أحمد جركين.. قصة تفوق لم تُعِقها صعوبات التأقلم في مصر


بخلاف المشهد العام لمأساة السوريين في الداخل، وفي بلدان اللجوء، يبدو أن السوريين يأبون إلا أن يثبتوا أن تميزهم هو القاعدة، وأن مأساتهم هي استثناء وجيز في حياة أبناء هذا البلد.

أحمد جركين، وصل إلى الاسكندرية بصحبة أسرته، عام 2013، وكان قد نال شهادة التاسع (الكفاءة)، بمعدل ممتاز، من سوريا، حيث خسر 3 درجات فقط أقل من المجموع النهائي، (307/310).

لم يواجه أحمد صعوبات في الالتحاق بالتعليم في المدارس المصرية من الجانب الرسمي، حيث تُعامل السلطات المصرية، السوريين، معاملة المصريين. لكن الصعوبات كانت مرتبطة بفوارق كبيرة في القواعد غير الرسمية، التي تحكم الحياة التعليمية المصرية، في المرحلة الثانوية.

قواعد لم يكن أحمد يعرفها في سوريا، ناهيك عن صعوبات كان عليه التأقلم معها، وكسرها، أبرزها، اللهجة، التي استطاع في فترة قصيرة تفهمها، وفي فصل واحد، خلال صف العاشر، تحولت اللهجة المصرية إلى صديقة بالنسبة لأحمد، الذي بات يستوعبها، وكأنها لهجته الأم.

لكن أحمد لم يخفِ على "اقتصاد"، في حوار خاص معه، صعوبات أخرى، كان التأقلم معها يتطلب دعماً من الأهل، من أبرزها، الحاجة لدروس خصوصية.

وأخبر أحمد "اقتصاد"، أنه تلقى صدمة قاسية خلال الفصل الأول من صف العاشر (الأول الثانوي العام)، في مصر، فقد خسر حوالي 12 علامة من المجموع العام، الأمر الذي لم يكن معتاداً عليه في سوريا.

الصدمة أجبرته على تفهم القواعد التي تحكم التعليم الثانوي في مصر، وأبرزها، الحاجة إلى شراء كتب خارجية ومذكرات لمدرسين، حيث لا تكفي الكتب المدرسية في تحصيل المجموع المأمول في مصر.

القاعدة الثانية العصيبة، هي الحاجة إلى دروس خصوصية، تعد قاعدة ثابتة لا غنى عنها، مطلقاً، للنجاح والتفوق، في التعليم بمصر.

وفي الصف الحادي عشر، بدأ أحمد يضطر للدروس الخصوصية، التي شكلت عبئاً مادياً على كاهل أهله، لكنهم أبوا إلا أن يبذلوا قدر استطاعتهم في سبيل دعم تفوق ابنهم، كي يتجاوز واحدة من أشد مراحل حياته مصيرية، وهي الثانوية العامة.

والد أحمد، أسامة، كان مدرساً للغة الإنكليزية في سوريا، يتحدر من جسر الشغور في محافظة إدلب. وفي الاسكندرية بمصر، اضطر الوالد إلى أن يفتتح محلاً لبيع المنظفات ومستلزماتها.

قال أسامة لـ "اقتصاد" إنه واجه الكثير من الصعوبات للتأقلم مع الحياة في مصر، في السكن وترتيب مجال العمل، وفي الحصول على جوازات السفر، وسواه، لكن ذلك، لم يمنعه من دعم ابنه أحمد، الذي تميز دراسياً في سوريا.

عبء الدروس الخصوصية لم يكن سهلاً، فتكلفتها الشهرية وصلت في الثاني الثانوي إلى 500 جنيه مصري بصورة وسطية، وارتفعت في الثالث الثانوي (البكالوريا) إلى أكثر من 1000 جنيه مصري.

لكن أحمد أحسن استثمار مساعي أهله، وأتقن عمله، وتجاوز كل الصعوبات التعليمية التي واجهها، والتي كان من أبرزها، حسب وصفه، ضخامة المناهج والحشو الكبير فيها.

أخبرنا أحمد أن امتحان البكالوريا العلمي، المصري، يعتمد على "الحفظ، ثم الحفظ، ثم الحفظ".

واستطاع أحمد تجاوز هذه العقبة بالفعل، وتفوق في نتائجه، فكان الأول على الوافدين في البكالوريا العلمية المصرية، للموسم 2016.

أحمد حصّل 369 درجة، من أصل 370 درجة، أي خسر درجة واحدة فقط، تقسمت بين نصف درجة في مادة اللغة العربية، ونصف درجة في اللغة الإنكليزية.

وحقق أحمد حلمه الذي راوده منذ كان في المرحلة الابتدائية في سوريا، أن يكون طبيباً، وسجّل في "طب بشري" في الاسكندرية، حيث يتم معاملة السوريين معاملة المصريين، في المرحلة الجامعية الأولى، في مصر.

سألنا أحمد، كيف عامله المدرسون المصريون، كسوريّ، قال لنا، "عاملوني أحسن من معاملة المصريين، وكانوا يولون اهتماماً خاصاً بالسوريين".

وحظي أحمد جركين بحفل تكريم أقامه نشطاء حقوقيون سوريون، في مصر. وتم التكريم باسم السوريين، للشاب الذي سجل حضوراً لهم في قائمة المتفوقين دراسياً على مستوى جمهورية مصر العربية.

قصة نجاح أحمد جركين، ليست إلا قصة جديدة من سلسلة نجاحات السوريين التي تزخر بها وسائل الإعلام العربية والعالمية، بصورة شبه أسبوعية. هي دليل آخر على أن هذا السوريّ يتعلم من الألم، القدرة على الإبداع، ومؤشر يوحي بأن المستقبل لا بد أن يكون مشرقاً لمن يحوّل الصعوبات إلى دوافع أكبر للنجاح.

(صورة من حفل تكريم أحمد جركين، أقامه نشطاء حقوقيون سوريون في مصر)

ترك تعليق

التعليق