أكثر من 50%.. نسبة تراجع نشاط تربية النحل في درعا


كانت تربية النحل في محافظة درعا تشكل أحد أهم  المصادر المدرة  للدخل، لشريحة من الناس في سنوات ما قبل الثورة، وذلك بسبب توفر الظروف الملائمة لهذا النشاط، كوجود المراعي المناسبة الغنية بالأعشاب، والأيدي الفنية المتمرسة، والخبرة الكبيرة التي اكتسبها المربون على مدار السنوات السابقة، الأمر الذي أسهم في إنتاج عسل ذي مواصفات عالية الجودة والقيمة الغذائية، لكن هذا النشاط شهد تراجعاً وانحساراً خلال سنوات الثورة، تزامناً مع انطلاق الأعمال العسكرية التي تسببت بحركة نزوح كبيرة، وتوقف كامل لمعظم الأنشطة الإنسانية في مناطق المحافظة المختلفة.

ويقول عزام، وهو أحد مربي النحل في ريف درعا، إن "تربية النحل عملية مربحة، ومداخيلها جيدة رغم تكاليفها العالية"، مشيراً إلى أنه كان لديه قبل الثورة أكثر من 250 خلية، كان يكرس جل وقته للعناية والاهتمام بها، لكن هذا العدد تناقص بشكل كبير، وأصبح كل ما يملكه نحو 25 خلية فقط. 

وأضاف عزام لـ "اقتصاد" أن "تربية النحل تحتاج إلى جهود كبيرة، وإلى أيدٍ عاملة قادرة على مواكبتها، كما أن مصاريفها أصبحت عالية، كونها تحتاج إلى تغيير المراعي بشكل دوري، ما يتطلب توفر وسائل نقل خاصة بها، الأمر الذي أصبح صعباً في الوقت الحالي، بسبب شح المواد النفطية، وارتفاع أسعارها مقارنة مع الفترة السابقة"، موضحاً أن مربي النحل بات يواجه  بعض الصعوبات في إيجاد المراعي المناسبة التي تتوفر فيها الأعشاب والأزهار الملائمة لإنتاج عسل جيد.

من جهته، لفت محي الدين، وهو مدرس يعمل بالإضافة إلى عمله في تربية النحل، إلى أن "المربين كانوا سابقاً يتنقلون بنحلهم بين كل المحافظات السورية بحثاً عن الكلأ والمرعى، وطلباً لأنواع محددة من الأزهار، موضحاً أنهم كانوا يجوبون كل المحافظات السورية بلا صعوبات أو عوائق، لكن الأمر تغير الآن بسبب الأعمال العسكرية وانتشار الحواجز التي قطعت أوصال المناطق، يضاف إلى ذلك عدم الشعور بالأمان أثناء التنقل، والخوف من اللصوص الذين باتوا يستهدفون كل شي.

وأشار إلى أنه كان يملك نحو 50 خلية يعتني بها بعد دوامه، وأن دخله السنوي الصافي منها كان لا يقل عن 400 ألف ليرة سورية، لافتاً إلى أن هذا الإنتاج أسهم إلى حد كبير في تحسين أوضاعه المعيشية، حيث استطاع خلال خمسة أعوام من العمل في تربية النحل، بناء منزل لأسرته وشراء سيارة والعيش في "بحبوحة"، حسب وصفه.

 ويستطرد محي الدين بأن الأمر قد تغير الآن بشكل كبير، وما تبقى لديه من خلايا نحل لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة يضعها في حديقة منزله.

من جهته، أكد محمود، وهو مهندس زراعي وموظف سابق في مديرية زراعة درعا"، أن عدد مربي النحل في محافظة درعا يتجاوز الألفي شخص وهم  كانوا يعتمدون على تربية النحل، كمصدر أساسي للدخل، لافتاً إلى أن تربية النحل في المحافظة تتركز في الريف الغربي، لاسيما في قرى حوض اليرموك وعلى ضفاف الأودية وروافد نهر اليرموك الأخرى.

وأضاف محمود أن عدد خلايا النحل في المحافظة بلغ قبل الثورة نحو 40 ألف خلية، كانت تنتج نحو 160 طناً من العسل الجيد سنوياً، موضحاً أن الخلية الواحدة تنتج ما بين 4 إلى 6 كغ من العسل، وذلك حسب العناية بها.

وأشار إلى أنه مع توالي سنوات الحرب، وتزامناً مع الظروف الصعبة التي يعيشها المواطن السوري، تراجع الاهتمام بتربية النحل رغم أهمية هذا النشاط، عازياً ذلك إلى عدم استقرار المناطق نتيجة عمليات الاستهداف من قبل قوات النظام والتي ترافقت مع عمليات نزوح المربين ولجوئهم إلى دول أخرى، يضاف إلى ذلك أن الغازات المنبعثة من القذائف أسهمت بنفوق عدد كبير من أنواع النحل في المناطق المحررة.

وأكد أن عدم إقبال المزارعين على زراعة بعض أنواع المزروعات التي يتغذى على أزهارها النحل، كحبة البركة واليانسون، وقيام المواطنين بقطع مساحات كبيرة من أشجار الكينا من المناطق الحراجية، كل ذلك أدى إلى انحسار المراعي، وقلل من الاهتمام بهذا النشاط الاقتصادي، موضحاً أن عدد الخلايا انخفض وتراجع بشكل كبير، حيث أن المتبقي منها لا يتجاوز 15 ألف خلية في جميع مناطق المحافظة. 

غسان، وهو أحد المربين القدامى، قال لـ "اقتصاد": "كنت أحد المربين المعروفين في المنطقة، عدت مؤخراً من الأردن، وحاولت إعادة النشاط إلى تربية النحل، لكني وجدت أن الأسعار مرتفعة جداً، حيث يصل ثمن الخلية إلى نحو 25 ألف ليرة سورية، كما أن أسعار العسل مرتفعة، حيث يصل الكغ إلى نحو 6 آلاف ليرة سورية"، لافتاً إلى أن كل شيء يفوق أسعاره بأضعاف، لاسيما المازوت والشمع والسكر، وغيرها من المواد الأساسية التي تدخل  في تربية النحل، وهو ما جعله يعيد النظر بهذه المهنة، كما يقول.

من جهته، أكد دكتور الباطنية، عبده الشيخ، أن للعسل قيمة غذائية كبيرة، وهو يتكون من السكريات والأملاح والفيتامينات وغيرها من المكونات المفيدة لصحة الإنسان، وبنيته الجسدية، لافتاً إلى أن العسل كمنتج طبيعي يوصف لعلاج العديد من الأمراض، لاسيما أمراض الكبد والأعصاب والقولون وأمراض الوهن العام وفقر الدم، إضافة إلى دخوله في تراكيب العديد من الأدوية وأنواع العلاج المختلفة وفي التراكيب التجميلية والصناعية أيضاً.  

ترك تعليق

التعليق