العملة السورية وحاكم المركزي الجديد.. التغيرات في السياسة والنتائج المتوقعة



في ظل حاكم البنك المركزي السوري القديم، كان يُركّز في سياسته النقدية على شركات الصرافة والمصارف، مع أولوية واضحة لشركات الصرافة في سياسته النقدية.

وعندما تمّ تعيين حاكم جديد لمصرف سوريا المركزي، انتقد الحاكم الجديد السياسة القديمة لسلفه، والتي كانت تعتمد بشكل أساسي على شركات الصرافة، وقرّر الاعتماد على المصارف في سياسته النقدية الجديدة بدلاً من شركات الصرافة.

وتمّ تداول هذا الحديث على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ووصل تداوله إلى المستوى الشعبي العام.. حتى بدا للكثير من الناس أنّ الحاكم الجديد بسياسته الجديدة سيعيد الأمور النقدية إلى مسارها الطبيعي، وبالتالي سوف تنتعش العملة السورية..!!

وهنا لابدّ من الإجابة على الأسئلة الآتية:

السؤال الأوّل: ما الفارق ما بين المصارف وشركات الصرافة؟!

السؤال الثاني: أيها أكثر مهنية في السياسة النقدية؟!

السؤال الثالث: هل يستطيع حاكم المصرف المركزي الجديد أن يُنقذ العملة السورية؟!


والآن نجاوب على الأسئلة المطروحة مع التركيز على السؤال الأخير؛ لأنّه هو الجوهري.

جواب السؤال الأوّل: ما الفارق ما بين المصارف وشركات الصرافة؟!

في الحقيقة، العلاقة ما بين شركات الصرافة وما بين المصارف، كعلاقة الجزء بالكل، فشركات الصرافة من حيث نشاطها تعتبر جزءاً من طبيعة عمل المصارف، فشركات الصرافة تقوم ببيع وشراء العملات، وتصدر الحوالات وتستلمها، وهناك بعض شركات الصرافة في بعض الدول تتاجر بالذهب بموافقة المصرف المركزي.

 أما المصارف فتقوم بالإضافة إلى تلك الوظائف بوظائف أخرى كثيرة مثل فتح إجازات الاستيراد والتصدير، ومنح القروض والتسهيلات الائتمانية، وبيع وشراء الأوراق المالية..

فبالتالي البنوك تقدّم خدمات للاقتصاد بشكل أكبر من شركات الصرافة.

ونشير إلى أنّ شركات الصرافة والمصارف تخضع لرقابة وتوجيه المصرف المركزي بشكل دائم.

جواب السؤال الثاني: أيها أكثر مهنية في السياسة النقدية؟!

بالحقيقة، نجد أنّ المصارف أكثر مهنيّة على مستوى الاقتصاد العالمي، وتُعتبر ذات فاعلية كبيرة جداً في الاقتصاديات العالمية، وعادة تعتمد المصارف المركزية العالمية على المصارف في تنفيذ سياساتها النقدية، وليس على شركات الصرافة؛ بل إنّ شركات الصرافة بالأصل تعتمد على المصارف في كثير من نشاطاتها..

ومن ناحية أخرى، نجد أنّ المصارف - عادة - تحترم سمعتها الاقتصادية بشكل كبير، لذلك نجد سقطاتها وتحايلها على السياسات النقدية أقل من شركات الصرافة.

ولذلك نجد أنّ حاكم مصرف سوريا المركزي الجديد حاول بقراره إعادة الأمر إلى نصابه؛ أي إعادة إعطاء المصارف دورها الحقيقي في تنفيذ برامج السياسة النقدية، وذلك على عكس سلفه الذي عمل بعقلية المضارب، وليس بعقلية حاكم لمصرف مركزي يدير سياسة نقدية لدولة..!!

جواب السؤال الثالث: هل يستطيع حاكم المصرف المركزي الجديد أن يُنقذ العملة السورية؟!

بالحقيقة، ليس النجاح بالسياسة الاقتصادية مرتبطاً بالأشخاص، بل يرتبط بأمرين اثنين:

الأمر الأوّل:  أدوات السياسة النقدية المستخدمة:

وبالحقيقة لدينا الأدوات الآتية أمام صاحب القرار:

1 ـ استخدام معدل سعر الخصم.
2ـ ـ سياسة السوق المفتوحة: أي بيع وشراء الأوراق المالية والتجارية عن طريق المصارف.
3 ـ سياسة تعديل نسبة الاحتياطي الإجباري للمصارف.

وهذه هي الأدوات الأساسية المستخدمة في الاقتصاديات العالمية، وهناك أدوات أخرى تتمثّل في التوجيهات والنصائح والأوامر إلى المصارف وشركات الصرافة، وتستطيع المصارف المركزية أن تُلزمها بها.

فهل هذه السياسات تعتبر قادرة على حلّ مشكلة العملة السورية؟!

هذا ما ينقلنا إلى مناقشة الأمر الثاني.

الأمر الثاني:  الواقع الاقتصادي:

بالحقيقة إن نجاح أية سياسة اقتصادية يرتبط بالأساس بالواقع الاقتصادي للبلد، وفي سوريا لدينا مشاكل بنيوية في الاقتصاد، سواء في القطاع الصناعي أو الزراعي أو السياحي أو باقي قطاع الخدمات، ويكفي أن نشير إلى أنّ الناتج القومي السوري كان عام 2010، 56 مليار دولار، فانخفض إلى 23 مليار دولار عام 2014، وما زال في انخفاض، وانخفض متوسط الدخل الفردي من 2100 دولار عام 2011 إلى 1000 دولار عام 2014، والانخفاض مستمر، ونسبة البطالة زادت عن 60%، وانخفض احتياطي النقد الأجنبي ليصل إلى 700 مليون دولار عام 2015 حسب التقديرات الدولية، ونسب الفقر في ازدياد، ووصل الأمر بحكومة النظام إلى ضعف كبير حتى بمواردها من العملة السورية؛ لذلك لجأت إلى الإصدارات النقدية من دون تغطية؛ مما زاد التضخم بأرقام مخيفة، إذ انخفضت العملة السورية بأكثر من أحد عشر ضعفاً، مما جعل المعدّل العام للأسعار يرتفع بشكل خيالي..

وما زالت الحرب مستمرّة، وما زالت تكاليفها في زيادة، وما زال الاقتصاد السوري وفي كلّ المقاييس يتراجع..

ومن هنا نستطيع أن نقول: إنّ استخدام وسائل السياسة النقدية لحل مشاكل العملة السورية لا يجدي نفعاً حقيقياً، فأدوات تلك السياسة ضعيفة التأثير على اقتصاد يتهاوى، عدا عن حقيقة أنّ تلك الأدوات لا تجدي نفعاً إلا في اقتصاد نظامه المالي والمصرفي يمتازان بالقوة والتنظيم والمرونة، بينما الوضع المالي في سوريا ضعيف وغير منظم وغير مرن، وتحكمه السياسة والأمن وليس الاقتصاد.. لذلك نجد أن حاكم مصرف سوريا القديم - وذلك لعلمه بعدم جدوى تلك الأدوات النقدية - كان يلجأ إلى ضخ الدولار في الاقتصاد والمضاربة بالعملات من خلال بيع وشراء الدولار، بغية التأثير على سعر الصرف.

وحاكم المصرف الجديد ليس أمامه خيارات لإنقاذ العملة السورية، فالاقتصاد السوري يعاني من مشاكل هيكلية، وبالتالي ليس أمامه إلا ما فعله مَنْ قبله؛ أي سيلجأ إلى ضخ الدولار من فترة لأخرى، لكن بالاعتماد على المصارف بدل شركات الصرافة، وبالحقيقة لن يغير هذا من الأمر شيئاً يُذكر، خاصة وأنّ مصادر العملة الصعبة ضعيف عند حكومة النظام، فالسياحة الأجنبية توقفت، والتصدير ضعيف جداً، والنفط قد توقف تصديره.. ولم يبق أمامه سوى حوالات المغتربين والقروض الأجنبية والحصول على الدولار من المناطق المحررة، وهذه المصادر مجتمعة لا تستطيع إغراق السوق من أجل استعادة قيمة العملة السورية أو المحافظة على قيمتها، هذا عدا عن الاختلالات البنيوية التي تشل الاقتصاد السوري.

فمن حيث النتيجة: لا قدرة لأصحاب القرار في النظام على استرجاع قيمة العملة السورية أو المحافظة عليها، لأنّ الاقتصاد السوري شبه مشلول، ويجتمع ذلك الشلل مع الحرب والفساد الذي أدى إلى تآكل الاقتصاد السوري..

ترك تعليق

التعليق