تحقيق: أزمة الجوع في معضمية، تلبس حلة جديدة

بعد اتفاق مبدئي على مصالحة مع النظام دخلت المواد الغذائية والخبز إلى مدينة معضمية الشام منهية خمسة أشهر من الجوع ومسدلة الستار على مشاهد لا تعرف الرحمة من مسلسل حصار لا ينتهي.

هل انتهى الجوع من المدينة التي تضم ثلاثين ألف نسمة، وهل تلاشت آلامه ومرارته بعد عناء طويل؟

التحقيق التالي يجيبنا عن هذا السؤال..

 خمسة أشهر من الجوع

"في الخمسة أشهر الأخيرة أي منذ إغلاق المدينة تماماً عرف الناس معنى الجوع، تذوقوا مرارة أن يستيقظوا فلا يجدوا شيئاً يطعمونه لأطفالهم، كانت أياماً قاسية على الجميع، قلّ الطعام لدرجة لا تكاد تصدق وكدنا نموت من الجوع حقاً"، يقول فادي متحدثاً عن الحصار المنصرم.

ويضيف فادي: "تعرضت المعضمية لحصارات متوالية، لكن هذا الحصار كان الأقسى".

ويذكر فادي كيف كان يعيش الناس في ظل الحصار السابق: "الشوربة كانت هي الطبق الرئيسي في كل وجبة، البقلة والبقدونس والبقوليات كانت نادرة وإذا بيعت فبأسعار عالية، السكر كان أندر من الكبريت الأحمر، أما المواد الأساسية كالبرغل والرز فكان الناس يتعاملون معها كما يتعاملون مع أي شيء نفيس وغال.. يا لها من أيام".

ويتمنى فادي ألا تعود تلك الأيام قائلاً: "لقد كانت كابوساً بالنسبة لنا جميعاً، أنا شخصياً لم أتوقع في يوم ما أن أعيش مثلها وأتمنى ألا أعيشها مرة أخرى أبداً".

 هل انتهى الحصار؟

لم ينته الحصار تماماً من مدينة معضمية الشام والمصالحة التي وقعت بنودها الأولى منذ شهر لم تكتمل حتى اللحظة.

المحلات لم تفتح أبوابها لتبيع مختلف المواد الغذائية للأهالي بل تدخل المواد بكميات محدودة وتوزع ضمن قطاعات منظمة تشمل جميع الناس.

يعمل أبو سعيد رئيساً لأحد القطاعات حيث يبيع الخبز والخضروات وأطعمة مختلفة للأهالي.

ويقول أبو سعيد: "في البداية كان الناس يشترون جميع المواد حتى لو كانت أسعارها كبيرة، إنهم لم يصدقوا توفر الطعام بين أيديهم بسبب فظاعة الحصار الذي كان مفروضاً عليهم".

ويشير أبو سعيد إلى تغير الوضع الراهن في الوقت الحالي: "صارت المواد تكسد في محلاتنا، لقد خف الشراء بشكل تدريجي حتى أصبح نصف المواد تقريباً يزيد عندنا".

ويضيف أبو سعيد بالقول: "بإمكانك القول إن الحصار انتهى جزئياً من مدينتنا فمواد كثيرة صارت موجودة والخضروات تدخل يومياً وإن كانت كمياتها غير كافية، لكن هناك مشكلة أو أزمة اقتصادية بدأت تظهر اليوم.. إنها ليست في قلة أو ندرة الطعام بالتأكيد".

 ما هي الأزمة؟

يعمل محمد صحفياً في إحدى الجرائد المحلية، ووفر له عمله في التغطيات الميدانية متابعة جيدة للشأن الاقتصادي لأهالي المدينة في الوقت الراهن.

يقول محمد: "لدينا الموظفون عند الدولة والمتقاعدون والمقاتلون ضمن الألوية الثورية وبائعو الدخان.. وما سوى ذلك من أهالي المدينة فعاطلون عن العمل وهم يشكلون أكثر من 80 بالمائة، إنهم تحت خط الفقر بمرات عديدة".

ويتابع محمد حديثه لـ "اقتصاد": "أزمة الجوع لم تنته إذن، لقد تبدلت ملامحها من حصار تام ومنع لدخول ذرة الطحين إلى ندرة السيولة النقدية وضعف القدرة الشرائية لدى الأهالي، البضاعة اليوم تكسد في المحلات، انظر مثلاً البيض، البارحة دخلت شاحنة محملة بهذه المادة ويباع الطبق بـ 1350 ليرة، نصف الكمية أو أكثر ما تزال قابعة في رفوف محلات القطاعات، وهكذا اللبن الذي يباع بـ 225 ليرة واللبنة التي تباع بـ 425 ليرة والفروج الذي يباع الكيلو منه بـ 2150 ليرة".

ويضيف: "الفقر اليوم هو سيد المرحلة وبالتالي.. لم ينته الجوع!".

 قصص وآهات

نادى أحد الجيران على أبو شفيق مخبراً إياه بتوفر مادة اللبن فصاح أبو شفيق بالقول: "لا أريد اللبن اليوم ولا في أي يوم آخر.. لم يتبق نقود".

قصة أخرى يتحدث صاحبها عن معاناته فيقول: "كنت من أصحاب المشاكل في الفترة السابقة وكنت أسرق ما تقع علي يدي وقد حبست بسبب ذلك.. منذ أشهر تبت عن هذه الأعمال وقلت يا ولد اجلس في بيتك ولا تطعم أطفالك المال الحرام، واليوم، هل أحلف لك بالله أن أولادي لم يتذوقوا الخضراوات منذ أول رمضان، لا يوجد نقود.. يا أخي".

أما أبو وليد، الكهل الذي تجاوز الخامسة والخمسين فقد قال موضحاً قصته: "أنا كمعظم الناس بلا عمل، يعني بلا نقود، واليوم دخلت هذه المواد إلى المعضمية فماذا أفعل، الله يفرج يارب، لكن أين الجمعيات الخيرية؟، أين المجلس المحلي؟، أين الائتلاف الوطني؟".

 وفي الختام

الجوع لم يبرح مكانه من مدينة المعضمية، بل غير جلده فقط، من حصار إلى فقر مدقع، حيث يشتد الحرمان ويتعاظم أكثر وأكثر.

"اقتصاد" إذ ينشر هذا التحقيق فإنه يلفت انتباه الجمعيات الإغاثية والهيئات الثورية لتمد يد العون إلى سبعة آلاف أسرة تذوقوا بؤس الحصار وآلام الجوع بشكل لا يوصف.. في المدينة المنكوبة، معضمية الشام.

ترك تعليق

التعليق