قد تصل إلى نصف مليون ليرة شهرياً.. نازحون يكابدون نيران الإيجارات الباهظة في دمشق


تروي السيدة "نجوى" قصتها مع النزوح الذي قادها إلى السكن في بلدة "جديدة"، إحدى ضواحي دمشق.

"من ثلاث سنوات خرجت من مدينتي الأصلية، زوجي اعتقل بعد نزوحنا بشهرين وبقيت مع بناتي الثلاث نفتح فمنا للهواء".

وبينما لم يستطع المستوى المادي مساعدة السيدة "نجوى" في عيشة راضية، اضطرت إلى استئجار أحد المحلات التجارية الفارغة، و"بحركة بسيطة، وشيء من التغيير، تحول هذا المحل إلى بيتي الذي أسكن فيه لسنوات ثلاث وحتى اليوم"، تقول "نجوى".

وكان إيجار المحل 6 آلاف ليرة، لكن، "مع غلاء الأسعار ارتفعت الإيجارات لتبلغ الضعف والضعفين، صار صاحب المحل – البيت، الذي أعيش فيه، يتقاضى 11 ألف ليرة شهرياً".

"سعيد"، يعمل موظفاً لدى الدولة، ونتيجة حصار مدينته (م)، اضطر للخروج من منزله الأصلي والعيش في العاصمة دمشق مع ابن خاله الذي يعيش في بيت متواضع هو وأسرته المؤلفة من زوجة واثنين من الأولاد.

"لم يعد أحد يتحمل أحداً في هذه الأيام"، يصر سعيد على هذا التعبير.

وهكذا انطلق صاحبنا في رحلة البحث عن منزل للإيجار ضمن العاصمة، فماذا وجد؟

"الأسعار كاوية جداً، عثرت على العديد من البيوت المتفاوتة في الميزات وكذلك الأسعار".

ويشير "سعيد" إلى دهشته الكبيرة من ارتفاع أسعار الإيجارات في دمشق وضواحيها، "أسوا بيت مؤلف من غرفة ومنتفعاتها ضمن دمشق لا يقل إيجاره الشهري عن 35 ألف ليرة سورية".

ويتابع حول هذا الموضوع، "معك من 35 ألف ليرة إلى 150 ألف كإيجار شهري حسب المنطقة والميزات".

أما "أبو أحمد"، الذي يسكن في بيت مؤلف من غرفتين ومنتفعاتهما في "قطنا"، فيصر على صعوبة الحياة نظراً لارتفاع الأسعار بشكل عام، والذي أدى إلى الزيادة غير المعقولة في أسعار الإيجارات السكنية.

"أسكن في هذا البيت أنا وأسرتي المؤلفة من ثلاثة أشخاص إضافة لصهري، زوج ابنتي، مع أسرته المؤلفة من بنتين وزوجته أي ابنتي".

ويتابع الحاج "أبو أحمد"، الذي علا رأسه الشيب من جميع الجوانب، "تعبنا جداً في البداية حتى وجدنا منزلاً متوسطاً بأجرة معقولة 12 ألف شهرياً، لكن صاحب المنزل اليوم يصر على رفع السعر، الناس صارت جشعة جداً، ولا مكان للرحمة بينها".

ويؤكد الحاج وقد بدا عليه الانفعال، "الناس صارت كالذئاب، كالذئاب فعلاً".

"اقتصاد" حاول استقراء آراء عدد كبير من النازحين ومستأجري البيوت في  العاصمة دمشق، وأغلب هؤلاء نزحوا من مدنهم وقراهم الأصلية ليحطوا الرحال في بيوت غير بيوتهم، اضطرتهم المعارك وظروف الأزمة إلى استئجارها، وتذوق آلام النزوح، مترافقاً بعشرات الأضعاف من الأعباء المالية الضخمة المترتبة على الإيجارات الغالية والأسعار المرتفعة.

"أبو جابر"، يشير إلى حظه السعيد في عثوره على غرفة في قبو سكني وسط العاصمة بإيجار معقول.

"أدفع 8 آلاف ليرة شهرياً، منذ 3 سنوات وإلى اليوم، صاحب القبو أشفق علينا ولم يطالبنا بدفع المزيد نظراً لارتفاع أسعار الإيجار".

ولا تمثل قصة "أبو جابر" سوى النادر من الأشخاص الذين عثروا على سكن بسيط وبأجر مناسب.

"حامد"، روى شيئاً مغايراً تماماً عن الإيجارات المرتفعة، فهناك في العاصمة أزمة متفاقمة في هذا الأمر.

"بين أشهر وأخرى ارتفعت الإيجارات لتبلغ الضعف إلى ثلاثة أضعاف، معك من 40 ألف ليرة مثلاً إلى نصف مليون، لا تستغرب من كلامي هذا، أعرف رجلاً استأجر منزلاً فخماً بنصف مليون ليرة في الشهر، نعم إنه ثري إلى حد ما!".

وبغض النظر عن صحة القصة والرقم الباهظ الذي ذكره "حامد"، إلا أن بيوتاً كثيرة في الشيخ سعد والمزة جبل وكفرسوسة بدمشق، أُجرت بأرقام تتجاوز 100 ألف إلى 150 ألفاً.

يقول "خالد"، أحد الموظفين الذي يقطنون دمشق، ويبحث عن منزل مريح عوضاً عن مسكنه السيء، والذي يدفع إيجاره 15 ألف ليرة شهرياً، "كنت في المزة جبل منذ أيام جالساً عند أحد الأصحاب، وفي إحدى اللحظات نظرت إلى بيت من ثلاث غرف في ذلك الموضع، خطر في بالي أن أستأجره فهو مناسب ومكانه جيد تماماً،  فوجئت حين أخبرني صاحبي أن مالك البيت يطلب 115 ألف ليرة، إنه رقم مذهل".

ولا تشكل الأرقام الباهظة التي يدفعها المستأجرون سوى جزءاً من الأزمة.

يقول السيد "مروان"، الذي نزح من بلدته الأصلية منذ خمسة أشهر، "عثرت على شقة سكنية في صحنايا، اتفقنا على 12 ألف ليرة كإيجار شهري، المشكلة ليست هنا.. بل في عفش البيت وأدوات المطبخ والحمام وغرفة النوم، لقد كانت الشقة خالية تماماً".

ويتابع "مروان"، "المشكلة كبيرة، ولا ازال أعاني منها، أشتري كل فترة أداة ما لتساعدني على معيشة متوسطة و لكن إلى متى؟، هل سأبقى طوال عمري أصرف مرتبي على شراء عفش البيت الذي أستأجره؟".

صرخة يطلقها السيد مروان الذي خسر منزله في المدينة (د)، ليعيش في واقع التشرد ويعاني كبضعة آلاف من السوريين، يعيشون على غصتين؛ واحدة في حلوقهم من ألم الفقر والبؤس، وأخرى في قلوبهم حزناً وكمداً على موطن هانئ، ضاع بين ليلة وضحاها.

(ملاحظة: الشخصيات التي التقاها "اقتصاد" لا تزال تعيش في أماكنها المذكورة، لذلك.. كان لزاماً علينا أن نبهم أسمائها وأوصافها، إضافة لإغفال التصوير المرئي حتى لا يتضرر أحد، في ظل التضييق الأمني الحاد في العاصمة).


ترك تعليق

التعليق