سياحة بـ "مرافقة أمنية".. دراسة حول شلل قطاع السياحة السوري


للحديث عن القطاع السياحي في هذا الظرف السوري الخطير من تاريخ سوريا، لا بدّ من تناول النقاط الآتية بالدراسة:

أولاً ـ ميزات سوريا السياحية.
ثانياً ـ موقع السياحة في الاقتصاد السوري قبل الثورة.
ثالثاً ـ واقع القطاع السياحي في سوريا بعد الثورة.

ولنبدأ بالموضوع:

أولاً ـ ميزات سوريا السياحية:

تعتبر سوريا ـ وبحق ـ متحفاً طبيعياً مفتوحاً على امتداد أرض سوريا، ففي سوريا أكثر من 4000 موقع ومدينة أثرية يعود تاريخها من العصر الحجري إلى نهاية العهد العثماني.

ففيها القلاع الكثيرة كقلعتي دمشق وحلب، وفيها أوابد الحضارات كأوغاريت وعمريت وأفاميا وتدمر، وفيها الممالك كمملكة ماري وإيبلاوشهبا ومعلولا، وفيها المتاحف الكثيرة كمتحف دمشق الذي تأسس عام 1919م  ومتحف حلب...

وفي سوريا ساحل جميل طوله 193 كم، وفيها الأنهار والجبال والغابات والوديان والسهول والبادية...

وفيها التكلفة السياحية رخيصة أكثر من دول الجوار كتركيا ولبنان والعديد من الدول العالمية السياحية الأخرى...

وفيها شعب مضياف يحترم العرب والأجانب...

فسوريا في النتيجة حديقة غناء تتراقص فيها عموم مقومات السياحة المختلفة...

ثانياً ـ موقع السياحة في الاقتصاد السوري قبل الثورة:

إنّ من ينظر إلى مكوّنات الناتج القومي السوري سيلاحظ أنّ نسبة مساهمة القطاعات الاقتصادية في عام 2010م كانت كالآتي:

42% خدمات وتجارة.
26% قطاع زراعي.
14% قطاع سياحي.
12% قطاع صناعي.

وتوفر السياحة عمالة لحوالي 13% من مجموع القوى العاملة سوريا، وتوفر 31% من احتياطي النقد الأجنبي.

وبلغ عدد السياح عام 2007م ما يقارب 4.6 مليون سائح، وبلغ عام 2010 ما يقرب من 6.1 مليون سائح.

ويبلغ المتوسط السنوي للاستثمار في سوريا 6 مليار دولار.

إذن نجد أنّ قطاع السياحة يحتل المركز الثالث في الاقتصاد القومي السوري، ويسبق قطاع الصناعة، وله دور ريادي في احتياطي النقد الأجنبي؛ لذلك وجدنا أنّ مختلف الحكومات السورية تحاول زيادة نسبة الاستثمار في هذا القطاع.

ولولا الفساد الكبير في سوريا لحقّق هذا القطاع أضعافاً مضاعفة عما حققه، ولأصبحت سوريا قبلة السائحين...

ثالثاً ـ واقع القطاع السياحي في سوريا بعد الثورة:

من المعلوم أنّ السياحة العالمية ترتبط بشكل جوهري بالأمن والأمان، فإذا غاب هذان العنصران فقد تكاد تختفي السياحة من البلد، والمراقب للثورة السورية يجد أن سوريا أصبحت منطقة حرب مما قاد بشكل طبيعي إلى الأمور الآتية:

ـ غياب الأمن والأمان عن معظم سوريا.

ـ تدمير الكثير من البنى التحتية والمواقع الأثرية والخدمية في سوريا: فريف دمشق الذي تزيد مساحته عن مساحة لبنان، وفيه مواقع ومنشآت سياحية أكثر من لبنان قد دُمّر بما يقرب من 90% منها، وحلب وإدلب الرقة ودير الزور والحسكة والرقة وحماه ودرعا وحمص قد أصبحت مدن أشباح، فكيف يمكن أن تكون مدناً سياحية؟!، بالحقيقة لم يبق إلا الساحل السوري وفيه الكثير من المعاناة الاقتصادية والإنسانية...

ـ توقف الاستثمار السياحي في سوريا: رغم الدمار في بنيان القطاع السياحي، فإن الاستثمار في هذا القطاع يكاد يكون معدوماً، فإذا كان الاستثمار قبل الثورة يقرب من 6 مليار دولار سنوياً،فإنّه لن يتجاوز  200 مليون دولار كأقصى احتمال، فحكومة النظام تعيش أزمة مالية أوصلتها إلى حافّة الانهيار الاقتصادي، حتى أنّ سوريا أصبحت تُصنّف دولياً كجنوب السودان...!!

ـ مقاطعة معظم دول العالم لحكومة النظام: فبالتالي إنّ الدّول الأجنبية لم تعد تهتم بالعلاقات مع سوريا، فمن باب أولى ألا تشجع مواطنيها للقدوم إلى سوريا، ولم يبق إلا إيران وميليشياتها، فالسياحة الدينية الإيرانية والعراقية ازدادت كثيراً، لكن أغلبهالأهداف سياسية وعسكرية وليست بغرض السياحة...

ـ وفي وسائل الإعلام العالمية تعتبر سوريا موطناً للإرهاب: فهذا بدوره يكاد يحجب السياحة عن سوريا.

هذه الأمور مجتمعة قد جعلت من قطاع السياحة قطاعاً مشلولاً، لا يمكن أن يساهم في الناتج المحلي إلا بأرقام زهيدة جداً، وبهذا يكون قد حُرم الاقتصاد السوري قطاعاً هاماً كان يُسهم بشكل كبير في الاقتصاد...

والأمر لم يعد سرّاً، فحسب بيانات وزارة السياحة، بلغت خسائر قطاع السياحة 330 مليار ليرة سورية، منها أضرار مباشرة بقيمة 165 مليار ليرة، وأضرار غير مباشرة بقيمة 135 مليار ليرة، وتمّ خروج 1200 منشأة سياحية عن العمل، وذلك منذ اندلاع الثورة السورية، والحقيقة أنّ الرقم هو أكبر من ذلك بكثير...

والغريب أنّ حكومة النظام لم تجد حرجاً في الإعلان عن اتخاذ السياحة في سوريا شكلاً جديداً برعاية أمنية وبالتعاون مع كل من روسيا وإيران، فقد صرّح وزير السياحة بشر اليازجي لصحيفة الوطن: "ببدء التجهيز لإطلاق شركة أمنية سياحية (خصخصة الأمن!!)، تقدّم خدماتها لحماية الأفواج السياحية والمغتربين ورجال الأعمال والإعلاميين، إضافة لحماية المنشآت السياحية"...

ولم يكتف الوزير بذلك، بل تطرق بأنّ الوزارة تتخذ اجراءات مع الجانب الإيراني والروسي لتفعيل التعاون في مجال السياحة الدينية التي تواجه انخفاضاً في عدد الزوار بسبب عدم وجود وسائل نقل جوية إلى سوريا...

فأية سياحة هذه إذا كان كلّ شيء في قطاع السياحة يحتاج لحماية أمنية...؟!

هذا إن دلّ على شيء، فإنّما يدل على وصول قطاع السياحة السوري مرحلة الشلل بامتياز..!!

وبشلل قطاع السياحة في سوريا يكون الاقتصاد السوري بقطاعاته كافّة بات في وضع يجعله على حافّة الانهيار...

ترك تعليق

التعليق