مخيم سليمان شاه في تركيا.. موت صامت جراء انقطاع الكهرباء


في منطقة صحراوية قاحلة على الحدود التركية السورية يقع مخيم "سليمان شاه"، أو مخيم تل أبيض، مترامي الأطراف، يضم أكثر من 50 ألف لاجىء سوري، يعانون ظروفاً مأساوية وأوضاعاً إنسانية وصحية مزرية بين مطرقة الإهمال وسندان الاستغلال، من نقص في الخدمات وتدنٍ في مستوى الرعاية الصحية وانقطاع متكرر للتيار الكهربائي أدى بدوره إلى ضحايا من الأطفال وكبار السن نتيجة ارتفاع درجة الحرارة في الصيف بالإضافة إلى تشديد الإجراءات التي تحد من حرية اللاجئين وتنقّلهم وسياسة التمييز بين الأتراك والسوريين.
 
يقع مخيم سليمان شاه في مدينة اقجقلة التركية التابعة لولاية أورفا ذات الأغلبية العربية والتركية، ويحتوي المخيم على 10 أحياء كل حي يحتوي كل منها على 400 خيمة، أي بمعدل 4000 خيمة وينقسم كل حي إلى أربع قطاعات أحمر وأخضر وأسود و أزرق، وفي بداية المخيم يقع قسم للإدارة والجندرما وفي منتصفه مدرسة ومول للمخيم.

الناشط أبو مهند الديري، الذي قدم من مدينة دير الزور إلى المخيم عام 2015، نقل لـ "اقتصاد" صوراً مأساوية للمخيم مشبهاً إياه بـ "السجن الكبير" للسوريين من كل النواحي وأولها كما يقول اهتراء الخيم التي مضى ثلاث سنوات على آخر تبديل لها رغم كل الظروف الجوية التي مرت بالمخيم.

 وأكد أبو مهند أن معاملة الأتراك للسوريين في مخيم سليمان شاه سيئة لأبعد الحدود لدرجة أن عدداً من اللاجئين اضطروا –كما يقول- لترك المخيم والرجوع إلى سوريا وبعضهم هاجر إلى أوروبا.

 وكمثال على عدم المساواة والمعاملة السيئة لفت محدثنا إلى أن راتب المختار التركي داخل المخيم 1300 ليرة تركي بينما يعمل المختار السوري بالمجان ودون أي راتب علماً أن لكل حي من الأحياء العشرة مختار تركي يساعده 4 مخاتير سوريين.

 ومن أمثلة التمييز وعدم المساواة في مخيم سليمان شاه-كما يؤكد محدثنا- تقاضي الموظفين الأتراك في مشفى المخيم رواتب لا تقل عن 2000 ليرة بينما هناك مركز للعلاج في المخيم يعمل فيه ويديره سوريون يعملون بالمجان ولا يتقاضون أي أجر ويعالجون أكثر من 50 مريضاً بشكل يومي.


ولا تقل الأوضاع الصحية للقاطنين في المخيم صعوبة عن الجوانب الأخرى حيث يضطر اللاجىء-كما يشير أبو مهند - إلى حجز دور منذ ساعات الفجر الأولى والانتظار طوال النهار تحت حرارة الشمس خارجاً حتى يتسنى له الدخول ليكتفي الطبيب بفحص المريض عيانياً دون الفحص السريري المعتاد ويطلب منه أن يحضر في اليوم التالي لأخذ الدواء دون أن يعرف المريض ما الذي يعاني منه أو سبب شكواه.
 
ويتوزع داخل المخيم 6 مولات تصرف كروت الإغاثة الخاصة بمنظمة الآفاد والهلال الأحمر للاجئين وتمارس هذه المولات بدورها استغلالاً ضد اللاجئين من خلال الأسعار العالية جداً مقارنة بالأسعار المعروفة خارج المخيم، ولا يكاد الكرت نصف الشهري يكفي لأسبوع -كما يؤكد أبو مهند- ويُمنع اللاجئون من شراء المواد بالكرت من خارج المخيم.
 
ولفت محدثنا إلى المشكلة الأكبر التي تواجه قاطني مخيم سليمان شاه وهي الإنقطاع المستمر للتيار الكهربائي وخصوصاً في فصل الصيف حيث تتحول الخيم المصنوعة من الخيش والنايلون إلى ما يشبه حمام الساونا.

 وقامت إدارة المخيم-كما يؤكد المصدر- بقطع الكهرباء قبل شهر رمضان لمدة 5 ساعات يومياً لشهرين كاملين، وتم توقيت الإنقطاع في ذروة النهار وأدى قطع الكهرباء وارتفاع درجة حرارة الخيم للعديد من حالات الوفاة منها الناشط الاعلامي "مصطفى المصطفى"، وهناك طفل توفي نتيجة الحر في ظل تكتم من إدارة المخيم حيال هذه الحالات.

ويترافق انقطاع الكهرباء مع انقطاع المياه أيضاً لتصبح المعاناة مزدوجة، ولجأت إدارة المخيم إلى فصل التيار الكهربائي الواصل إلى الخيم عن خيم الإدارة لتفادي انقطاع الكهرباء لديهم غير مبالين بأوضاع اللاجئين من انقطاع الكهرباء الذي تحول إلى كابوس يقض مضاجعهم.
 
وحاول عدد من الناشطين التواصل مع الإدارة للاستفسار عن سبب قطع الكهرباء دون جدوى وحينما لجؤوا لتنظيم مظاهرة صامتة هددتهم إدارة المخيم بالترحيل والتسفير خارج المخيم.

ورغم أن لاجئي المخيم بمجملهم فروا من الظلم والتسلط والتشبيح إلا أن الوضع داخل المخيم لم يكن بأحسن حال حيث يمارس كل موظف تركي تشبيحه الخاص وحسب مكانته –بحسب أبو مهند- الذي أوضح أن الشرطي الذي يقف على الباب مثلاً يمنع إدخال البضائع إلى المخيم إلا بمزاجه أو انتظاراً لتلقي رشوة، وكذلك الحال مع موظف قطع الاجازات في الاستشارية الذي يتذرع بحجج واهية أغلب الأحيان لمنع السوري من الخروج من المخيم، ولا يوفر المختار التركي حجة لتسفير أو طرد السوريين من المخيم بعد الدفع والرشوة.

 كل ذلك عدا صور التشبيح المزعجة على بوابة المخيم عند الدخول والخروج التي تعيد إلى الأذهان ممارسات حواجز النظام في المدن السورية.
 
كل هذه التجاوزات تتم بعيداً عن أعين وسائل الإعلام أو المنظمات الإنسانية والإغاثية بحسب محدثنا الذي أكد أن إدارة المخيم تمنع دخول هذه المنظمات وعند زيارة بعض المسؤولين يتم ادخالهم إلى حي يدعى حي الألف مخصص لزيارات المسؤولين ويتم إيهامهم بأن الوضع جيد في المخيم ويُمنع التصوير أو النشر على "فيسبوك" منعاً باتاً.

 وأكد أبو مهند أن "هناك أشخاصاً سوريين للأسف يوصلون أسماء كل من يكتب إلى إدارة المخيم"، مشيراً إلى أن "تهديدات عديدة وصلت للناشطين وتم احتجاز بعضهم لدى الجندرما في المخيم".

ترك تعليق

التعليق