رمضان درعا لهذه السنة.. صيام عن المنسف، و6 ليترات مياه مجمدة يستهلك الدخل اليومي


تخلى الكثير من أهالي درعا، في رمضان لهذ العام، عن معظم المتطلبات والاحتياجات الضرورية وبعض الطقوس المرافقة التي تميز رمضان، وذلك بسبب تفاقم الصعوبات المادية المتراكمة على كواهلهم.

وبهذا الصدد، يقول الناشط الحقوقي أبو قيس الحوراني، إن "حياة السواد الأعظم من المواطنين في جنوب سوريا، تزداد سوءاً يوماً بعد يوم، بسبب ظروف الحرب التي تعيشها البلاد، وعدم وجود جبهات عمل وإنتاج"، لافتاً إلى أن المواطن في أي مهنة، بات يكدح طوال النهار، دون أن يستطيع تأمين احتياجاته اليومية، بسبب ارتفاع الأسعار الفاحش، وارتباطها بالدولار.

وأضاف الناشط الحقوقي أن "المواطن لم يعد قادراً على شراء أبسط الاحتياجات الضرورية، لعدم وجود الأموال بين يديه، فالدخل مهما كان لم يعد متناسباً مع حجم الإنفاق، وهذه الحالة تسود حياة معظم الناس، الذين يعتمدون في تأمين دخلهم على ما تبقى من الوظائف الحكومية، والأعمال الزراعية الموسمية، وبعض المهن الصغيرة".

وفي نفس السياق، يقول أحمد: "عمري الآن نحو خمسين عاماً، أعمل مدرساً، ودخلي لا يتجاوز الـ 70 دولاراً، وذلك بعد أكثر من 25 عاماً أمضيها في وظيفتي"، لافتاً إلى أن تأمين الأمور المعيشية أصبح صعباً بسبب ارتفاع الأسعار وعدم تناسبها مع المداخيل.

وأضاف الموظف الحكومي: "تصور أن راتبي في أحسن الأحوال يساوي 37 ألف ليرة سورية، فماذا أشتري به، وكم يكفي أسرتي المكونة من ستة أفراد"، لافتاً إلى أنه في أضعف الأحوال يحتاج يومياً إلى 2كغ من اللبن الرائب، وربطة خبز، وبعض السكر والشاي، وهذه هي أبسط الاحتياجات الضرورية اليومية، وأسعار هذه المواد لا يقل عن 800 ليرة سورية.

وأشار أحمد إلى أن "أرخص وجبة مكونة من بعض الخضار، باتت تكلف أكثر من 1500 ليرة سورية، فما بالك إن دخل في تركيبتها اللحوم فإنها على الأقل تكلف 3500 ليرة سورية، وهو أمر قلما يحدث في مطبخي، لأنه غير مقدور عليه، وإمكانياتي لا تسمح بذلك"، موضحاً أن دخله "لا فوقه ولا تحته"، وعليه أن يلائم إنفاقه وفقاً لذلك، وأي إسراف ولو كان ضرورياً سيوقعه في عجز مالي، حسب وصفه.

من جانبه، قال سمير، بائع بسطة خضار، "نعيش هنا من قلة الموت، ولاسيما في هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان، فبدل أن تسود الرحمة بين الناس، ويقدر الناس ظروف بعضهم، تزداد بعض النفوس الضعيفة جشعاً"، لافتاً إلى أن أرباحه اليومية لا تتجاوز في أحسن الأحوال 1200 ليرة".

ويستطرد سمير: "أجلس في هذا المكان كل النهار لتحصيلها، وهي في النهاية لا تكفي لشراء أبسط الأشياء، حتى لا تكفي لشراء نصف كغم من اللحمة".

وتابع سمير: "تصور أن سعر ليتر التمر هندي أو عرق السوس وهما من المشروبات الرمضانية، يتجاوز الـ250 ليرة سورية لكل منهما، وأن ليتر المياه المجمدة بنحو 200 ليرة سورية، فبحسبة بسيطة، دخلي اليومي يكفي لشراء ستة ليترات من المياه المجمدة"، لافتاً إلى أن ارتفاع هذه الأسعار يعود إلى ارتفاع أسعار المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل بعض المولدات الكهربائية، وبعض الطمع من الباعة والرغبة في الإثراء السريع، في ظل عدم وجود التيار الكهربائي الذي نسيه الناس في الكثير من المناطق المحررة.

بدوره، يقول غسان، موظف سابق، "كنا دائماً ننتظر شهر رمضان بفارغ الصبر، لأنه شهر الخير والبركات والرحمة والمغفرة، يسود فيه الحب بين الناس والتكافل الاجتماعي، ويحس كل واحد بالآخر، ولكنه بسبب الحرب والظروف المعيشية الصعبة للناس، نتيجة ضعف الإمكانيات والحصار المفروض على بعض المناطق، فقد رمضان الكثير من طقوسه رغم أهميته الروحية، وأصبح البعض غير قادر على الوفاء بالتزاماته المترافقة مع هذا الشهر، فلم يعد تبادل الطعام على نطاق واسع سائداً، كما كان، وغابت موائد الرحمن والخيام الرمضانية، كما أن تبادل الدعوات على الإفطار بين الجيران والأقارب أصبحت قليلة، إلا ماخلا".

 وأضاف غسان أن "ارتفاع درجات الحرارة السائدة في المنطقة، وغياب التيار الكهربائي المستمر منذ عدة أعوام، وعدم قدرة ألواح الطاقة الشمسية على تشغيل البرادات، قلل من فرحة الصائم، لعدم قدرته على تأمين بعض المياه الباردة والعصائر التي تروي الظمأ بعد صيام طويل".

وقال عماد الدين 45 عاماً، وهو تاجر مواد صحية، إن" كثيراً من الأطعمة الشعبية والأكلات الرمضانية، التي كانت تزين الموائد الحورانية معظم أيام شهر رمضان الفضيل، سجلت غياباً ملحوظاً هذا العام، بسبب ارتفاع أسعار المواد الداخلة في تركيبها، فالمنسف الحوراني كان أول الغائبين عن معظم الموائد، وكذلك اللحوم بأنواعها والحلويات الرمضانية والقطايف"، لافتاً إلى أنه ورغم دخله المقبول نسبياً، تناول المنسف مرة واحدة فقط، فيما كان يتناول ذلك في السابق عدة مرات.

وأضاف عماد الدين، أن من أبرز العادات الرمضانية التي غابت هذا العام، "السهرات الرمضانية، التي كانت تمتد  حتى السحور، والتي توقفت بسبب الظروف الأمنية السائدة وعدم الشعور بالأمن والأمان".

وإذا كانت الأيام الرمضانية في المناطق المحررة تشهد بعض الصعوبات، إلا أنها في ريف درعا الغربي وتحديداً في منطقة حوض اليرموك، الواقعة تحت سيطرة لواء شهداء اليرموك (الذي أصبح لاحقاً جيش خالد بن الوليد)، تزداد صعوبة بسبب الحصار المزدوج المفروض على المنطقة، رغم انسياب المواد الأساسية إليها بشكل جزئي، ما تسبب ببقاء الأسعار على سوية عالية مقارنة مع المناطق الأخرى، رغم دخولنا في النصف الثاني من شهر رمضان.

ويقول عبادة، مهندس زراعي 31 عاماً، "لم يطرأ أي انخفاض على أسعار المواد رغم توفرها، وذلك بسبب صعوبة الحصول عليها، والأجور العالية التي تدفع لنقلها"، لافتاً إلى أن سعر صحن البيض بلغ نحو 1350 ليرة سورية، والكغ من السكر بلغ 550 ليرة سورية، والزيت العادي بـ950 ليرة سورية، والرز ما بين 450 إلى 750 ليرة سورية، والفروج بـ 1050 ليرة، ولحم العجل بـ 3500 ليرة، وكذلك لحم الغنم، فيما بلغت  أسعار المشتقات النفطية الآتي: البنزين 1000 ليرة سورية، والمازوت 650 ليرة سورية، والغاز الذي يوزع عبر معتمدي الخبز الإغاثي بـ 6500 ليرة سورية، فيما كانت أسعار الخضار مقبولة كونها من إنتاج المنطقة وأسعارها متقاربة في معظم المناطق المحررة مع بعض الفروق النسبية.

ترك تعليق

التعليق