بالأرقام.. كيف يشارك رامي مخلوف في تجويع السوريين باستخدام الخليوي؟


استغلت شركتا الخليوي في سوريا احتكارها للسوق المحلية، وانقطاع الاتصالات الأرضية في أغلب المناطق، فقامت قبل نحو شهرين برفع أسعار مكالماتها بنسبة 30 بالمئة للمرة الثالثة منذ انطلاق الثورة السورية، متذرعة بارتفاع سعر صرف الدولار الذي وصل إلى أكثر من 620 ليرة حينها، بالإضافة إلى عمليات "التخريب" التي تعرضت لها بنيتها التحتية في المناطق الساحنة..

غير أنه بعد أيام من قرار رفع الأسعار وقبل أن يتم تطبيقه بشكل فعلي، لم يلبث الدولار أن انخفض إلى ما دون الـ 500 ليرة ومازال منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ثابتاً على هذا السعر.. فلماذا لم توقف شركتا الخليوي قرار رفع الأسعار إذا كان السبب هو ارتفاع الدولار..؟!

ومن جهة ثانية، ما هي الآثار السلبية لقرار رفع أسعار مكالمات الخليوي على دخل السوري الذي اضطر في هذه الحالة لأن يقتطع جزءاً كبيراً من قوت عياله غير الموجود أصلاً، لصالح جيوب مالكي الشركتين التي تستحوذ إحداهما وهي شركة "سيريتل" لصاحبها رامي مخلوف على حصة أكثر من 60 بالمئة من السوق السورية..؟

ومن جهة ثالثة، ما هي حجم المكاسب التي جنتها الشركة من هذا القرار وما علاقته بتمويل حرب النظام على الشعب السوري..؟

موقع "اقتصاد" حاول تتبع كل هذه المعطيات من خلال التواصل مع عدد من المهتمين والمراقبين داخل سوريا، بالاضافة إلى استطلاع رأي شريحة من السوريين في الداخل، وكيف انعكس الأمر على مستوى دخلهم..
 
يقول مسؤول سابق في الاتصالات في تصريح خاص لـ "اقتصاد"، طلب عدم الكشف عن اسمه، وهو من المسؤوليين الذي اضطروا لمغادرة البلد بعد نحو عامين على انطلاق الثورة السورية وهو على رأس عمله بمرتبة مدير، وذلك لتعرضه للمضايقة لاطلاعه على أجهزة التنصت والمراقبة التي زرعها النظام في المناطق الساخنة، يقول:

"كانت شركتا الخليوي، توفران إيرادات للدولة بمقدار مليار و 200 مليون دولار في العام قبل الثورة السورية، وهذا الرقم يشكل تقريبا 3 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي ونحو 8 بالمئة من الموازنة العامة للدولة، كما أنه يعني فيما يعنيه أن الشركتين تحصدان إيرادات ثلاثة أضعاف هذا المبلغ.. على اعتبار أن حصة الحكومة السورية نحو 30 بالمئة من الأرباح.. كما عمدت الشركتان إلى رفع أسعارهما ثلاث مرات بعد الثورة، في العام 2013 والعام 2015 وفي العام 2016 بداية شهر حزيران، بمجموع كلي يعادل الضعف عما كانت عليه الأسعار قبل الثورة السورية".
 
ويضيف المصدر، "غير أن التطور الأهم في قصة شركتي الخليوي في سوريا، كان مع بداية العام 2015 عندما تم تحويل عقد الشراكة مع الدولة إلى "رخصة"، أي تم الترخيص لهما بشكل رسمي للعمل داخل الأراضي السورية ولمدة عشرين عاماً أي حتى العام 2034، بعد أن كان عقدهما مع الحكومة السورية في السابق عقد شراكة، وكان يفترض في ذلك العام أن تؤول ملكيتهما للدولة".
 
أما عن الفائدة واللعبة المشتركة بين الشركتين والدولة، يتابع محدثنا: "إن الترخيص للشركيتين تم وفق اتفاق مع حكومة النظام على الصيغة التالية، أن تحصل الدولة في العام الأول على نسبة 50 بالمئة من الأرباح وفي العام 2016 على نسبة 40 بالمئة من الأرباح ثم من العام 2017 وحتى نهاية مدة الترخيص في العام 2034 تحصل الدولة على نسبة 30 بالمئة من الأرباح الصافية للشركيتين"..

 فماذا يعني هذا الكلام؟، يتساءل مصدرنا، ويتابع، "إن من يراقب النتائج المالية للشركتين منذ العام 2015 أي بعد الترخيص لهما، وحتى اليوم، يجد أن الأرباح أصبحت أكثر مما كانت عليه قبل الثورة السورية، في وقت أعلنت فيه شركة سيرتيل أن 60 بالمئة من شبكتها خارج الخدمة بسبب تعرضها للتخريب أو بسبب خروج مناطق بأكملها عن سيطرة الدولة.. لكن كيف تزيد أرباح الشركة ومن ثم تقول أن 60 بالمئة من شبكتها خارج الخدمة..؟!".

فعلى سبيل المثال، يوضح محدثنا، "بلغت إيرادات شركة سيرياتيل في العام 2015 لوحده أكثر من 70 مليار ليرة سورية، يشكل الربح الصافي منها بحسب بيانات الشركة أكثر من 8 مليارات ليرة، ذهب نصفها للدولة التي تمول بها عملياتها العسكرية، أما شركة "إم تي إن" فقد بلغت إيراداتها نحو 50 مليار ليرة بربح صافي أكثر من 5 مليار ليرة، علماً أن الشركيتن وكما جرت العادة تقدمان بيانات عن مصروفاتهما أكبر بكثير من الواقع، تارة بحجة تطوير الخدمات وتارة أخرى بحجة إجراء الإصلاحات، بمعنى أن الأرباح الحقيقية للشركتين هي أكبر من الأرقام المتداولة..!!".

وفي هذا العام أعلنت الشركتان عن الزيادة في أرباحهما في الربع الأول، حيث أعلنت سيرياتيل عن إيرادات تجاوزت الـ 20 مليار ليرة و"إم تي إن" تجاوزت إيراداتها لنفس الفترة أكثر من 14 مليار ليرة.
 
ويستطرد ضيفنا، "التفسير الوحيد لهذه الأرباح، هو من خلال زيادة الأسعار ثلاث مرات من جهة، ومن جهة ثانية تشير بيانات النظام ذاته إلى أن هناك نحو 7 مليون سوري غادروا المناطق الساخنة واستقروا في مناطق النظام، في ظل انقطاع تام للاتصالات الأرضية في مناطق شاسعة من سوريا، ما دفع الناس لاستخدام الخليوي للتواصل مع ذويهم في الشتات".

لذلك، يضيف محدثنا، "إن خدمة الاتصالات لم تعد خدمة كمالية في حياة السوري، بل أصبحت في كثير من الأحيان أهم من مأكله ومشربه أو جزءاً لا يتجزأ من مصروفاته الأساسية، الأمر الذي دفع الدولة وشركتا الخليوي لاستغلال هذه الحاجة وجني إيرادات إضافية منها".

وفي جولة لـ "اقتصاد" استطلعت فيها آراء بعض السوريين في الداخل عن التكلفة الحقيقية التي يدفعونها ثمن اتصالاتهم ونسبتها من مدخولهم الشهري، تقول منار وهي صحفية تقيم في دمشق، أن مدخولها الشهري لا يتجاوز الـ 30 ألف ليرة بعد كل التعديلات والزيادات التي جرت عليه، تدفع منها شهرياً ثمن اتصالات بين 7 آلاف إلى 10 آلاف ليرة، للتواصل مع أفراد أسرتها الذين شتتهم الحرب في عدة مناطق داخل سوريا.

وتضيف، أن دخلها قبل الثورة كان نحو 20 ألف ليرة سوريا، تدفع منها نحو ألف ليرة سورية لاتصالات الخليوي.. وقبل الزيادة الأخيرة على المكالمات في الشهر السادس من العام الحالي، كانت تدفع نحو خمسة آلاف ليرة في أحسن الحالات ثمناً لاتصالاتها..

أما بسام، وهو صحفي يعمل في دمشق أيضاً، فيرى أن السوري يحاول أن يوفر في كل شيء، بما فيه الأكل، ويبحث عن الحد الأدنى، إلا في موضوع الاتصالات، فإن الحد الأدنى بحد ذاته يشكل جزءاً كبيرا ًمن دخله..

ويتابع، "لا يمكن مهما حاول أن تنخفض تكلفته اتصالاته عن الثلاثة آلاف ليرة في الشهر.. وفي حال وجود أكثر من هاتف لدى أفراد الأسرة فهذا يعني أن التكلفة قد تصل في كثير من الأحيان إلى أكثر من 40 بالمئة من دخل الأسرة".

ويضيف بسام، "الزيادة الأخيرة على مكالمات الخليوي، كلفتنا ألف ليرة جديدة تقريباً في الشهر، والأمر خاضع للزيادة بحسب الظروف والأحداث.. فمثلاً حادثة ما في منطقة معينة يتواجد فيها أقارب أو أهل لك، يدفعك للخروج عن طورك وإجراء اتصالات دون النظر لعواقب التكلفة.. وهذا غالباً ما يحدث في الشهر مرة أو مرتين".
 
 تجدر الإشارة إلى أنه وفق الزيادة الأخيرة على مكالمات الخليوي والتي جرى تطبيقها في الأول من شهر حزيران الماضي، حددت الشركات سعر دقيقة الاتصال من الخط اللاحق الدفع إلى خلوي بـ 11 ليرة سورية وإلى أرضي بـ 14 ليرة، وسعر الدقيقة من الخط مسبق الدفع إلى خلوي بـ 13 ليرة وإلى أرضي بـ 16 ليرة، وخدمة الجيل الثالث من الانترنت، بالنسبة للخطوط المسبقة واللاحقة الدفع بـ 11 ليرة لكل ميغابايت.

ترك تعليق

التعليق