"درعاوي": لن أستطيع أن أقدم لأولادي ما يفرحهم بالعيد

انقضت الأيام الرمضانية، بما حملته من بوادر خير ورحمة، إلا أن السوريين ولاسيما في محافظة درعا، التي تخضع معظم مناطقها لحصار خانق من قبل قوات النظام، مازالوا يعيشون ظروفاً اقتصادية صعبة، تفاقمت وازداد أثرها خلال شهر رمضان المبارك، الذي اعتادوا خلاله الزيادة في الإنفاق المالي على الطعام والشراب، الأمر الذي أثقل كاهلهم بمبالغ إضافية وديون جديدة ترتبت عليهم، وبات البحث عن مصادر لسدادها أمر يؤرق كثيراً من الأسر، زاد عليها استحقاقات عيد الفطر السعيد وما تتطلبه من مبالغ إضافية ولو في الحد الأدنى، وفق ما أفاد به عدد من أبناء المحافظة، في تصريحات خاصة لـ "اقتصاد".

فعلى الرغم من أن الاستعدادات والتحضيرات لعيد الفطر تبدأ مع نهاية الأسبوع الأخير من رمضان، كما جرت العادة في  كل سنة، إلا أنها في هذا العام تبدو غائبة فلا تحضيرات ولا استعدادات واضحة ولا مظاهر احتفالية إلا على نطاق ضيق، فالأسواق تشهد حركة ركود ومحلات بيع الملابس لا جديد فيها هذا العام إلا ما ندر ومحلات الحلويات قللت من إنتاجها واعتمدت الأنواع الرخيصة، كل ذلك بسبب الفقر وغلاء الأسعار وقلة المواد الأولية، وعدم وجود الأموال، ولسان حال الجميع يقول، "الجمل بليرة ولا نملك الليرة"، فماذا نفعل؟

ويقول حسان 45 عاماً، موظف، "راتبي لا يزيد عن 30 ألف ليرة سورية مع الزيادات الأخيرة، ولقد حاولت قدر الإمكان ضغط الإنفاق وترشيده خلال أيام رمضان، لكن كل جهودي باءت بالفشل"، لافتاً إلى أنه على الرغم من إنفاقه في الحد الأدنى، والاقتصار على الضروريات، إلا أنه اضطر للاستدانة من أحد الأصدقاء المقتدرين، ما يعادل نصف دخله الشهري، من أجل تكملة الشهر.

وأضاف: "أمام هذه الظروف يبدو أنني لن أستطيع أن أقدم لأولادي ما يفرحهم بالعيد"، لافتاً إلى أن المواطن أصبح ضحية ليس لحصار قوات النظام، بما أفرزه من تضييق على كل شيء، لا بل وضحية لتجار الأزمات، وهواة التربح السريع، الذين يتسببون بارتفاع الأسعار نتيجة تحكمهم بذلك، في ظل غياب الجهات الرقابية الفاعلة، والسلوكيات والقيم الأخلاقية والدينية الرادعة، حسب وصف حسان.

عماد، صاحب محل ألبسة، 38 عاماً، أكد أنه لم يجلب إلى محله كميات جديدة من الملابس بسبب ضعف الإقبال وارتفاع أسعارها من المنشأ، مشيراً إلى أن هامش الربح الذي يحصل عليه من بيع الملابس في محله عادي جداً، وهو في إطاره المعقول، محملاً تجار الجملة، الذين يزيدون مبالغ كبيرة على السلع، السبب في رفع الأسعار، بحجة ارتفاع سعر الدولار أمام الليرة السورية، والنقل من مسافات بعيدة، وإتباع طرق زراعية، والتعرض للأخطار نتيجة الاشتباكات بين قوات النظام وبين قوى المعارضة، وبالتالي ارتفاع أجور نقل البضائع.

وأشار عماد إلى ضرورة إيجاد جهات ثورية رقابية، تضع حداً لأطماع التجار، داعياً الفصائل المسلحة  العاملة على الأرض، في القرى والبلدات، إلى "التدخل في حياة الناس العامة، والعمل على ضبط كل ما من شأنه الإخلال بحياة المواطنين المعيشية".

من جهته، أكد رئيف 41 عاماً، وهو تاجر جملة، أن معظم السلع والبضائع المتداولة في مناطق جنوب سوريا المحررة، هي من إنتاج سوري أو مستورد سوري، وتأتي من مناطق سيطرة النظام عبر محافظة السويداء المجاورة أو عبر طرق خلفية تسيطر عليها حواجز قوات النظام، مشيراً إلى أن الشحنة مهما كانت صغيرة أو كبيرة، تخضع لإنفاق إضافي /كرشى/ تتوزع بين التجار الكبار، والحواجز وشبيحة النظام، الذين يسهلون عبور كل الشحنات، بما فيها المواد الاستهلاكية، مقابل مبالغ  مالية كبيرة تضاف لاحقاً على أسعار السلع، كما قال.

ولفت رئيف إلى أن "أسعار المواد داخل المناطق المحررة تصبح بأضعاف ثمن مثيلاتها داخل مناطق سيطرة النظام، للأسباب السابقة"، مشيراً إلى أن المتربحين من هذه الإجراءات والممارسات هم سلسلة كبيرة من التجار والضباط التابعين لقوات النظام، يتوزعون بين مناطق سيطرة النظام، ومناطق سيطرة المعارضة".

الشيخ علي، وهو أحد أئمة المساجد، قال إن أجواء العيد هذا العام في حوران متخمة بالحزن والخوف بسبب ما يحدث على أراضيها من إراقة دماء نتيجة الاقتتال الداخلي وبسبب الحصار الذي يفرضه النظام على المناطق المحررة يضاف إليها الوضع الاقتصادي السيء للسواد الأعظم من أبناء المحافظة وقلة الموارد وانتشار البطالة والفقر حيث بات الكثير منهم عاجزاً عن تأمين قوته اليومي.

وأضاف: "كان للعيد في السابق طعم خاص وطقوس جميلة، بدأت تنحسر مع استمرار سنوات الأزمة التي تعيشها البلاد وأصبح الاكتفاء ببعض الطقوس غير المكلفة هو الدارج"، لافتاً إلى أن التحضيرات في السابق كانت تبدأ قبل أسبوع من نهاية رمضان، حيث الأسواق عامرة بكل ما لذ وطاب، والحركة مستمرة لساعات متأخرة من الليل، أما الآن فلم تعد الحياة كذلك فلا أسواق ولا مواد ولا أموال لشراء أي شيء إلا عند ذوي الإمكانيات المادية الجيدة الذين يستفيدوا من استمرار الحرب، يضاف إلى ذلك غياب الفرح من النفوس بسبب ما حل بالشعب السوري الذي أصبح  بين مهجر ولاجئ ومعتقل وشهيد.    

فيما تتحسر السيدة نعمة، 55 عاماً، على الأيام الجميلة وأيام العز التي عاشتها سابقاً، وقالت "الحياة تغيرت".

وأضافت: "كان عيد الفطر بالنسبة لنا في السابق من أجمل الأعياد لأنه فرحة الصائم بختام شهر من العبادة  وفرحة الأطفال بالألعاب والهدايا والملابس الجديدة، هو عيد اللمات الجميلة التي كان يأتي فيها الغياب من السفر لقضاء العيد مع الأهل والأحبة، أما الآن فإن الظروف تغيرت، فغابت جمعات الأهل والأحبة، وغابت معها الفرحة وانحسرت الأكلات اللذيذة والحلويات الشعبية التي كانت ترافق طقوس العيد كخبز العيد واللزاقيات والمسافن، واقتصرت على بعض الحلويات الشعبية الجاهزة، لأن الكل أصبح مشغولاً بكيفية تحصيل قوت يومه، وبأخبار الحرب والقتال، والتفكير بالغائبين، فأين الفرح في هذه الظروف؟!".

فيما قال عبد القادر، 35 عاماً، متحسراً، "لقد تلون كل شيء هنا بلون الحرب انظر إلى هذا الخراب والدمار الذي حل بنا حتى ألعاب الأطفال باتت المسدس والبندقية، وكل ألعابهم  قتالية، تحاكي ما يحدث على جبهات القتال الفعلية".

ترك تعليق

التعليق