصب بالخلل.

بالنسبة لخطورة المرض فقد بيّن الطبيب أن المرحلة الثانية هي الأخطر وقد تهدد حياة المريض وخاصة عند حدوث القصور التنفسي واضطرابات البلع واختلاطات الاستلقاء الطويل والاضطرابات في ضغط الدم وفي نظم القلب.

أما عن تشخيص المرض، يعتبر البزل القطني لاستخراج وتحليل السائل الدماغي الشوكي الاستقصاء الوحيد المفيد في المرحلة الأولى من المرض حيث نجد ما يدعى بافتراق خليوي بروتيني بمعنى أن عدد الكريات البيضاء في السائل لا تتجاوز العشرة بينما هنالك ارتفاع كبير في تركيز البروتين بالسائل.
 
وأوضح الطبيب أن تخطيط الأعصاب والعضلات الكهربائي لا يعتبر مفيداً بالمرحلة الأولى، أي الأسابيع الثلاث الأولى، لأن التخطيط قد يبدو طبيعياً.

وطريقة أخرى للتشخيص هي البحث عن الأجسام الضدية الذاتية في الدم وفي السائل الدماغي الشوكي والتي تعد بالعشرات، أما التصوير الطبقي المحوري أو المرنان لا يعتبران مفيدين في تشخيص المرض، لكن قد يفيد  تصوير النخاع الشوكي بالمرنان عند البحث عن سبب آخر للشلل الرباعي مثل التهاب النخاع.

بالنسبة للأعراض التي توحي بشدة للمرض هي الضعف الحركي المترقي في الأطراف الأربعة ولكن يمكن أن تبدأ بضعف طرف واحد سفلي، بالإضافة لضعف المنعكسات الوترية.

 بالنسبة للأعراض التالية التي يمكن أن تشير إلى احتمال أكبر بالإصابة بغيلان باريه هي: "تطور الأعراض خلال عدة أيام إلى 4 أسابيع، والإصابة المتناظرة نسبياً، والمظاهر الحسية الخفيفة والأعراض الذاتية والألم وغياب الحرارة على الأقل في البدء، ارتفاع البروتين في السائل الدماغي الشوكي وارتفاع طفيف للخلايا لا يتجاوز العشرة".

بالنسبة للأمراض التي تكون أعراضها مشابهة لمتلازمة غيلان باريه فهي الإصابة العصبية المركزية خاصة التهاب النخاع الحاد أو حادث وعائي دماغي في المنطقة الخلفية للدماغ، الوهن العضلي الوخيم وشلل الأطفال والأسباب السمية والشلل الدوري، بالإضافة للأمراض الأخرى التي تسبب ضعفاً عضلياً.

بالنسبة للعلاج، أوضح الدكتور سمير أن العلاج الحالي والذي أثبت فائدته هو الغلوبونات الناعية والذي يعطى لمدة خمسة أيام ولكنه غالي الثمن، أما في سوريا فيتم تأمينه غالباً عن طريق التهريب من لبنان وعلى الأغلب من إانتاج روسي أو هندي أو باكستاني، ولكن تكمن الخطورة هنا أنه لا يمكن معرفة تركيز المادة الفعالة ضمن الدواء، بالإضافة لخطورة انتقال الأمراض الخطيرة مثل الإيدز والتهاب الكبد  باء أو سي في ظل غياب المراقبة الصحية على إنتاجه.

وأضاف أخصائي الأمراض العصبية: "من العلاجات القديمة والتي لا زالت تطبق في بلداننا هي الكورتيزون والذي يعتبر إعطاؤه خطيراً في حالة غيلان باريه لأنه غير فعال في هذه الحالات، بالإضافة للمشاكل الجانبية التي يمكن أن تزيد من تفاقم المرض مثل الوهن العضلي وتزيد أيضاً من خطورة الاختلاطات الثانوية مثل الإنتانات والصمات الوريدية والرئوية وربما ارتفاع سكر الدم".

بالنهاية، علق الدكتور سمير أن تشخيص الحالات التي يُزعم أنها حالات لمتلازمة غيلان باريه في اللاذقية يشوبه الكثير من عدم الدقة، حيث أن حالات غيلان باريه هي حالات فردية وغير معدية ولا تنتقل من شخص لآخر.

ترك تعليق

التعليق