موظفو درعا.. ما بين جمر خسارة الوظيفة ونار "دورات الحماية الذاتية"
- بواسطة خاص - اقتصاد --
- 14 آب 2016 --
- 0 تعليقات
لم يترك النظام وسيلة للتضييق على المواطنين وإذلالهم، إلا واستخدمها.. فالنظام الذي مزق البلاد ودمر الحجر والضرع والبشر وهجر الملايين وأعدم واعتقل مئات الآلاف، في سابقة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، لم يعد يكتفي بكل ذلك، بل بدأ يلجأ إلى ابتزاز كل من يعمل معه في الدوائر الحكومية في لقمة عيشهم ومصدر دخلهم، وزجهم في مواجهات مع الثوار، من خلال إجبارهم على الخضوع لما يسمى بدورات "الحماية الذاتية"، مستغلاً بذلك حاجتهم للعمل، ولمصدر رزق يحافظون به على ما تبقى من ماء الوجه وبعض الكرامة.
يقول أبو عزيز، الرجل الخمسيني، "بقي لي عامان في الوظيفة وأحال على التقاعد براتب تقاعدي جزئي، لكن فرحتي لم تكتمل، كما يقال، بسبب ترشيحي من قبل مدير دائرتي التي أعمل بها، للخضوع لدورة من دورات الحماية الذاتية، التي بدأ النظام يقيمها، ما جعلني في صراع مع ذاتي وفي حيرة من أمري، هل أخضع وأصبح مشاركاً إلى جانب قوات النظام في محاربة الشعب؟، أم أترك العمل وأنسحب وبذلك أفقد مصدر رزقي"، لافتاً إلى أنه فضل الخيار الثاني رغم صعوبة الوضع، لأنه لا يريد تعريض نفسه لخطر المواجهات مع الآخرين، حسب وصفه.
وأضاف أبو عزيز أنه منذ بداية العام يجلس في بيته عاطلاً عن العمل معتمداً على قطعة أرض يملكها، وعلى بعض المساعدات المالية التي تأتيه من ابنه في الأردن، كوسيلة رزق للإنفاق على عائلته المكونة من زوجة وطفلة، 11 عاماً، لافتاً إلى أن مئات الموظفين رفضوا الانتساب لهذه الدورات، وأصبحوا عاطلين عن العمل وبلا مصدر رزق مثله، نتيجة تركهم لوظائفهم.
مصدر مطلع من داخل مدينة درعا، أكد أن الخضوع لدورات الحماية الذاتية بالنسبة للموظفين بات إجبارياً، وأن هناك تعاميم إلى الدوائر الحكومية من الجهات المختصة بهذا الخصوص، مشيراً إلى أن كل من يرفض الخضوع لهذه الدورات، يعرض نفسه للمساءلة القانونية والطرد من الوظيفة، أو إلى المضايقات والإزعاج من قبل قوات النظام وأجهزته الأمنية، سواءا في منزله أو على الحواجز.
وأشار المصدر إلى أن "من يخضع لهذه الدورات هم من كبار السن من الموظفين الذين تجاوزوا سن التكليف والسحب للخدمة العسكرية في صفوف قوات النظام، أما من هم دون الرابعة والأربعين سنة، فيُساقون غالباً إلى الاحتياط بعد إخضاعهم لدورات تدريبية في معسكرات النظام، للمشاركة في معارك النظام ضد الشعب"، حسب وصف المصدر.
وأضاف المصدر أن هذه الدورات "بدأت تقريباً في العديد من المحافظات السورية منذ بداية العام الحالي، ويقال أنها ممولة من /رامي مخلوف/ وإن كانت محسوبة على حزب البعث"، لافتاً إلى أن هذه الدورات سبقتها حملة دعائية كبيرة من قبل أجهزة النظام، لتكون تطوعية، لكنها لم تلق أي قبول في صفوف المواطنين، ليتم فرضها إجبارياً على الموظفين مع بعض الحوافز المادية، مثل الحصول على نصف راتب على الراتب الأساسي، بالنسبة للموظفين، أو تأمين عقد عمل لأحد أفراد أسرة الموظف الخاضع للدورة، والخدمة في أماكن قريبة من سكن الموظف، وغيرها من وسائل التحفيز الوهمية، التي يُضرب بها عرض الحائط لاحقاً بعد توريط الموظف بالدورة، وفق المصدر.
ولفت محمد، وهو موظف في مديرية عقارات درعا، إلى أنه أُخضع إلى دورة لمدة أسبوع بالقوة، موضحاً أن المحاضرات والدروس كان يقدمها ضباط من قوات النظام، وهي تتركز حول استخدامات الأسلحة الفردية الكلاشنكوف والمسدس وعمليات فكهما وتركيبهما، إضافة لتدريبات اللياقة البدنية، ومحاضرات ثقافية وسياسية، تدور حول الوضع داخل سوريا، وتحث على محاربة الثوار والجماعات المسلحة.
وأضاف محمد أن كل موظف يخضع للدورة يصبح متعاقداً مع الجهات العسكرية المختصة ويحصل على نصف راتب إضافي كمهمة، مشيراً إلى أن هناك متطوعين يتعاقدون بسبب الظروف الصعبة وبسبب عدم وجود فرص عمل أخرى، ويحصل الواحد منهم على راتب شهري يتجاوز الـ 30 ألف ليرة سورية، إضافة إلى بعض الحوافز.
وأكد محمد أن معظم المتطوعين هم من "شبيحة النظام وأنصاره ومؤيديه"، مشيراً إلى أن الدورات في درعا بدأت تشهد دخول بعض المتطوعات من نساء الشبيحة والمحسوبين على النظام، يتم تكليفهن بأعمال إدارية.
من جهته، أكد عبد الله، وهو أحد الموظفين الذين خضعوا لإحدى دورات الحماية الذاتية، وهرب في نهايتها، أن "المهام التي يكلف بها الخاضعون لهذه الدورات هي استبدال قوات النظام على الحواجز، عندما تكون هناك حاجة لذلك، والقيام بعمليات تفتيش المواطنين، ومؤازرة قوات الأمن في البحث عن المطلوبين"، لافتاً إلى أن من مهام الموظفين الخاضعين للدورات أيضاً، القيام بحفظ الأمن في المناطق التي خضعت لمصالحات مع النظام، وتسيير الأمور في المناطق التي استعادت قوات النظام السيطرة عليها، من أيدي الثوار.
مصدر في الجيش الحر أكد أن "ما يسمى بدورات الحماية الذاتية التي يقيمها النظام، هي دليل على إفلاس قوات النظام وعدم قدرتها على الصمود طويلاً، بسبب الخلل الذي أصابها نتيجة الضربات الموجعة التي تتلقاها من فصائل المعارضة"، لافتاً إلى أن قوات النظام في درعا تعاني من الخوف ومن انخفاض الروح المعنوية، بسبب استهدافها من الثوار بشكل شبه يومي.
وأضاف المصدر أن "النظام بدأ بزج كبار السن في مواجهة الثوار وذلك للتخفيف من استهداف قواته على الحواجز"، موضحاً أن ذلك لن يغير شيئاً لأن الثوار يستهدفون الحاجز أو الموقع، التابع للنظام، بغض النظر عمن يتواجد فيه، حسب وصفه.
عبد الرحمن، أحد الموظفين الرافضين للدورات، أشار إلى أن من يخضع للدورات من الموظفين هم قلة لأن عدد الموظفين في دوائر النظام في محافظة درعا انخفض بشكل كبير بسبب النزوح والاعتقالات والمضايقات الأمنية، مبيناً أن معظم ما تبقى في دوائر الدولة هم من المحسوبين على بعض جهات النظام، التي باتت بدورها تحاول التضييق عليهم، بهدف التخلص منهم من خلال وضعهم في مواجهة الثوار، حسب وصف عبد الرحمن.
يشار إلى أن محافظة درعا شهدت تخريج عدة دورات في هذا الإطار وأن من التزم بها هم من المناطق التي تخضع تحديداً لسيطرة قوات النظام لاسيما في مدن درعا وازرع والصنمين وقرفا وجباب وغيرها، إضافة إلى بعض المناطق التي عقدت مصالحات مع النظام مؤخراً.
التعليق